ذا هيل | لبنان وليس أوكرانيا أو تايوان.. ما الأزمة المقبلة التي قد تواجه أمريكا؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

هل يجلب العام الجديد معه “حرب لبنان الثالثة” التي قد تشعل المنطقة وتجرّ أمريكا مجددًا إلى الشرق الأوسط؟ كتب “هال براندس” مقالة لحساب “مؤسسة هوفر” في عام 2019 يقول فيها: “المصالح الأمريكية في المنطقة لم تختفِ، واحتمال أن تؤثر اضطرابات الشرق الأوسط على أمريكا، في حال تُركت دون معالجة، هو مرتفع كأي وقت مضى. إن سارعت الولايات المتحدة للخروج من المنطقة، فربما تجد أنها انسحبت في خضم ظروف أسوأ، وتكاليف أعلى، في المستقبل”.

إن لإسرائيل “خطَّين أحمرين” على أقل تقدير في تعاملها مع إيران ووكيلها “حزب الله” في لبنان. إن الرواية المفترضة الأكثر تداولاً في الإعلام هي إقدام إسرائيل بصورة استباقية على ضرب منشآت إيران النووية، وإطلاق إيران 150 ألف صاروخ موجودين بحوزة حزب الله. قد يُربك هذا الردّ الصاروخي أداء أنظمة “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” و”أرو” المضادة للصواريخ. تستحوذ هذه الرواية على الاهتمام الأكبر، تاركةً وراءها مسألة أقل وضوحًا بشأن السبب الذي قد يشعل المواجهة المقبلة على حدود إسرائيل الشمالية مع إيران – التي يطلق عليها البعض الآن حدود إسرائيل ولبنان وسوريا.

إن الأمر الذي قد يدفع إسرائيل للتحرّك ربما لا يتعلق بمسيرة إيران للتحول إلى دولة على الحافة النووية. لكن ربما يتعلق بتجاوز حزب الله الخط الأحمر الإسرائيلي عبر إنتاجه صواريخ دقيقة التوجيه يمكنها تدمير إسرائيل من الشمال والجنوب. ربما هذا ما قد يجبر إسرائيل على توجيه ضربة استباقية للبنان، ما يشعل حربًا إقليمية. لهذا السبب، يجب على الولايات المتحدة ألا تشيح بنظرها عن لبنان.

أضِف إلى ذلك احتمال تنفيذ إسرائيل غزوًا بريًّا واسعًا في حال تبيّن لها أن الضربات الجوية وحدها لن تكون كافية لتدمير مخزونات ومواقع تصنيع الصواريخ دقيقة التوجيه التابعة لإيران وحزب الله. تعلمت إسرائيل مدى محدودية الضربات الجوية الصرفة من حرب لبنان الثانية، لكنها حسّنت كثيرًا من قدراتها أثناء حروب غزة الخمس الأخيرة. دمّرت عملية “حارس الأسوار” التي أطلقتها إسرائيل في مايو 2021 شبكة الأنفاق التي شيّدتها حماس تحت الأرض، وستُطبق هذه التجربة على شبكة الأنفاق الأكثر تحديًا التي بناها حزب الله، فضلًا عن أصول الحرس الثوري الإيراني العسكري في لبنان.

تعلم إسرائيل أن الوقت ليست بجانبها. لو اندلعت الحرب، سيُجبر المجتمع الدولي إسرائيل للقبول مبكرًا بوقف إطلاق نار بسبب الضحايا المدنيين. لهذا سيتعين على إسرائيل تنفيذ ضربتها المدمّرة في وقت قصير، ما قد يستلزم غزوًا بريًّا.

يمكن أن يقع هذا السيناريو عاجلًا أم آجلًا. بحسب “عاموس هارئيل” المراسل العسكري والمحلل الدفاعي المخضرم في صحيفة “هآرتس” فإن “حزب الله بات فيما يبدو على وشك إنتاج معدات دقيقة لصواريخ في لبنان. يُعد هذا التطور “خطًّا أحمر”… هل ينبغي مهاجمة مواقع التصنيع، والمخاطرة بإشعال حرب؟ على الجانب الآخر، ألا تفرض أزمة لبنان السياسية والاقتصادية الشديدة قيودًا على قدرة حزب الله على المناورة؟”.

ربما يمكن القول إن إسرائيل تفعل هذا بشكل متكرر، عبر ضرباتها العسكرية في عموم سوريا ضد أهداف لحزب الله وإيران. لكن هذا يحدث في سوريا، وأي ضربات على لبنان هي أخطر بكثير. إن “الحرب داخل الحروب” التي تشنها إسرائيل في سوريا، هي لعبة جيوسياسية معقدة تضرب فيها إسرائيل مواقع تصنيع أسلحة دقيقة التوجيه وقوافل تنقلها عبر سوريا إلى لبنان. في خضم هذه اللعبة الصعبة، تنسق إسرائيل مع روسيا لكي تسمح لها الأخيرة بالدخول وشن ضربات، دون استدعاء ردّ صاروخي روسي مضاد.

في الوقت الراهن، تبدو روسيا راضية عن تقويض إسرائيل لقوة الحرس الثوري الإيراني ووكيله حزب الله في لبنان، بالنظر إلى أن وجود إيران في سوريا يهدد بتقويض مكاسب روسيا الكبيرة في سوريا: قواعد روسيا البحرية والجوية المطوّرة حديثًا في اللاذقية وطرطوس الواقعتين على البحر المتوسط.

وربما لا يرغب حزب الله كثيرًا في تلقيّ ضربة مدمرة له في حال طلبت منه إيران المساعدة ردًا على ضربات إسرائيلية استباقية على منشآتها النووية. مع هذا، فإن حملة إسرائيلية جوية فعالة في جميع أنحاء لبنان بغرض تدمير مخزونه الصاروخي، ربما تجبره على الردّ. يمكن أن يشمل هذا شنّ الحزب هجمات صاروخية وعابرة للحدود عبر أنفاق لم تكتشفها إسرائيل على حدودها الشمالية.

لا يمكن أن يتحمل حزب الله أن يبدو ضعيفًا عبر عدم الردّ على إسرائيل. كذلك يمكنه أن يستخدم الهجوم الإسرائيلي للزعم بأنه هو “المدافع الحقيقي” عن سيادة لبنان وليس الجيش اللبناني العاجز. أرسلت الولايات المتحدة مؤخرًا 67 مليون دولار إضافية للجيش اللبناني بناءً على أمل كاذب بأن الجيش قد يكون ثقلًا موازنًا لحزب الله، لكن هذا أشبه باستخدام مسدس لمواجهة بندقية آلية سريعة الإطلاق.

إن تدمير لبنان والانهيار الإضافي لاقتصاده سيخلقان وضعًا سيئًا بما يكفي. لكن ما يجعل الحرب المحتملة المقبلة أكثر خطورة هو احتمال تحولها إلى حرب شمالية، وليس حربًا إسرائيلية – لبنانية. إن سوريا هي جزء من جبهة إيران الشمالية، والتي تضمّ عناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني ومليشيات خاضعة لإيران، فضلًا عن حزب الله. ستتحرك كافة هذه الأطراف في حال مهاجمة إسرائيل للبنان، والتحرك قد يشمل مليشيات عراقية خاضعة لسيطرة إيران في غرب العراق. إن تداعيات هذه الحرب قد تسمح لتركيا باستغلال الانشغال العالمي بالحرب، عبر مهاجمة الكُرد المتحالفين مع أمريكا في شمال سوريا.

في حديث مع محللين عسكريين وسياسيين إسرائيليين، تشير تقديرات إلى أن عدد ضحايا أي حرب شمالية سيتراوح بين 600 إلى 10 آلاف إسرائيلي، مع تكبّد خسائر نفسية ومادية كبيرة. سيتحمل الإسرائيليون في عموم البلاد، وليس فقط سكان شمال إسرائيل، عبء الدمار في حال كان حزب الله يمتلك قدرًا كافيًا من الصواريخ طويلة المدى ودقيقة التوجيه لإطلاقها ردًّا على أي ضربة إسرائيلية. وإن كان لا يمتلك هذه الصواريخ، فقد تتحول إيران لمهاجمة منشآت الغاز الطبيعي الإسرائيلية في البحر المتوسط. ما قد يؤثر سلبًا بمصالح مصر وقبرص واليونان والأردن، الذين يستفيدون جميعهم من إنتاج إسرائيل في مجال الطاقة.

هذا هو آخر سيناريو ترغب به أمريكا في وقت تحول فيه تركيزها إلى الشرق الأقصى لمواجهة الصين، وتأمل في أن تنضم إيران مجددًا إلى شكل من أشكال الاتفاق النووي المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”. قد يسفر العام المقبل عن إعادة تشكيل شرق البحر المتوسط، وقد يُجبر عام 2022 الولايات المتحدة على العودة إلى الشرق الأوسط. على أقل تقدير، ربما تواجه القوات الأمريكية المتواجدة على حدود العراق وسوريا وضعًا أكثر صعوبة، إذ تلعب هذه القوات دورًا مهمًا في عرقلة وصول إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا ولبنان، وتنسق مع حلفاء أكراد.

ربنا سيأتي زمنٌ تشعر فيه إسرائيل أنها مضطرة للتحرك ضد حزب الله، وربما يكون هذا الزمن قريبًا. سيتعين على القيادة في أمريكا موازنة مصالح أمريكا واتخاذ قرار حول إمكانية أو طريقة مساعدة إسرائيل في تحقيق نجاح سريع في مهمتها.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا