صفقة إيران الجديدة.. هل تعني عودة الفوضى القديمة؟

بسام عباس

إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران سيحل إحدى المشكلات الإقليمية، إلا أنه يمكن أن يتسبب في خلق مشكلات أخرى..


خلص الكثيرون في واشنطن إلى أن الولايات المتحدة ستعود قريبًا للاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، بعد أن كان الجميع تقريبًا متشائمين بشأن المفاوضات.

المشاعر تغيرت مؤخرًا، ويبدو الآن أنها مسألة وقت فقط قبل أن تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى تفاهم يراه الكاتب السياسي ستيفن كوك، في تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي، تعويضًا لأهم إنجازات السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بالنسبة إلى البعض، وتكرارًا لخطئه الأكبر بالنسبة إلى البعض الآخر.

الجدل الأمريكي حول الاتفاق النووي

نقل ستيفن كوك رأي أحد المحللين أن واشنطن على وشك تكرار الجدل “المثير للانقسام” الذي دار بعد توقيع اتفاق 2015 بين أمريكا وإيران. ولأن كل شيء سياسي، فإن الجمهوريين يعارضون خطة العمل المشتركة الشاملة بصرف النظر عن ملامحها، كما أن الديمقراطيين يدعمونها رغم عيوبها، لافتًا إلى أن ما يفتقر إليه هذا الجدل بين الحزبين هو معرفة جوهر الخطة الفعلية وتداعياتها المحتملة على منطقة الشرق الأوسط.

واعتبر كوك أن موقف أوباما كان صحيحًا، وأن تقييد البرنامج النووي الإيراني من خلال اتفاقية دبلوماسية سيخفف من مصدر مهم لعدم الاستقرار الإقليمي. ونوه بوجود أمل في أن تكون الاتفاقية أساسًا لتغيير جوهري في العلاقات الأمريكية الإيرانية، التي كانت عدائية على مدى العقود الأربعة الماضية. وأشار إلى أن الاتفاقية ستخفف مخاوف إسرائيل من الانتشار النووي الإيراني، وأن تخفيف العقوبات سيمهد الطريق أمام طهران لتكريس الموارد للمجتمع الإيراني والتنمية.

الموقف الإقليمي من الاتفاق

أوضح الكاتب أن التغييرات الإقليمية التي كان من المرجح أن تحفزها خطة العمل الشاملة بدت واعدة، ولكن تبين أن الواقع مختلف تمامًا، ولفت إلى أن إسرائيل كانت منزعجة من الصفقة التي اعتقدت أنها تضع الكثير من الثقة بالامتثال الإيراني وقدرات مفتشي الأمم المتحدة، منوهًا بأن القادة الإسرائيليين يعتقدون أن الاتفاقية أعطت إيران ترخيصًا رسميًّا للانتشار، وتركت المنشآت النووية الإيرانية في المواقع العسكرية خارج نطاق التفتيش، ما زاد من المخاوف.

وأضاف كوك أن قادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى في المنطقة، مقتنعون تمامًا بأن قدرة إيران على الوصول إلى الأموال يمكّنها من تمويل وكلائها في جميع أنحاء المنطقة، ما يزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط. وفي المقابل، شعر قادة إيران بأنهم مضطرون إلى إثبات أنه رغم إبرام صفقة مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، فإنهم لم يخضعوا لضغوط “الشيطان الأكبر”.

ديناميكيات معاكسة

ذكر الكاتب أن خطة العمل المشتركة الشاملة خلقت “ديناميكيات معاكسة” بدلاً من الإسهام في استقرار المنطقة، حيث صعَّد وكلاء إيران من عملياتهم، وقاتل الإسرائيليون الإيرانيين أينما وجدوهم، سواء في سوريا وأوروبا وإيران نفسها، ولاحقًا في العراق. وفي الوقت نفسه، بدأ السعوديون والإماراتيون في تولي شؤون المنطقة بأيديهم، بصرف النظر عن رغبات الولايات المتحدة أو مصالحها.

وأشار كوك إلى أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، نقض الاتفاق في مايو 2018 وانتهج سياسة “الضغط الأقصى”، وهذه السياسة لم تكن بلا فائدة كما تصورها معارضوها، حسب رأيه، فبينما كانت استراتيجية إدارة أوباما لإحضار إيران إلى طاولة المفاوضات هي ممارسة ضغوط متزايدة على طهران، حاول ترامب أن يفعل الشيء نفسه في بحثه عن اتفاقية من شأنها تحسين خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية.

وأضاف أنه مهما كانت أوجه القصور في الاتفاقية التي تفاوض عليها أوباما، فإن سياسة الضغط الأقصى فشلت في إيقاف برنامج إيران النووي وجعلها أقرب من أي وقت مضى إلى القدرة على صنع سلاح، مشيرًا إلى أن الديناميكيات الإقليمية لم تتغير كثيرًا، ما يجعل عودة الدخول إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مزعزعة للاستقرار، مثل الاتفاقية الأصلية، أو قرار ترامب بالخروج منها.

الموقف السعودي والإماراتي

لا تزال الإمارات والسعودية تعارضان خطة العمل الشاملة المشتركة، ويبدو أن تخفيف العقوبات هو أكثر ما يقلقهما. وقد سعت الحكومتان لخفض التصعيد مع إيران عبر المحادثات المباشرة، لكن لم تغير شيء، فالحوثيون، حلفاء إيران في اليمن، استهدفوا السعودية والإمارات بصواريخهم. وذكر الكاتب أن فكرة اتفاقية تتيح لإيران تلقي مليارات الدولارات لا تلقى استحسانًا في أبو ظبي أو الرياض، فالقادة السعوديون والإماراتيون يشككون في أن الأموال لن تستخدم إلا في ترهيبهم لخدمة مصالح إيران في شبه الجزيرة العربية.

وأشاد الكاتب بالموقف الإماراتي في ضبط النفس ردًّا على الاستفزازات الحوثية الإيرانية في يناير وفبراير 2022، لافتًا إلى أن المعادلة الصعبة أمام ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، تتمثل في الموافقة على خطة العمل الشاملة الجديدة، في ظل الاستفزازات الحوثية المتكررة، وتعرض كل من دبي وأبو ظبي لنيران إيران والحوثيين.

الموقف الإسرائيلي

يرى كوك أن القضية الحقيقية هي إسرائيل، فلم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، متحديًا في معارضته لنهج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه إيران كما كان سلفه، بنيامين نتنياهو، تجاه جهود أوباما للتفاوض على اتفاق نووي. وفي الأشهر الأخيرة، أوضح بينيت أن إسرائيل لن تكون طرفًا في اتفاقية نووية مع إيران وستتصرف “دون قيود” لضمان أمن البلاد، وفق ما أوردته وكالة رويترز.

وبالإضافة إلى الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا والعراق، من المحتمل نشوب أعمال تخريبية كالتي حدثت في أكتوبر 2021، عندما توقفت مضخات الغاز عن العمل في جميع أنحاء إيران، وهو ما لم يعترف به الإسرائيليون رسميًّا، رغم تورطهم فيه بطريقة ما، بحسب الكاتب الذي أوضح أن البيئة الأمنية الإسرائيلية تحسنت تدريجيًّا في السنوات الأخيرة، إلا أن إيران لا تزال تشكل تهديدًا وجوديًا لقادة إسرائيل، الذين لن يخاطروا بتمرير الخطة الجديدة، التي لا يعتقدون أنها صِيغَت جيدًا، كما أنها ستبرم مع أشخاص لا يمكن الوثوق بهم.

ربما يعجبك أيضا