قصة النظام العالمي الحالي.. من أين وإلى أين؟

علاء بريك

تتصدر وسائل الإعلام منذ أسابيع مناقشات حول نظام عالمي يموت وآخر يولَد، فمن أين أتى النظام العالمي وما مصيره؟


مع شن روسيا حربها على أوكرانيا، برز سؤال عن آليات النظام العالمي الحالي والطريقة التي يعمل وفقًا لها، خاصة مع اتضاح الانقسام بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا.

وفيما تهدد الحرب الروسية الأوكرانية السلم في أوروبا، كاشفة عجز الوسائل الدبلوماسية أمام الخلافات العالمية، يزعم الأستاذان في جامعة جواهر لال نهرو جاجاتي باتنايك وشاندان باندا بأنَّ تحرك روسيا عسكريًّا خارج الحدود وصعود الصين اقتصاديًّا يطرحان نظامًا عالميًّا جديدًا. فماذا يخبئ لنا المستقبل؟

النظام العالمي الحالي.. الولادة والسمات

مع انهيار الاتحاد السوفييتي، نشر المنظر الأمريكي، فرانسيس فوكوياما، كتابه ذائع الصيت «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، وفيه طرح فرضية دحضها الواقع اللاحق، تقول إنَّ الشكل الليبرالي من الديمقراطية الغربية والنظام الرأسمالي من الإنتاج، سيكونان النموذج النهائي للاجتماع الإنساني. وكان فوكوياما يرى في النظام العالمي آنذاك أرقى أشكال الوجود البشري الممكنة.

لكن ما هذا النظام العالمي؟ وكيف أتى؟ أستاذ العلوم السياسية في جامعة أكسفورد، أندرو هورِل، كتب في هذا أن “معالم النظام العالمي اتضحت جليةً بعد نهاية الحرب الباردة، لقد انتصر الغرب، وانفردت الولايات المتحدة بلقب القوة العظمى، وسادت العالم فترة تُعرَف بأحادية القطب، وقد قام هذا النظام على 3 أركان: أولها السطوة الأمريكية الشاملة، وثانيها المؤسسات والمنظمات والاتفاقيات متعددة الأطراف الدولية، وثالثها العلاقات والتحالفات العميقة عبر المحيط الهادي والأطلسي”.

القطب الأحادي.. نظام أم مرحلة؟

منذ مطلع الألفية الجديدة، لم يبقَ النظام العالمي على حاله، وفي نفس الوقت لم يتوسع كما تكهن البعض سابقًا، فنظام القطب الواحد ظهر لفترة قصيرة جدًّا، ثم برزت قوى جديدة على الساحة العالمية، وسقطت الولايات المتحدة في فشل وراء فشل، وخلقت حالة استياء عند عديد من الدول بسياساتها “المتغطرسة” كما يصفها أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة سنغافورة الوطنية علي القادري، ويسميها التراكم تحت تهديد السلاح في الفصل الأول من كتابه «الإمبريالية بالإحالة على سورية».

بحسب هورِل، يحيل الباحثون على عديد من التواريخ الدالة على تغيُّرٍ في أحشاء النظام العالمي القائم، وأبرز هذه التواريخ كان 2009 مع الانطلاقة الفعلية لدول البريكس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويحتل هذا التاريخ مكانة بارزة بحسب هورِل لأن هذه الدول إما خفَّضَت اعتمادها على المعونة الأجنبية وإما تخلصت منها تمامًا، بل إن الصين والهند والبرازيل صارت من أبرز الدول المانحة.

وبحسب القادري، كل ما سبق بقيَ في حدود النظام العالمي السائد، فصحيح أن الولايات المتحدة بدأت تتراجع قليلًا لكنّها ظلت القوة العالمية الكبرى، بدليل حجم اقتصادها وبقاء الدولار وسيطًا لحفظ القيمة وادخار الثروة العالمية، غير أن العالم بدأ يستشعر التغيُّر الحاصل منذ ظهور الصين على الساحة الدولية مع رئاسة شي جن بن، ومبادرة روسيا العسكرية خارج حدودها في سوريا، إلى جانب الانسحاب غير المُنسَّق للولايات المتحدة من أفغانستان.

أمريكا لم تهد قادرة على ضمان أمن أوروبا

اكتملت الدائرة مع المواجهة الروسية الأوكرانية حاليًّا، فالولايات المتحدة لم تَعُد قادرة على ضمان أمن أوروبا وحالة السلم فيها، بحسب ما كتب البرلماني والوزير الهندي السابق، أشواني كومار، في صحيفة التربيون الهندية، وسلاح العقوبات الاقتصادية لم يَعُد يحمل ذاك التأثير الكبير بسبب إمكانية حدوث نتائج عكسية وخيمة، إلى جانب حالة الاعتمادية المتبادلة بين الاقتصاديات العالمية، وبروز بدائل اقتصادية أخرى يمكن التشبيك معها لتخفيف آثار العقوبات، فالمواجهة الحالية بالفعل زادت التقارب الصيني الروسي، في حين تدخل أوروبا حقبة جديدة.

كل ما سبق يدل على زيادة احتمالية التغير في النظام العالمي الحالي، لكن السؤال: هل سيكون هذا التغيير كميًّا أم نوعيًّا؟ أي هل سيظهر نظام جديد مختلف في جوهره أم سيُعاد ترتيب النظام الحالي؟

ربما يعجبك أيضا