أزمة التضخم في باكستان.. هل تطيح بحكومة عمران خان؟

رنا أسامة

صندوق النقد الدولي يطالب باكستان بمزيد من التقشف وخفض الإنفاق، في تحدٍّ لرئيس الوزراء خان أو أي خليفة محتمل.


وعدت حملة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان خلال الانتخابات التشريعية عام 2018، بتوجيه اقتصاد البلاد لصالح الفقراء من خلال إنهاء الفساد وتوفير فرص عمل.

لكن بعد 4 أعوام، كان التضخم في باكستان الأعلى من أي بلد في جنوب آسيا، ويكافح المواطنون لتغطية نفقاتهم مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات قياسية، الأمر الذي أثّر في شعبية عمران خان الذي يواجه خطر الإطاحة به قبل استكمال ولايته.

هل يكمل عمران خان عهد سابقيه؟

نظمت المعارضة الباكستانية احتجاجات مؤخرًا للإطاحة بنجم الكريكيت الذي تحول إلى سياسي في السلطة، داعية إلى تصويت بحجب الثقة عنه مع تأجيل إجراء ذلك حتى 28 مارس الحالي، في وقت تحظى فيه بدعم منشقين عن حزب خان، تحريك الإنصاف (بي تي آي) لكنه رفض التنحي.

وتقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير نشرته يوم 25 مارس 2022، إنه إذا أُطيح بخان سيكمل عهد سابقيه من رؤساء الحكومات الباكستانية التي لم يُكمِل أي منهم فترة ولايته البالغ مدتها 5 سنوات، منذ تأسيس باكستان في العام 1947 وحتى الآن.

مؤيد لحزب الشعب الباكستاني المعارض يرفع لافتة في العاصمة الباكستانية

أزمة تضخم ودعوات لتنحّي خان

يقول التقرير إن باكستان تكافح أزمة تضخم شديدة منذ شهور، بعد ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في البلاد إلى 13% في يناير الماضي، وهو أعلى مستوى في عامين، وفق مكتب الإحصاء الباكستاني، وسجل مؤشر الأسعار الحساس، الذي يشمل المواد الغذائية الأساسية، 15.1% الأسبوع الماضي. ونتيجة هذا يرتفع ما يُطلق عليه “فقر الطبقة الوسطى” بما يضغط على متوسطي ​​الأجر، ويسبب تدهورًا لمستويات المعيشة.

أنصار حزب الشعب الباكستاني المعارض يتجمعون حول شاحنة تقل رئيس حزب الشعب الباكستاني في تجمع مناهض للحكومة في إسلام أبا

ومنح هذا التضخم الهائل المعارضة السياسية فرصة للدعوة إلى تنحّي خان. علاوة على ذلك، فإن التوترات على وقع تعيين الفريق فايز حميد رئيسًا للمخابرات العام الماضي رغم اعتراضات كبار ضباط الجيش، أضعفت الموقف السياسي لرئيس وزراء باكستان.

ونظّم حزب الشعب الباكستاني المعارض الشهر الفائت، مسيرة من كراتشي إلى إسلام آباد للمطالبة بالإطاحة بعمران خان.  وتخطّط الحركة الديمقراطية الباكستانية وهي تحالف مناهض للحزب الحاكم، لتجمع حاشد بحسب فورين بوليسي.

حكومة خان تُنكر معاناة الباكستانيين

المتحدث باسم حزب الشعب الباكستاني، مرتضى وهاب، أشار إلى أن حكومة خان تُنكر معاناة الباكستانيين على أساس أنها تنال من رئيس الوزراء على وجه الخصوص، قائلًا: “رغم العوامل الاقتصادية الكلية الإيجابية، لامس التضخم مستوى قياسيًّا مرتفعًا مع زيادة الضرائب.. المواطن العادي لا يمكنه الحصول على أي مزايا، في غياب أي سياسة للحكومة. لذلك ننظم هذه المسيرة للطبقة العاملة”.

عمران خان

وفي وقت سابق من العام الحالي، أقرّ خان في خطاب عام بالتحديّات الاقتصاديّة المتزايدة، لكنّه شدّد على أن حكومته تبذل جهودًا للحدّ من التضخم. كذلك صرف اللوم عن الأزمات الاقتصادية طوال فترة ولايته، مُدعيًا أنه ورث اقتصادًا مُعطلًا من حكومات سابقة. وهذه التصريحات نفسها ردّدها المتحدث باسم وزير المالية، مزمل أسلم، في مقابلة مع فورين بوليسي تطرّق خلالها إلى ارتفاع أسعار الغاز وآثار جائحة كورونا.

جهود حكومة خان.. هل تكفي للتعافي الاقتصادي؟

العام الماضي أيضًا، أعلنت حكومة خان برنامج دعم قيمته 709 ملايين دولار، لتخفيف آثار التضخم ومساعدة العائلات على تحمل وطأة الأزمة الاقتصادية، إلى جانب مساعيها لتعويض التضخم برفع الحد الأدنى للأجور، بحسب أسلم، لكنه أضاف: “رغم التضخم، فإن اقتصاد البلاد يتقدم”. وتوقع صندوق النقد الدولي بعض التعافي الاقتصادي لباكستان هذا العام، وفق فورين بوليسي.

صاحب متجر بسوق في كراتشي الباكستانية في 10 يناير 2022.

سوق بمدينة كراتشي الباكستانية في 10 يناير 2022

غير أن هذا التفاؤل يقتصر إلى حدٍّ كبير على فقاعة الحزب الحاكم الباكستاني. ويقول خبراء إن جهود حكومة خان لمساعدة الفقراء وصلت إلى طريق مسدود، ولا تُقدم الكثير لتخفيف معاناة المواطن العادي. ويرى الخبير الاقتصادي كيزر بنجالي أنه لا توجد حكومة في تاريخ باكستان غير كُفء في إدارة مواردها المالية كحكومة خان، مُضيفًا أن “خان ليس لديه أي دليل على ما سيقوله، ويُنكر أن شعبه في محنة”، بحسب المجلة.

صفقة صندوق النقد الدولي

في مواجهة تحديات باكستان الاقتصادية، أشارت فورين بوليسي إلى أن خان نقض أيضًا وعود حملته الانتخابية الأخرى. ففي العام 2018، تعهد بعدم الاقتراض الخارجي وإنهاء دورة الديون في البلاد، منتقدًا الحكومات السابقة لاعتمادها على “وعاء التسول”، لكن حكومته أبرمت صفقة مع صندوق النقد الدولي في مايو 2019، عبر برنامج مدته 39 شهرًا يطالب بخفض الإنفاق الاجتماعي والإنمائي مقابل قرض بـ6 مليارات دولار.

عمران خان 2

ثقل الأزمة الاقتصادية يلاحق خان الآن بحسب الخبير الاقتصادي بنجالي، الذي يقول: “لقد أفلست باكستان بالفعل منذ أكثر من عامين… اقتصادنا مُثقل بالديون، ونعيش باستمرار على القروض. ثمّة نمط اقتصادي سائد: عندما تنفد أموالنا ولا يمكننا سداد قروضنا نذهب إلى صندوق النقد الدولي لسدادها. يجب إحداث تغييرات سياسية وهيكلية لكسر هذا النمط”، وفق فورين بوليسي.

إطاحة خان.. هل تُنهي أزمة باكستان؟

زادت الضغوط على رئيس الوزراء الباكستاني في أعقاب الحرب الروسيّة الأوكرانيّة التي رفعت أسعار النفط العالمية. وسارع خان إلى مخاطبة الباكستانيين وإعلان تدابير إغاثة اقتصادية، بما في ذلك خفض أسعار الغاز والكهرباء بالدعم. وفي المقابل يجادل متشككون بأن هذه الإجراءات حيلة سياسية لإرضاء الجمهور لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل.

عمران خان..

وحتى إذا تعرّض خان للإطاحة في الأيام المقبلة، تستبعد فورين بوليسي حل أزمات الشعب الباكستاني، مشيرة إلى أن سوء إدارة خان، إلى جانب ارتفاع التضخم عالميًّا، فاقم المشكلات الاقتصادية طويلة الأمد في باكستان. وأضافت “من يملك السلطة في باكستان يرث نموذجًا اقتصاديًّا مختلًا. الأجندة الوحيدة الظاهرة للمعارضة الباكستانية حاليًّا هي عزل خان”.

ربما يعجبك أيضا