ملامح من نفوذ الصين في القرن الإفريقي.. هل تفوقت على أمريكا؟

آية سيد

تحاول الصين تعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي عن طريق مشروعات مثل مبادرة الحزام والطريق، وتعيين مبعوث خاص للمنطقة، ومؤخرًا عقد مؤتمر سلام لمعالجة الاضطرابات.. فهل تتفوق على أمريكا هناك؟


أعلن المبعوث الصيني إلى القرن الإفريقي، شيويه بينج، أن الصين ستعقد أول مؤتمر سلام في المنطقة لمعالجة الاضطراب الإقليمي.

وأوردت صحيفة تشاينا دايلي الصينية، في تقرير نشرته يوم  الاثنين الماضي 21 مارس 2022، أن المؤتمر سينعقد في النصف الأول من هذا العام، كجزء من جهود الصين لتعزيز الأمن بالقرن الإفريقي، ما يعكس وجود نفوذ صيني في المنطقة يسمح لها بمناطحة قوى عالمية أخرى كالولايات المتحدة.

شركاء استراتيجيون للصين

كشف بينج، في مؤتمر صحفي بنيروبي، السبت الماضي، عن أن “المؤتمر سيوفر منبرًا لدول المنطقة لتسوية خلافاتها من خلال المفاوضات”، وأن إثيوبيا وكينيا وافقتا على استضافة المؤتمر. ووفقًا للتقرير، قال بينج إن “منطقة القرن الإفريقي موطن لدول لها علاقات تقليدية مع الصين، نحن شركاء استراتيجيون، وهذه المنطقة تتميز بموقع استراتيجي وموارد وفيرة، وإمكانية التنمية هائلة”.

وأضاف أنه في الوقت نفسه “توجد قضايا متعلقة بالسلام والأمن، مثل الخلافات الحدودية والصراعات العرقية والدينية”، مشيرًا إلى أن الدول التي زارها في المنطقة، مثل كينيا وإريتريا وجيبوتي والصومال وإثيوبيا، أعربت عن أملها أن تلعب الصين دورًا أكثر نشاطًا في قضايا السلام والأمن إلى جانب التنمية الاجتماعية الاقتصادية في القرن الإفريقي.

منطقة للمنافسة الاستراتيجية بين الصين وأمريكا

نشر موقع “أوول أفريكا” تقريرًا، في 19 يناير 2022، يفيد بأن الصين كانت تزيد نفوذها الدبلوماسي في المنطقة في الفترة الأخيرة، وشمل ذلك دعوة إريتريا للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق في نوفمبر الماضي، وإنشاء أول قاعدة عسكرية صينية بالخارج في جيبوتي في 2017.

ولفت التقرير إلى أن كل هذه المبادرات لقيت معارضة من الولايات المتحدة، التي كانت تُصدر عقوبات ضد إثيوبيا وإريتريا بسبب الحرب في تيجراي، وأنها أقصتهما مؤخرًا من برنامج الأفضليات التجارية بسبب مزاعم حول انتهاك حقوق الإنسان.

ووفقًا للتقرير، سوف تصبح منطقة القرن الإفريقي واحدة من أكثر المناطق المحورية في المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وستصبح محط التركيز الرئيس في مسعى واشنطن لإضعاف نفوذ الصين في القارة، لأن المنطقة ملتقى طرق وجبهة استراتيجية في ما وصفته الولايات المتحدة بمنطقة “الهندي-الهادئ” التي تسعى واشنطن للهيمنة عليها اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا لتحتوي بكين.

أهمية منطقة القرن الإفريقي

تحرس منطقة القرن الإفريقي، التي تضم إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي، بوابة محورية من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر وعبر قناة السويس إلى أوروبا. وبحسب التقرير، فإن من يسيطر على هذه المضائق الضيقة سيستعرض قوة بحرية في البحر المتوسط، وهي المنطقة التي تسعى الصين أيضًا لتعزيز نفوذها التجاري بها.

وترى بكين أن منطقة القرن الإفريقي واحدة من أهم بؤر التوتر العسكرية المحتملة داخل مبادرة الحزام والطريق، لذلك ليست مفاجأة أن تقع أول قاعدة عسكرية صينية بالخارج هناك.

تطويق الصين للهند بـ”خيط اللؤلؤ”

لفت التقرير أيضًا إلى أن الوجود القوي في هذه المنطقة مهم لمواجهة الهند، التي تُعد ركيزة أخرى في استراتيجية “الهندي-الهادئ” الأمريكية، وتعتبر الهند هذا جزءًا من عملية التطويق العسكري الصينية المتزايدة لها، المعروفة باسم “خيط اللؤلؤ”، على طول الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

ووفقًا للتقرير، تريد بكين استخدام باكستان لعبور البحار المتنازع عليها حول حدود الصين، وكسب النفوذ العسكري في غرب المحيط الهندي لحراسة دخول السفن إلى أوروبا.

تكتيكات أمريكية خاطئة

أشار التقرير إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه الصين تعزز علاقاتها بدول القرن الإفريقي، مثل إثيوبيا وإريتريا، كانت الولايات المتحدة تفرض عليهما عقوبات متزايدة بتهمة انتهاك حقوق الإنسان، بهدف تقسيم وإضعاف الدولتين. وبحسب التقرير، هذا تكتيك قديم للدبلوماسية الأمريكية لكسب النفوذ الجيوسياسي عن طريق استغلال الانقسامات بين الدول وداخلها، والتحريض على الانفصال، ثم دعم الانفصاليين.

وذكر التقرير أن الحسابات الأمريكية الخاطئة كانت مفيدة استراتيجيًّا لبكين، لأن علاقات الصين بإفريقيا ازدهرت على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة القومية.

واختتم التقرير بأن ما نشهده حاليًّا في منطقة القرن الإفريقي هو حرب باردة إقليمية على مستوى مُصغر، ومعركة على البوابات إلى البحر الأحمر وأوروبا، حيث تحاول الصين تعزيز علاقاتها بجميع الأطراف المحلية، وتحاول الولايات المتحدة تقويضها، لكن استراتيجيات الصين جعلتها تمتلك اليد العليا حتى الآن.

تفوق الصين على الولايات المتحدة بالمنطقة

أورد تقرير لموقع مودرن دبلوماسي، في 1 فبراير 2022، أن فشل الولايات المتحدة في إعادة ضبط سياستها تجاه إفريقيا يفسر جزئيًّا لماذا اتجهت دول المنطقة إلى الصين. وبحسب التقرير، تفوقت الصين على الولايات المتحدة في 3 دول كبرى في المنطقة، هي كينيا والسودان وإثيوبيا، التي كانت تُعرف تاريخيًّا بأنها دول وكيلة للولايات المتحدة.

وفي وثيقة حكومية أصدرتها بكين، في 26 نوفمبر 2022، بعنوان “الصين وإفريقيا في العصر الجديد: شراكة متساوية”، زعمت أن تجارب الماضي المشتركة والأهداف المتشابهة قرّبت الصين وإفريقيا. وقالت الوثيقة إن “الصين أكبر دولة نامية في العالم، وإفريقيا هي القارة التي تمتلك أكبر عدد من الدول النامية”.

وأورد التقرير أن وزير الخارجية الصيني، وانج يي، في أثناء زيارته للقرن الإفريقي والإعلان عن تعيين مبعوث خاص للمنطقة في يناير 2022، قال إن الصراعات عرقلت “إمكانات المنطقة الهائلة للتنمية” وإن هذا الوضع “لا يجب أن يستمر”. وفسّر التقرير هذا التصريح على أن صبر بكين ينفد للعب دور أكبر في سياسة وأمن المنطقة.

ربما يعجبك أيضا