استجابة إسرائيل للحرب الروسية الأوكرانية.. ماذا يحددها؟

رنا أسامة

التوسّط في خضم الحرب الروسية الأوكرانية قد يُمثّل حقل ألغام لإسرائيل واختبار حقيقي لرئيس وزرائها


قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن إسرائيل شريك رئيس للولايات المتحدة، وتربط قادتها علاقة جيدة مع الرئيس اليهودي لأوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، لكنها لا تريد استفزاز روسيا أيضًا.

وتعاملت إسرائيل بازدواجية حَذِرة مع الحرب الروسية الأوكرانية. فعندما بدأ الغزو في 24 فبراير الماضي، لم يذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت روسيا مرة واحدة، مُكتفيًا بالقول إنه صلّى من أجل السلام ودعا لحوار ووعد بدعم الأوكرانيين، دون أن يُلمح إلى هجوم موسكو أو إدانته، تاركًا انتقاد روسيا لوزير الخارجية يائير لابيد في بيان منفصل في ذلك اليوم.

صورة مُجمعة لبينيت وزيلنسكي وبوتين

رة مُجمّعة للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينيسكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت

لماذا تتجنّب إسرائيل إدانة روسيا؟

يُقدّر عديد من الإسرائيليين الروابط الثقافية طويلة الأمد مع أوكرانيا، الدولة الوحيدة بخلاف بلدهم التي يحكمها رئيس يهودي ورئيس وزراء يهودي. لكن روسيا طرف حاسم أيضًا في منطقة الشرق الأوسط، لا سيّما في سوريا، الجار الشمالي الشرقي لإسرائيل وعدوها. لذلك تعتقد الحكومة الإسرائيلية أنها لا تستطيع المخاطرة بفقدان مصلحة موسكو.

في الوقت نفسه، تريد إسرائيل مواربة الأبواب للتوسّط في الصراع. وبعد طلبات أوكرانية، عرض بينيت مرتين على الأقل التوسط. وأجرى مسؤولون إسرائيليون، من بينهم بينيت، جولات مكوكية ومشاورات مع روس وأوكرانيين وأمريكيين، في وساطة ربما تكون ساهمت في اجتماع أوكراني- روسي دون شروط مسبقة على الحدود البيلاروسية، وفق نيويورك تايمز.

بوتين وبينيت في موسكو scaled

النفوذ الروسي في سوريا

إسرائيل، التي تطلب في كثير من الأحيان أن يدعمها حلفاؤها دون قيد، تجد نفسها في موقف غير مريح بظهورها كأنها ترفض انتقاد روسيا علنًا. في مقابلة هاتفية مع نيويورك تايمز، قال إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي تعامل كثيرًا مع الرئيس الإسرائيلي خلال فترة وجوده في المنصب، إنه “وضع حساس لإسرائيل”.

تتمتع روسيا بنفوذ هائل في سوريا لكنها تسمح لإسرائيل بالعمل بحرية ضد النشاط الإيراني هناك. قال 3 مسؤولين إسرائيليين لموقع أكسيوس الأمريكي إن التنسيق العسكري الإسرائيلي الروسي في سوريا لم ينقطع رغم إدانة تل أبيب العملية العسكرية في أوكرانيا.

لافتة عليها صورة بوتين والأسد في شارع بسوريا

أول غارة خلال الحرب الروسية الأوكرانية

في أول غارة جوية بسوريا خلال الحرب الروسية الأوكرانية، قالت وزارة الدفاع السورية إن طائرات حربية إسرائيلية قصفت عدة أهداف قُرب دمشق صباح يوم 7 مارس الجاري بالتوقيت المحلي. أعلنت إيران مقتل اثنين من ضباط الحرس الثوري في الغارة. لكن إسرائيل لم تُعلن مسؤوليتها كما هو الحال في معظم الغارات.

قال مسؤولان إسرائيليان لموقع أكسيوس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت لم يُثِر أمر تلك الغارة في لقائه مع بوتين السبت الماضي، منعًا لربط أوكرانيا وسوريا بأي شكل من الأشكال.

غارة في سوريا

إسرائيل لأمريكا: انتبهوا لمصالحنا مع روسيا في سوريا

خلال لقائهما في لاتفيا في 7 مارس، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد لنظيره الأمريكي أنتوني بيلنكن، إن إسرائيل تتبنى موقف أمريكا في الحرب الروسية الأوكرانية، لكن عليها أن تأخذ في الاعتبار مصالحها الأمنية الحيوية مع روسيا في سوريا، حسبما قال مسؤول إسرائيلي لـ أكسيوس.

بدوره، شدّد مسؤول دفاعي إسرائيلي على أن “الجيش الإسرائيلي سيواصل الدفاع عن مواطني إسرائيل في أي وقت وفي أي مكان”، مُضيفًا لموقع أكسيوس: “عملياتنا ضد النشاط الإيراني الخبيث، خصوصًا التمركز العسكري الإيراني في سوريا، ستستمر بقدر الحاجة”.

بلينكن ولابيد في لاتفيا

معاداة السامية

تتخوّف إسرائيل في الوقت نفسه من اتخاذ أي إجراء قد يثير معاداة السامية ضد مئات آلاف اليهود في أوكرانيا وروسيا، كذلك الإسرائيليين الناطقين بالروسية الذين يشكلون نحو 12% من ناخبيها.

وصل قُرابة 1.2 مليون ناطق بالروسية لإسرائيل من الاتحاد السوفيتي السابق خلال العقود الثلاث الماضية، ثلثهم من روسيا وتقريبًا العدد نفسه من أوكرانيا، وفقًا لبيانات حكومية. ويستعد ناطقون بالروسية في إسرائيل لموجة جديدة من هجرة يهودية من أوكرانيا التي تضم 200 ألف يهودي. يمكن لأي شخص لديه جد يهودي واحد على الأقل التقدم بطلب للحصول على الجنسية الإسرائيلية، بحسب نيويورك تايمز.

يهود

يهود أوكرانيون في إسرائيل

الوساطة الإسرائيلية.. ما دلالاتها؟

بزيارته المُفاجئة إلى موسكو في 5 مارس الجاري، تولّى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت دور الوسيط غير المُحتمل بين روسيا وأوكرانيا. وضع إسرائيل في منطقة وسط غير مريحة في الفترة التي سبقت الحرب، وخلق منصة تنطلق منها إسرائيل كلاعب دبلوماسي.

بيد أن التوسّط في خضم الحرب قد يُمثّل حقل ألغام لإسرائيل واختبار حقيقي لرئيس وزرائها. تعتمد على علاقاتها مع الكرملين للتنسيق الأمني ​​في سوريا، ومع جلوس موسكو على طاولة مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، لا تستطيع إسرائيل تحمل إغضاب بوتين، بحسب وكالة أسوشيتد برس الأمريكية. قالت إستر لوباتين، خبيرة الشؤون الأوروبية بجامعة تل أبيب: “لقد أعاد بينيت اختراع نفسه. اتضح أن بإمكانه سحب الأرانب من قبعته”.

بينيت وبوتين في موسكو

ما فرص نجاحها؟

بعد ساعات من عودته من موسكو، أخبر بينيت مجلس وزرائه أنه من واجب إسرائيل الأخلاقي التدخل، “حتى لو لم تكن فُرص النجاح كبيرة”.

لكن المسؤولة السابقة بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ومؤلفة كتاب “فلويد روسيا”، فيرا ميشلين شابير، حذّرت من أن إسرائيل “قد لا تملك الأدوات الدبلوماسية المطلوبة للتوسط في مثل هذه الأزمة المعقدة بغض النظر عن حسن النية”، لا سيّما مع إخفاق جهود فرنسا وتركيا، اللاعبان الأكبر دوليًا، للتسوية، وفق أسوشيتد برس.

نفتالي بينيت 1

مخاطرة في “الوحل الأوكراني”

بدوره، رأى المعلق في موقع والا العبري، باراك رافيد، أن “بينيت يخاطر، ليس فقط كسياسي، لكن لدولة إسرائيل ومكانتها في العالم”. أضاف “لقد خاض رئيس الوزراء في الوحل الأوكراني، دون أن يعرف تمامًا مدى عمقه”، وفق أسوشيتد برس.

في المقابل رأى دبلوماسي إسرائيلي أنه “حتى لو لم يتمكن بينيت من إحلال السلام أو وقف إطلاق النار، يكفي أنه أنشأ قناة اتصالات مهمة مع بوتين يمكن للآخرين استخدامها. على الأقل، يمكن لهذه القناة تمرير طلبات للسماح للمدنيين بالخروج من منطقة الحرب”، بحسب تقرير لصحيفة ذا جويش كرونيكال الإسرائيلية اليوم (الخميس).

ربما يعجبك أيضا