خفض انبعاثات الكربون.. صراع «طاقة متجددة» بين الصين والعالم

علاء بريك

تخلق الهيمنة الصينية على سوق الطاقة النظيفة حالة من الذعر للدول الملتزمة بخفض انبعاثاتها الكربونية وفق جداول زمنية معلنة مع وعود بفوائد اقتصادية.. فما أسباب هذا الذعر؟


في تقرير “Horizons” الشهري، ترصد مؤسسة وود مكينزي المختصة بأبحاث الطاقة تأثير الصين على مسار التحول الطاقي في العالم.

تحتل الصين المركز الأول عالميًّا في إنتاج الكهرباء متجاوزةً أمريكا بالضِّعف، وتنتج 70% من طاقتها الكهربائية باستخدام مصادر غير متجددة، كالفحم والغاز، و3% باستخدام الطاقة النووية، والباقي من مصادر متجددة، كالرياح والشمس، في الوقت نفسه تستحوذ بكين على قسم كبير من إنتاج مواد صناعة الطاقات المتجددة.

http://

بين الواقع والمأمول

بالنظر إلى جهود الحكومات العالمية لتحقيق خطط الحياد الكربوني في مواعيدها، فإنَّ الواقع الحالي من ارتفاع الأسعار وأزمة سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف النقل والقيود على حركة السلع والعقوبات على الاقتصادات الكبيرة يمثل عائقًا يصعب تجاوزه، فارتفاع الأسعار دفع بعض المتعهدين لإلغاء أو تأجيل بعض المشروعات، ليترتب على هذا إبطاء معدلات نمو الطاقة المتجددة.

على العكس كان الواقع في الصين ورديًّا لمتعهدي مشروعات الطاقة المتجددة والصناعات المرتبطة بها، فقد ازداد حجمها وتنافسيتها، مدفوعةً بالطلب المحلي المتزايد على الطاقة، ما جعل من الصين المنتج الأبرز والأرخص والأسرع في هذا الميدان الصناعي والتجاري. لذا، لتحقق بقية الدول مستهدفاتها من الغازات المنبعثة عليها التعاون مع الصين.

ردود أوروبية وأمريكية

الغرب حاول قليل الاعتماد على الصين، بالاتجاه لدعم المنتجين المحليين وإطلاق المبادرات لتسليط الضوء على استدامة الاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة. فأمريكا قيّدت واردات الألواح الشمسية من الصين ومدَّدت التعاريف الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب على بعض المستوردات الصينية. ويرى التقرير أنَّ المنافسة تستلزم أمورًا أبعد من الإعفاءات الضريبية وفرض حواجز أمام الدخول إلى السوق.

بين التقرير أن الأفضل لدول أوروبا والولايات المتحدة وأي دولة تسعى إلى بناء قطاع طاقي نظيف ينتج المواد الداخلة في تجهيزات الطاقة المتجددة أن تعمل على دعم مسارات الابتكار التكنولوجي وأعمال البحث والتطوير وتأمين المعادن الرئيسة في القطاع وهي معادن نادرة، وتقصير سلسلة التوريد لما في هذا من تسريع لعملية الإنتاج وتقليل التكاليف على المنتج وتقليل احتماليات العرقلة أو التعطل.

آثار النمو الصيني

بحسب التقرير، إذا أردنا معرفة تأثير منتجي طاقة الرياح والطاقة الشمسية بالصين في الطاقة المتجددة بالعالم، فيجب النظر إلى نمو الطلب على الطاقة داخل الصين في 2021. فقد حققت الصين نموًا في الطلب على الطاقة يتجاوز أي مستوى حققته على مر التاريخ، عند 10%.

مثَّلت الزيادة قاطرة الطاقة المتجددة في الصين، فقد توسعت صناعاتها بوتيرة سريعة، بيد أنَّ هذه الوتيرة من المرجح ألّا تستمر في ضوء تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني مع نهايات 2021، ويتنبأ التقرير بأنَّ نموها سيكون عند أقل من 5% وسيتراجع الطلب على الطاقة بوتيرة أسرع. على أي حال، ما يراه التقرير هنا ليس سوى نمو بمعدلات أقل من المعدلات المرتفعة السابقة، وليس تراجعًا أو نموًّا سلبيًّا.

نحو 2030

مع ارتفاع الطلب على الطاقة، يقول التقرير، كان الاتجاه نحو الطاقات المتجددة خيارًا مرغوبًا فيه، فزيادة الطلب على الكهرباء يضع السياسيين أمام معضلة، فقد التزموا بخفض إنتاج الكربون من جهة ومن جهة أخرى يجب الإبقاء على المصانع في حالة من العمل، ومنذ عام 2020، تجاوز إنتاج الصين من طاقة الرياح والشمس 100 جيجاوات، ورفعت مؤسسة وود مكنزي توقعاتها بشأن الصين إلى 500 جيجاوات بحلول عام 2025.

وتتعهد الصين ببلوغ 1200 جيجاوات بحلول 2030. لكن هذا الطموح يهدد بعرقلة خطط الدول لتخفيض انبعاثاتها من الكربون، لأن الصين تنتج ما تستورده هذه الدول من تجهيزات الطاقة المتجددة، غير أنَّ إنتاج بكين حاليًّا من الألواح الشمسية يزداد بأكثر من الطلب العالمي المتوقع، ويتوقع التقرير زيادة إنتاج العنفات الريحية والبطاريات بمقدار 42% و150% على التوالي.

تتتت

ميزة الصين التنافسية

بحسب التقرير، يشكل حجم الإنتاج الصيني الميزة الرئيسة في القطاع، فرغم زيادة أسعار المواد الخام منذ 2020 كان التوسع الهائل في مجال الطاقة النظيفة وزيادة الإنتاج سببًا في انخفاض كلفة التصنيع مقارنة مع المنافسين، فانخفضت أسعار العنفات الريحية الصينية 24% في 2021 ويتنبأ التقرير بانخفاضها 20% في 2022. بيد أنَّ الألواح الشمسية كانت أكثر تأثرًا بارتفاع الكلفة والانقطاعات اللوجستية، ما رفع أسعارها بين 15-25%.

تهيمن الصين على إنتاج مادة البولي سيلكون البالغة الأهمية في صناعة الألواح، وفي حين ارتفاع كلفة إنتاجها في الصين غير أنَّ الزيادة كانت أقل من نظيراتها في باقيال دول العالم، وساهمت عقوبات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على بعض الشركات الصينية العاملة في مجال توريد تجهيزات الطاقة الشمسية بزيادة الضغوط على الأسعار في البلاد، ورغم زيادة أسعار البولي شهدت أسعار الألواح الشمسية انخفاضًا ضئيلًا مع بداية هذه السنة.

قيد المواد الخام

لعل تقليل الاعتماد على الصين في مجال الطاقة النظيفة أمر مرغوب فيه سياسيًّا، لكنه بحسب التقرير صعب المنال، فبكين أنفقت مليارات الدولارات على إنتاج البولي سيلكون، وتصدر إلى العالم 40% من إجمالي البولي سيلكون من مقاطعة شينجيانج، ومع فرض الولايات المتحدة عقوبات على بعض شركات هذه المقاطعة فقد أثرت سلبَا على الصناعة في أمريكا نفسها.

تعتمد صناعة الطاقة النظيفة، على إتاحة العديد من المواد الخام، بينها الألومنيوم والنحاس والليثيوم والكوبالت والجرافيت والسيلكون، بحسب التقرير تعمل الصين على زيادة حصتها وملكيتها من مناجم هذه المعادن حول العالم ما يهدد بتثبيط وتيرة تخفيض الكربون في بقية الدول، إلى جانب ما تفرضه الولايات المتحدة من اشتراطات في لوائحها التنظيمية وما قد يتسبب في زيادة المخاطر المحتملة على سلسلة التوريد.

ربما يعجبك أيضا