فورين بوليسي: داعش يستغل انهيار لبنان الاقتصادي والسياسي لتجنيد شبابه

بسام عباس

تحولت المناطق الفقيرة في لبنان إلى أرضية خصبة لتجنيد الشباب في تنظيم داعش، ففي مزيج مستمر من الفقر والسخط السياسي أصبح الانضمام إلى الجماعات المتطرفة مغريًّا للعديد من الشباب اللبناني.

وأدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان والركود السياسي الطويل إلى اقتناع عشرات الشباب اللبناني بأن مستقبلهم الأكثر تفاؤلًا يكمن في الانضمام إلى تنظيم داعش، فعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، أغرى عناصر داعش أعدادًا كبيرة من الشباب والعاطلين عن العمل من أفقر المناطق في البلاد بوعدهم بدفع رواتب جيدة في حالة الانضمام إلى التنظيم لزيادة أعداد قواته.

الفقر والتوترات الطائفية

نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا لمراسلتها في بيروت، أنشال فوهرا، سلطت فيه الضوء على التحاق شبان لبنانيون بتنظيم داعش أخيرًا، وقالت الكاتبة إن تنظيم داعش يستثمر الانهيار الاقتصادي اللبناني ويحاول جذب أعدادًا من اللبنانيين إلى صفوفه.

أضافت أن بعض اللبنانيين ممن فروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش، أمضوا وقتًا في السجون اللبنانية أو يشتبه في أن لهم صلات أو تعاطفًا مع الجماعات المتطرفة، لافتةً إلى أن القاسم المشترك بينهم جميعًا أن معظمهم جاءوا من مناطق يمزقها الفقر وينخر فيها التنافس الطائفي بين الشيعة والسنة.

كيف يغذي الغضب السني ضد حزب الله التطرف؟

في ذروة الحرب الأهلية في سوريا، انضم مئات اللبنانيين في المناطق السنية مثل طرابلس وعكار وعرسال إلى جماعات المعارضة السورية، بما في ذلك تنظيمي القاعدة وداعش، ونفذوا العديد من الهجمات الفتاكة داخل البلاد، بحسب فورين بوليسي، التي أشارت إلى أنه في العام 2015، نفّذ انتحاري تابع لتنظيم داعش عملية أدت لمقتل أكثر من 40 شخصًا وجرح أكثر من 200 في هجوم في برج البراجنة، إحدى ضواحي بيروت التي يسيطر عليها الشيعة.

وأوضحت المجلة أن الغضب السني في لبنان يتركز على حزب الله الشيعي، إلا أن الجيش اللبناني سرعان ما تمكن من كبح جماح المتطرفين في شمال لبنان. وقال الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني والمحلل السياسي حاليًّا، إلياس فرحات، إن مزاعم التشدد من أجهزة أمن الدولة أو التوترات الطائفية “ليست عذرًا” للانضمام إلى داعش، فالأجهزة الأمنية تلاحق المشتبه بهم دائمًا ولا تطاردهم. بل إنهم يتصلون بهم لاستجوابهم بشأن احتمال تورطهم.

ما دور اللبنانيين في عودة داعش؟

في العام 2017، وفي عملية مشتركة مع حزب الله، طرد الجيش المئات من مقاتلي داعش وعائلاتهم والمتعاطفين معهم من بلدة عرسال الحدودية إلى دير الزور في سوريا. لكن بعد سنوات من الهدوء الذي لم يستمر طويلًا في أعقاب هزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق، لوحظ تصاعد أعمال العنف في البلاد.

في بناير الماضي 2021، وبعد محاولة مقاتلي التنظيم اقتحام سجن في مدينة الحسكة السورية، يحتجز فيه 3 آلاف من مقاتلي التنظيم، اقتحمت مجموعة أخرى من المقاتلين قاعدة عسكرية في حي الأعظمية شمالي بغداد، وقتلوا 11 جنديًّا وهم نائمون. وبعد أيام شنت القوات العراقية غارات جوية على مخابئ التنظيم، وقتلت 9 من بينهم 4 لبنانيين مع أن وسائل إعلام لبنانية تحدثت عن 5.

الانهيار الاقتصادي و الإغراء المالي

قالت المجلة الأمريكية إن انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، الدافع الرئيس وراء انضمام الشباب اللبناني للتنظيم الإرهابي، موضحة أن المناطق الفقيرة في لبنان مثل طرابلس تحولت إلى أرضية خصبة ومثالية لتجنيد الشباب في التنظيم. بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها منذ العام 2019، ما أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بأكثر من 600%، وحتى قبل الأزمة الاقتصادية، كان 60% من سكان طرابلس يعانون الفقر.

وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي قال للصحافة إن 37 رجلاً غادروا طرابلس للانضمام إلى تنظيم داعش، إلا أن نشطاء محليين تحدثوا عن أعداد أعلى، قائلين إن ما يقرب من 100 رجل غادروا البلاد مؤخرًا للانضمام إلى التنظيم. ونقلت فورين بوليسي عن مسؤول أمني لبناني كبير، شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن المجندين التابعين لتنظيم داعش يجتذبون عادة الشباب اللبنانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا براتب شهري يتراوح من 500 إلى 600 دولار. وأضاف: “أتوقع أن ينضم المزيد من الشباب إذا استمر الإغراء المالي”، لافتًا إلى أن مقتل 5 منهم في العراق ربما يكون تثبيطًا للآخرين ويجعلهم يعيدون النظر.

خلايا نائمة أم اضطهاد للسنة؟

الجنرال إلياس فرحات أوضح أن الخلايا النائمة والنشطة وبقايا داعش في المنطقة هي المشكلة الحقيقية، فبعد هزيمة داعش في لبنان، وانتقال النصرة إلى إدلب السورية، من المرجح بقاء العديد من الخلايا النائمة في طرابلس وعكار ومناطق أخرى. وينضم عناصر من هذه الخلايا إلى القاعدة وداعش من وقت لآخر.

لكن تقول المجلة الأمريكية إن أهل السنة في لبنان يشعرون بأنهم مستهدفون من الأجهزة الأمنية، ويشتكون من عمليات القمع ضد التشدد. فيما دأب النشطاء المحليون على القيام بحملات ضد اعتقال آلاف السنة دون محاكمة، لمجرد الاشتباه في صلتهم بجماعات متشددة.

اعتزال الحريري.. هل يقوي قبضة حزب الله؟

المجلة تقول إن السنة يشعرون أيضًا بالاستياء من صعود حزب الله وتهميشهم من قيادتهم السياسية، فرئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، أكبر زعيم سني في البلاد، تخلى عن دوره عندما أعلن عن عدم ترشحه في انتخابات مايو المقبل. وقال الحريري “أنا مقتنع بأنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني”، إلا أن النقاد يخشون من أن خروجه من المشهد السياسي ربما يقوي قبضة حزب الله على السياسة ويعزز فرص الحزب وحلفائه.

ربما يعجبك أيضا