مع التصعيد الروسي – الأوكراني.. هل يتجمد غاز “نورد ستريم 2″؟

آية أحمد

الغاز ليس مجرد مصدر للطاقة، بل هو في بعض الأحيان سلاح سياسي، وبما أن الدول الغربية تستعد لفرض العقوبات المحتملة ضد روسيا بسبب غزو أوكرانيا، فإن مستقبل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" أصبح في صلب المواجهة بين روسيا والبلدان الغربية.


آية أحمد

الاستعدادات لهجوم روسي على أوكرانيا وارتفاع التضخم في أوروبا مدفوعًا بارتفاع أسعار الطاقة، لها علاقة ببعضها البعض، وبالتحديد خط أنابيب بحر البلطيق نورد ستريم 2 (NS2)، ويرى المراقبون أن روسيا تستخدم قوتها كمورد للغاز وترفع الأسعار.

ما خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2؟

خط أنابيب بحر البلطيق “نورد ستريم 2” هو ثاني خط غاز يربط روسيا بشمال ألمانيا، بموازاة مسار الخط الأول الذي بدأ العمل خلال العام 2011، بما يكرس اعتماد برلين بشكل أساسي على واردات الغاز الروسية؛ ذلك أن الخط الثاني -على امتداد 1230 كيلومترًا تحت بحر البلطيق- يُضاعف إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا بأسعار منافسة.

يبلغ طول خط “نورد ستريم 2” نحو 750 ميلًا (1230 كيلومترًا) يربط بين روسيا وألمانيا، مع إمكانية مضاعفة حجم تصدير الغاز المباشر من روسيا إلى ألمانيا إلى نحو 110 مليارات متر مكعب سنويًّا، بتكلفة تبلغ نحو 10 مليارات يورو (11.5 مليار دولار)، وقد تم إنجاز خط الأنابيب في سبتمبر2021، لكن لم يتم التصديق عليه والتشغيل إلا بعد الحصول على موافقة الهيئات التنظيمية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

ماذا سيحدث حال حدوث غزو روسي لأوكرانيا؟

يحصل الاتحاد الأوروبي على 41% من استخدامه من الغاز من روسيا؛ وتحصل روسيا على 60% من عائدات الواردات من الاتحاد الأوروبي.

وقد أصرت الولايات المتحدة على أن خط الأنابيب لن يتحرك إلى الأمام إذا ما غزت روسيا أوكرانيا، وبصورة أقل حزمًا إلى حد ما، ذكرت وزيرة خارجية ألمانيا، آنالينا بايربوك، أن خط الأنابيب سوف يكون جاهزًا للمناقشة كجزء من تدابير العقوبات.

يحتاج الاتحاد الأوروبي للحصول على إجماع 27 دولة لفرض العقوبات، ورغم أن صوت ألمانيا ربما يكون حاسمًا، فإن وقف خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” سيحتاج دعمًا من الدول الأعضاء الأخرى، مثل النمسا وبلغاريا، التي تعتمد إلى حد كبير على الغاز الروسي بشأن عداء موسكو، وهي من بين الدول الأعضاء التي تستورد أكثر من 75% من استهلاكها من الغاز من جارتها الشرقية (روسيا)، ويخشى مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن يؤدي أي تحرك ضد التيار الشمالي 2 إلى انتقام موسكو.

هل ستغلق روسيا الأنابيب؟

لا بد من التعمق داخل عقل فلاديمير بوتين، الذي يحب أن يحافظ على التخمين العالمي. ولكن الكرملين أظهر من قبل أنه مستعد لاستخدام الغاز كسلاح، أثناء أزمتي الإمداد في عامي 2006 و2009، اللتين كان لهما تأثير شديد على أوروبا الوسطى والشرقية.

تعتمد روسيا بشكل كبير على عائدات الوقود الأحفوري، ولكنها بذلت جهودًا لزيادة الإمدادات للصين، وهي عميل كبير وقوي، على مدى السنوات 15 الماضية، وفي 4 فبراير 2022، وافقت موسكو على عقد مدته 30 عامًا لتزويد الصين بالغاز وبناء خط أنابيب جديد؛ ولكن الاتحاد الأوروبي يظل عميلًا مربحًا في الوقت الحالي.

الاتحاد الأوروبي ومعضلة الاستغناء عن الغاز الروسي

الواقع أن شركة غازبروم متهمة بالفعل بالتلاعب بالسوق في أوروبا في محاولة للضغط على الجهات التنظيمية الأوروبية لمنح موافقة سريعة لشبكة خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” “، التي تحتاج إلى تصفية العقبات التنظيمية؛ حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في السوق إلى مستوى قياسي بلغ نحو 800 دولار لكل ألف متر مكعب.

ورفضت شركة الطاقة الروسية الحكومية التهم -التلاعب بالسوق- باعتبارها أكاذيب، وبدعم من الولايات المتحدة، يبحث مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن موردين بديلين للغاز، كما يجري رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل، ومفوض الطاقة، كادري سيمبسون محادثات بشأن أمن الطاقة مع وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكين، في واشنطن يوم 4 فبراير 2022.

آفاق مستقبلية

على الرغم من نزاعات الغاز المتتالية مع روسيا والتداعيات الدبلوماسية الضخمة بشأن ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، فإن الاتحاد الأوروبي لم يتدخل لتعزيز قدرته على مواجهة التخفيضات المحتملة في إمدادات الغاز، بينما كانت روسيا تبني احتياطاتها من العملات الأجنبية، وهو إجراء لعزل نفسها عن العقوبات الغربية.

إن الأزمة الأخيرة من الممكن أن تفرض حسابًا، كما هو الحال بالنسبة لسياسة المناخ التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي، التي لديها هدف ملزم قانونًا يتمثل في صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، والعقبة هي أن العديد من الدول الأعضاء تنظر إلى الغاز باعتباره جسرًا بعيدًا عن الفحم أو الطاقة النووية، فتبقى الحاجة إلى “جسر الغاز” محل جدل من قِبَل أنصار البيئة، ولكن الاختيار السياسي تم بالفعل في العديد من العواصم الأوروبية. ويبدو أن تعطش أوروبا للغاز لن يختفي في أي وقت قريب.

ربما يعجبك أيضا