ذكرى خطاب الأمل.. حلم “لوثر كينج” لا يزال محرمًا

شيماء مصطفى
كتبت – شيماء عبدالمنعم
في ذكرى مسيرة عام 1963 التي ألقى فيها زعيم الحركة المطالبة بالحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ خطابه التاريخي “لدي حلم”.
تجمع آلاف الأشخاص للقيام بمسيرة في واشنطن، اليوم الجمعة، لاستنكار العنصرية والاحتجاج على وحشية الشرطة، وفي هذا الخطاب الذي حمل عبارة تكررت كثيراً، تحدث كينغ عن وقت يعيش فيه أطفاله “يوماً ما في دولة لا يكون الحكم عليهم فيها بلون بشرتهم بل بسمات شخصيتهم”.
وأشار المتحدثون إلى عضو الكونغرس الراحل جون لويس الذي كان من بين من تحدثوا في مسيرة عام 1963.
وأشاروا أيضاً إلى أهمية الاقتراع في انتخابات نوفمبر المقبل، والارتباط بين الدعوة إلى الحقوق المدنية للسود وحقوق المعاقين.
وشهد الصيف الحالي اضطرابات عرقية ومئات الاحتجاجات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة أشعلتها وفاة جورج فلويد، الأمريكي من أصل أفريقي، الذي توفي بعد أن جثا رجل شرطة في مينيسوتا على رقبته تسع دقائق.
مسيرة عام 1963
لديّ حلمٌ بأن أطفالي الأربعة سوف يعيشون يوماً ما في دولةٍ لا يُحكم عليهم فيها على أساس لون بشرتهم، وإنما شخصهم وأفعالهم لديّ اليوم حلم.

سيكون هذا هو اليوم الذي فيه يغني كل أبناء الربِ بمعنىً جديد:

وطني، إنها أرضك ..

أرضُ الحريةِ الحبيبة ..

لأجلك أغني ..

الأرضُ التي مات فبها آبائي ..

أرضُ فخر المهاجرين ..

من كل انحدارات الجبال ، فليُقرع جرسُ الحرية ..

وإن أرادت أمريكا أن تصبح دولةً عظيمة، فيجب أن يأتيَ هذا اليوم . لذا، فليُقرع جرسُ الحريةِ من قمم تلال ( نيوهامبشاير ) الضخمة .

فليُقرع جرسُ الحريةِ من جبال ( نيويورك ) الجبّارة .

فليُقرعُ جرسُ الحريةِ من جبال ( الغينيس ) المتضاعفة في ( بنسلفانيا ) .

فليُقرع جرسُ الحريةِ من جبال ( روكي ) المكللةِ بالثلوجِ في ( كولارادو ) .

فليُقرع جرسُ الحريةِ من القمم المنحنية في ( كاليفورنيا ) .

ولكن ليس هذا فقط ، فليُقرع جرسُ الحريةِ من جبل ( الحجر ) في ( جورجيا ) .

فليُقرع جرسُ الحرية من جبل ( لوكاوت ) في ( تينيسي ) .

فليُقرع جرسُ الحريةِ من كل تلٍّ ، ومن كل تلّ خُلدٍ في ( المسيسيبي ) .

عندما نقرع جرس الحرية ، وعندما نقرعه من كل القرى الصغيرة والكبيرة ، ومن كل ولاية ومدينة ، سنستطيع أن نعجّل قدوم ذلك اليوم المنتظر الذي فيه أبناء الرب جميعهم ، الرجال السود والرجال البيض ، اليهود واللايهود(2) ، البروتستانت والكاثوليك ، يشبكون أياديهم ويتغنّون بكلماتِ الأنشودة الدينية الزنجية :

أحرارٌ أخيراً .. أحرارٌ اخيراً

لك الشكر يا ربنا …

لدي حلم

وطوال فترة الستينيات من القرن العشرين، كان يُلقى القبض عليه خلال الاحتجاجات السلمية في ولايات ألاباما وفلوريدا وجورجيا.

وأثناء سجنه عقب إحدى عمليات اعتقاله عام 1963، وجّه كينغ رسالة من سجن مدينة برمنجهام، حدد فيها الخطوط العريضة للأسس الأخلاقية لحركة الحقوق المدنية. وفي شهر آب/ أغسطس، ألقى خطابه الشهير “لديّ حلم” أمام حشد ضم أكثر من 200 ألف شخص في متنزه المول القومي في واشنطن.

وجاء عام 1963 ليشهد واحدة من أكبر الثورات التي شهدتها أمريكا فتجمع حوالي 250 ألف شخص منهم حوالي 60 ألف شخص من البيض واتجهوا نحو نصب لينكولن التذكاري للمطالبة بحقوقهم المدنية، وشهدت هذه المظاهرة إلقاء مارتن لأروع خطبه وأكثرها قوة ” لدي حلم” وقال فيها “إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم”.

ووصف مارتن كينج المتظاهرين كما لو أنهم تجمعوا لاقتضاء دين مستحق لهم ولم تف أمريكا بسداده، وبدلاً من أن تفي بما تعهدت به أعطت الزنوج شيكًا بدون رصيد أعيد وكتب به إن الرصيد لا يكفي لصرفه.

طعنة أخرى سددت في قلب الحرية عندما ألقيت قنبلة على الكنيسة المعمدانية التي تزخر بتلاميذ من الزنوج يوم الأحد بمدينة برمنجهام، وحاول مارتن بأقصى جهد منع تفجر العنف عقب هذا الحادث البشع.

وخلال 11 عامًا ما بين 1957- 1968 لم يهدأ مارتن كينج في الدفاع عن الحقوق المدنية للزنوج الأمريكان، سافر فيها لأكثر من منطقة وألقى العديد من الخطب، وكانت له مشاركات فعالة في أي منطقة يوجد بها ظلم أو مظاهر للاحتجاج، وألف خمس كتب، وكتب العديد من المقالات، وقاد مظاهرات ضخمة جذبت اهتمام العالم كله، كما ألقي القبض عليه حوالي 20 مرة، وتعرض للاعتداء أكثر من أربع مرات.

وظل كينج لآخر يوم في حياته حاملاً على كاهليه قضايا الزنوج ومشاكلهم مثل قضايا الفقر وأهمية إعادة توزيع الدخول بشكل عادل، والعنصرية والتفريق بين الرجل الأبيض والأسود.

نتيجة لجهود كينج في الدفاع عن الحرية والمساواة منحته مجلة “التايم” الأمريكية لقب رجل العام فكان أول زنجي يحصل على هذا اللقب وذلك عام 1963، وشهد عام 1964 حصوله على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف، وكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، والذي تبرع بقيمتها وتقدر بـ 54.123 دولار لدعم حركة الحقوق المدنية.

كما تم منحه درجة الدكتوراه الفخرية خمس مرات، ولم يصبح مجرد رمز للأمريكان السود، بل أصبح مثلًا عالميًا في الدفاع عن الحرية ونبذ العنصرية.

وتم تكريمه من قبل الأمريكيين بإقامة نصب تذكاري له بالقرب من نصب لينكولن التذكاري والذي شهد إلقاء مارتن لأروع خطبه لدي حلم.

تعرض مارتن للعديد من محاولات الاغتيال والتي لم تنجح أي منها في النيل منه وكانت واحدة منهم على يد إحدى السيدات في 19 سبتمبر 1957، عندما حاولت طعنة بفتاحة خطابات، وكاد مارتن أن يفقد حياته على إثرها، ولكن قدر له أن يحيا ليستمر في مقاومته للعنصرية.

ثم جاءت النهاية بولاية ممفيس في مساء الرابع من إبريل 1968 عندما تم اغتياله بطلقات رصاص أطلقها عليه أحد المتعصبين يدعى جيمس أرل راي أثناء وجوده في شرفة فندقه، وذلك أثناء تواجده بممفيس لتأييد إضراب “جامعي النفايات”.

وحكم على القاتل بالسجن 99عامًا، وقد أفادت التحقيقات بعد ذلك أن هذا الاغتيال ربما يكون مدبراً وأن جيمس راي ما هو إلا مجرد أداة لتنفيذ الاغتيال.

في مقال نُشر بعد وفاته بعنوان “عهد الأمل”، حث كينغ الأمريكيين السود على مواصلة التزامهم بنبذ العنف، إلا أنه حذّر أيضًا من أنه لا يمكن تحقيق العدالة للسود من دون إدخال تغييرات جذرية في بنية مجتمعنا.

في الولايات المتحدة، يعتبر يوم مارتن لوثر كينغ بمثابة يوم قومي للخدمة. ويُحث الأمريكيون على الاحتفال بيوم عمل، وليس بيوم عطلة  تكريمًا لالتزام كينغ بتحسين حياة الآخرين. يشجع الرئيس أوباما العمل التطوعي بوصفه وسيلة للمساعدة في التصدي للتحديات التي تواجه عالمنا.

تم بناء نصب تذكاري قومي لكينغ بالقرب من نصب لنكولن التذكاري، حيث ألقى كينغ خطابه “لديّ حلم”، ويدعو النصب التذكاري الزوار إلى التأمل في حياة وإرث كينغ.

مارتن لوثر كينج

وُلد كينغ في 15 كانون الثاني/ يناير عام 1929، لعائلة ضمت سلسلة طويلة من القساوسة المعمدانيين، وترعرع كينغ في أتلانتا في زمن جعلت فيه قوانين جيم كرو الفصل العنصري والتمييز واقعًا يوميًا بالنسبة للسود في الجنوب.

درس كينغ في كلية مورهاوس في ولاية أتلانتا، حيث توصل إلى رؤية الدين كعامل محفز قوي للتغيير الاجتماعي، نال شهادة الدكتوراه من كلية اللاهوت في جامعة بوسطن قبل عودته إلى الجنوب، حيث خدم راعيا للكنيسة المعمدانية في جادة دكستر في مدينة مونتغمري بولاية ألاباما.

ساعد كينغ في تنظيم مقاطعة حافلات النقل في مونتغومري، وهي حملة دامت عامًا كاملاً وانفجرت عندما ألقي القبض على الخياطة روزا باركس عند رفضها التخلي عن مقعدها في إحدى الحافلات  لراكب أبيض.

وفي عقده الثالث، استطاع كينغ باستراتيجيته اللاعنفية أن يسهم في تغيير وجه الولايات المتحدة. وقد قال إن “الظلام لا يمكن أن يطرد الظلام؛ الضوء فقط يستطيع أن يفعل ذلك؛ الكراهية لا يمكن أن تطرد الكراهية؛ الحب فقط يمكن أن يفعل ذلك”.

وبعد أن أسقطت المحكمة العليا قوانين الفصل العنصري في الحافلات في ولاية ألاباما في العام 1956، شارك كينغ في تأسيس مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية ودعا للعمل السلمي اللاعنفي في سبيل الحقوق المدنية في جميع أنحاء الجنوب. وكان متأثرًا  بتعاليم المهاتما غاندي وسافر إلى الهند في عام 1959.

بعدما التحق بوالده كراعٍ لكنيسة إبنيزر المعمدانية في أتلانتا، واصل كينغ استخدام مواهبه الخطابية للحث على وضع حد للتمييز العنصري وعدم المساواة القانونية.شؤ

أخيراً نحن أحرار !

كلمات بليغة من خطاب “عندي حلم” وهو الاسم الذي أطلق على خطاب مارتن لوثر كينغ الذي ألقاه عند نصب لنكولن التذكاري في 28 أغسطس 1963 أثناء مسيرة واشنطن للحرية عندما عبر عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس.

ويُعتبر اليوم الذي أٌلقي فيه هذا الخطاب من اللحظات الفاصلة في تاريخ حركة الحريات المدنية حيث خطب كنج في 250.000 من مناصري الحقوق المدنية، كما يُعتبر هذا الخطاب واحداً من أكثر الخطب بلاغة في تاريخ العالم الغربي وتم اختياره كأهم خطب أمريكية في القرن العشرين.

وفي ذكرى ميلاد المناضل الأمريكي مارتن لوثر كينج، العام الماضي، اعتلى أندرو يانغ، سفير أمريكا السابق لدى الأمم المتحدة، المسرح في واشنطن وأخذ يغني من أجل الحرية وحقوق الأفارقة أمام الآلاف الذين جاءوا يحيون ذكرى مسيرة واشنطن من أجل الوظائف والحرية.

وكان الدبلوماسي السابق قد شارك في المسيرة الفعلية التي قادها الدكتور كينغ قبل خمسين عاما، وهي التي شكلت نقطة التحول في حياة المجتمع الأمريكي، وكان يانغ حينها شابا يافعا، لكنّه جاء ليقول إن الأفارقة حققوا انتصارًا كبيرًا عقب تلك المسيرة، رغم أن النضال لا يزال مستمرًا، إذ قال “أعتقد أننا تخلصنا من العنصرية القانونية، غير أنها لا تزال تحدث بشكل ضمني غير شرعي ولكن القوانين لا تنص عليها كما كانت من قبل”.

أعتقد أننا حققنا تقدما خلال النضال، لكننا لم نفعل شيئا إزاء الفقر ولذلك يشارك اليوم في المسيرة أشخاص أكثر ممن كانوا مع الدكتور كينغ قبل خمسين عاما.

وتعرّض يانغ قبل خمسين عاما إلى الملاحقة والضرب والاعتقال، هو ومن كان معه في المسيرة، لكنّ ذلك لم يثنهم عن المطالبة بحقوقهم. ويقول إنه يريد أن يذّكر الأفارقة أن عليهم أن يتـّحدوا لنيل الحقوق.

ربما يعجبك أيضا