ذا هيل | هل سيصبح الصراع في الفضاء حتميًّا؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في السنوات الأخيرة، بدأت الدول في استعراض عضلاتها في الفضاء، فقبل أربع سنوات، دمَّرت الصين أحد أقمارها الصناعية الخاصة بالطقس باستخدام صاروخ؛ ما تسبب في تناثر عشرات الآلاف من الشظايا الضخمة والتي تسبح بسرعة تكفي لتدمير قمر صناعي آخر أو تشكل تهديدًا لمحطة الفضاء الدولية.

وبعد ذلك بعامين، انضمت الهند إلى قائمة الدول القادرة على خوض حرب في الفضاء من خلال تدمير أحد أقمارها الصناعية، وفي العام الماضي فقط، أجرت روسيا اختبارًا صاروخيًّا مضادًا للأقمار الصناعية، فيما قامت الولايات المتحدة بتنشيط مركزي قيادة لقوة الفضاء، وهو فرع من الجيش أنشئ لإجراء عملياته في الفضاء الخارجي.

فهل ينذر هذا التصعيد في النشاط العسكري بحرب فضاء دولية؟

في الوقت الحالي، تجري دولٌ اختبارات لتطوير مشاريعها لتكنولوجيا الفضاء. ورغم أنه العالم لم يشهد أبدًا نزاعًا مسلحًا في الفضاء، إلا أنه أصبح ساحة الحرب التالية. من جانبه، حذر “تشارلز ريتشارد”، نائب قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية، في عام 2017 من أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الاستعداد للقتال وكسب الحروب في جميع المجالات، بما في ذلك الفضاء. وقال ريتشارد: “رغم أننا لسنا في حالة حرب في الفضاء، إلا أننا لسنا في حالة سلام أيضًا”.

وفي الشهر الماضي، أصدر موقع “ديفينس وان” تقريرًا يسلط الضوء على عدم وجود قواعد دولية تحكم السلوك في الفضاء، ونمو برنامج الفضاء العسكري الصيني، ومشكلة الحطام الفضائي، والذراع الفضائي المزمع إنشاؤها للحرس الوطني الأمريكي، بالإضافة إلى احتمال نشوب صراع حول ملكية المواقع على القمر والطرق التي يمكن بها استخدام الأقمار الصناعية لرصد الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

إن قانون الفضاء الدولي الحالي لا يقدّم إلا القليل من الضمانات، رغم أنه قائم على معاهدة الأمم المتحدة للفضاء الخارجي لعام 1967، والذي صادقت عليه 99 دولة ووقّعته 27 دولة أخرى، وتنص على أن الفضاء هو “مجال للبشرية كلها”، وأن جميع الدول لديها حرية “استخدام” و “استكشاف” الفضاء الخارجي، شريطة أن يتم بطريقة “تفيد البشرية جمعاء”. ومع ذلك كانت مصطلحات تلك المعاهدة شاملة وغامضة كما لم يتم تعريفها بشكل واضح.

وبينما تحظر المعاهدة أسلحة الدمار الشامل، إلا أنها لم تتطرق إلى الأسلحة التقليدية. كما أنها تطرقت إلى ملكية القمر في معاهدة الأمم المتحدة لعام 1979، حيث أعلنت أن القمر جزء من تراث البشرية المشترك، وتقول إن القمر والموارد الأخرى الموجودة خارج الأرض “لا تخضع للتملك الوطني بدعوى السيادة أو عن طريق الاستخدام أو الاحتلال، أو بأي وسيلة أخرى”. ولسوء الحظ، لا تزال المعاهدة موضع نقاش حيث لم توقّعها أي من القوى الرئيسية التي ترتاد الفضاء.

وتُظهر الفوضى والافتقار إلى التنظيم تأثيرًا كبيرًا في الزيادة الهائلة في نفايات الفضاء، وهي مخلفات النشاط البشري في الفضاء، وتشمل القطع المعدنية التي لم تعد تخدم غرضًا مفيدًا والمركبات الفضائية غير العاملة ومركبات الإطلاق المهجورة والمواد المنبثقة من البعثات الفضائية والحطام المتشظي. وهناك 23 ألف قطعة من الحطام تدور حول الأرض، والتي تتابعها شبكة المراقبة الفضائية التابعة لوزارة الدفاع.

وتكمن المشكلة في أنها تتحرك جميعًا بسرعات عالية للغاية تصل إلى 17500 ميل في الساعة، وبهذه السرعة فحتى بقعة صغيرة من الطلاء يمكن أن تلحق أضرارًا بالمركبة الفضائية. ويزداد الوضع سوءًا، فمع إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية وتراكم المزيد من الأجهزة المتقادمة في مدار الأرض، تزداد احتمالات الاصطدام.

وتخطط شركات الفضاء التجارية مثل (سبيس إكس) لإطلاق عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية في العقد المقبل لتسهيل الإنترنت اللاسلكي في الأجزاء التي لا توجد لها تغطية من العالم. وحتى قبل هذه الخطط، كان من المتوقع أن تتسبب الاصطدامات الكبيرة في حدوث تصادمات متتالية، مما يزيد بشكل كبير من عدد وكثافة القطع الصغيرة، ويحتمل أن يجعل المدار الأرضي المنخفض غير صالح للاستخدام تمامًا. وهذا السيناريو الرهيب يسمى متلازمة (كيسلر).

وأصبح للمشكلة طابع مشؤوم؛ لأن القوى العالمية تسلح نفسها للقضاء على الأقمار الصناعية لبعضها البعض، سواء بشكل هجومي أو دفاعي. وسيصبح من الصعب على أي دولة أن تعرف سبب تعطل قمرها الصناعي، هل كان تصادمًا مع حطامًا أم “طقسًا” فضائيًّا أم عملًا عدائيًّا؟

ولا توجد معاهدة دولية تحكم الحطام الفضائي، ولكن توجد استراتيجيات للتخفيف، ومع ذلك ما فتئت الحكومات تتلكأ.

ولذلك فقد أصبح مدار الأرض “مأساة المشاعات” الجديدة، حيث ندمر شيئًا لأننا نربح من خلال استغلاله ولا يمكننا استبعاد الآخرين من فعل الشيء نفسه.

لقد باتت خردة الفضاء تمثل صداعًا في رؤوس دول العالم، غير أن أسلحة الفضاء أصبحت كابوسًا مؤرقًا.

وتعد الصين قوة فضائية صاعدة بسرعة، ولديها خطط طموحة لإنشاء محطة فضائية وقاعدة على القمر وأخرى على كوكب المريخ. وعلى عكس الولايات المتحدة، حيث وكالة “ناسا” وكالة مدنية لديها خطط متاحة للتدقيق، فإن برنامج الفضاء الصيني مرتبط بجيشها ويعمل في سرية تامة.

وقد ذكر تقرير حديث صادر عن مكتب مدير المخابرات الوطنية أن الصين تعمل على مجموعة من القدرات لتسليح الفضاء، و”تخطط للحاق بالقدرات الأمريكية الفضائية أو تجاوزها لجني الفوائد العسكرية والاقتصادية والهيبة التي حازتها واشنطن من ريادتها في مجال الفضاء”. ومع ذلك فإن نشوب الصراع ليس حتميًّا، إذ يعتمد العالم على الأداء السلس لآلاف الأقمار الصناعية التي تدور فوق رؤوسنا، والتي بدونها لن نحصل على التدفق السريع للبيانات أو بيانات موقع GPS، كما ستتوقف أنشطة اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات. ولذلك فإن مصالح القوى العظمى تتمثل في تجنب حرب استنزاف مدمرة في الفضاء.

ولكن كيف ستتأثر حسابات الصراع بظهور جهات فاعلة في القطاع الخاص؟

تعمل شركات الفضاء الخاصة على صياغة نموذج اقتصادي جديد للسفر إلى الفضاء، يعتمد على السياحة والترفيه، والتي تهدف في النهاية إلى استغلال الموارد خارج الأرض مثل تعدين الكويكبات. فهناك أكثر من عشرين شركة لديها خطط طموحة في هذا المجال. وتتصدر شركة (سبيس إكس) و(بلو أوريجينز) زمام المبادرة. ومن المتوقع أن تتضاعف قيمة صناعة الفضاء الخاصة ثلاث مرات لتصل إلى 1.4 تريليون دولار بحلول نهاية العقد الجاري.

إن مساعي الدول إلى توسيع نطاق وجودنا خارج الأرض يهدد بإعادة التاريخ الاستعماري والاستحواذي للعالم الغربي في ساحة جديدة. وفي ظل غياب القوانين واللوائح المنظمة للعمل في الفضاء، لن تواجه الشركات قيودًا أخلاقية على سلوكها.

وإذا كان تفوق الشركات على الدول أمرًا يصعب تصديقه، فعليك أن تفكر في هذا: في التكنولوجيا الكبيرة، وهو ما حدث بالفعل. فالقيمة السوقية لشركة (أبل) أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول العالم باستثناء سبعة دول. أما شركة (أمازون)، التي تمول مؤسسة جيف بيزوس الفضائية، فلها رسملة سوقية مماثلة لتلك الموجودة في روسيا أو البرازيل. ولكن حتى هذه الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا تضاءلت أمام شركة الهند الشرقية الهولندية. فقبل أربعمائة عام، سيطرت هذه الشركة العملاقة على نصف التجارة العالمية وفرضت قبضتها على السلطة من خلال 40 سفينة حربية وعشرة آلاف جندي؛ ولذلك فإننا سنحتاج إلى اتخاذ الكثير من الإجراءات للتأكد من أن التاريخ لا يعيد نفسه.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا