درجات الحرارة والرطوبة عالميًا تبلغ مستويات تهدد بهلاك البشر.. ما السبب؟

رنا أسامة

إذا التزمت الدول بوعودها للحد من الانبعاثات الحرارية وإزالة الكربون من الغلاف الجوي، ستستمر درجات الحرارة في الارتفاع بالمقدار نفسه بحلول نهاية القرن.


يتواصل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في مناطق متفرقة من العالم، على نحو يفوق قدرة تحمل البشر ويهدد بهلاكهم، في إطار التغيّر المناخي.

ومن بين تلك المناطق التي تتأثر بارتفاع درجات الحرارة، السهول الشمالية للهند التي يُقتل فيها حوالي 20 مليون شخص، بمجرد الوصول إلى ما يُعرف بدرجة حرارة البصيلة الرطبة، وهو مقياس يجمع بين درجة حرارة الهواء والرطوبة، وهي 35 درجة مئوية.

كيف تُقاس درجة حرارة البصيلة الرطبة؟

درجة حرارة البصيلة الرطبة

بحسب تقرير ذي إيكونوميست، درجة حرارة البصيلة الرطبة هي تلك المُسجلة بمقياس حرارة ملفوف بُصيلاته في منشفة مبللة، مع وضعه محجوبًا عن أشعة الشمس ومعرضًا للهواء. الماء المتبخر من حول البصيلات يكون له تأثيرًا مُبرّدًا، وكلما كان الهواء المحيط رطبًا، قلّت قدرة الرطوبة على التسرب وزادت قراءة البصيلة الرطبة، التي تقل دائمًا عن درجة الحرارة الفعلية، حتى يتشبع الهواء ببخار الرطوبة.

وتحتاج الحيوانات ذوات الدم الحار للحفاظ على ثبات درجة حرارتها الداخلية، فإذا كان الجو حارًا للغاية، تلجأ معظمها إلى التبريد التبخيري. فعلى سبيل المثال، تلهث الكلاب، وتتمرغ الخنازير في الوحل، فيما يتعرّق البشر. لكن الرطوبة المحيطة تؤثر على كفاءة تلك العمليات، لهذا السبب قد تشعر سنغافورة الرطبة الحارة بسخونة أكثر من سيدني الجافة رغم تعرّضها لدرجة حرارة محيطة مماثلة.

ماذا لو ارتفعت درجة الحرارة المُحتملة بشريًا؟

ارتفاع درجات الحرارة في الهند

نظريًا، يتحمّل الإنسان درجة حرارة البصيلة الرطبة البالغة 35 درجة مئوية، ما يُعادل درجة حرارة فعلية تبلغ 45 درجة مئوية إذا كانت الرطوبة النسبية 50٪، أو عند حوالي 39 درجة مئوية إذا كانت الرطوبة 75٪. وإذا تجاوزت الحرارة والرطوبة هذه النسب، يستحيل أن يتمكن العرق من تبريد الجسم، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارته، وتضخّم خلاياه، وتشوّه بروتيناته، وفشل أنظمة أعضائه، بما قد يفضي إلى الوفاة.

وفي درجات حرارة البصيلة الرطبة التي تزيد عن 35 درجة مئوية، يُعتقد أنه حتى الشباب الأصحاء الذين يرتدون ملابس خفيفة، سواء كانوا يقفون أمام مروحة أو في الظل أو لديهم كمية غير محدودة من الماء للشرب، سيموتون خلال 6 ساعات. وفق التقرير.

ما خطورة درجات الحرارة المنخفضة؟

أشار التقرير إلى أن الحرارة والرطوبة الشديدتين غير شائعة، لكن في 2020 ووجد باحثون، أن محطات طقس قليلة بجنوب آسيا والخليج العربي والساحل الجنوبي الغربي لأمريكا الشمالية، سجلت أحيانًا درجات حرارة قريبة أو أعلى من 35 درجة مئوية بين عاميّ 1979 و2017، ولو لبضع ساعات فقط في كل مرة، متوقعةً تكرار تسجيل درجات حرارة مماثلة.

وحذّر التقرير. من خطورة درجات الحرارة المنخفضة على مقياس “الترمومتر مُبلل البصلة”. فعندما تبلغ الحرارة 32 درجة مئوية، فممارسة أي شيء قد يرفع درجة حرارة الجسم، قد يكون خطيرًا، كما حدث في مدينة تشيناي في 1 مايو 2022، مع بلوغ درجة حرارة البصيلة الرطبة 32.6 درجة، تُعد الأعلى في 10 سنوات، بما يُعادل بدرجات الحرارة الفعلية 38 درجة، ورطوبة 68٪.

ارتفاع درجات الحرارة

خطر شديد

تصف خدمة الأرصاد الجوية الوطنية بالولايات المتحدة، درجات حرارة البصيلة الرطبة البالغة 31 درجة مئوية، بأنها “خطر شديد”. استشهدت المجلة بموجتين حراريتين ضربتا الهند وباكستان في صيف 2015، بارتفاع طفيف عند 30 درجة، ما تسبب في وفاة حوالي 4 آلاف شخص. والعام الماضي، قتلت قُبة حرارية 200 شخص في شمال غرب المحيط الهادئ بأمريكا، بعد تسجيلها 25 درجة مئوية.

وبحسب المجلة، فإن متوسط ​​درجات الحرارة عالميًا حاليًا، أكثر دفئًا بمعدل من 1.1 إلى 1.3 درجة مئوية عما كانت عليه قبل العصر الصناعي. وجد فريق باحثين أمريكيين وبريطانيين أن الرطوبة والحرارية تسجل مستويات قُصوى، مرتين أكثر مما كانت عليه في عام 1979.

الحد من الانبعاثات وإزالة الكربون.. هل يحدّ من الكارثة؟

مع ذلك، قالت ذي إيكونوميست إنه حتى إذا التزمت الدول بوعودها للحد من الانبعاثات الحرارية وإزالة الكربون من الغلاف الجوي، لن يحدّ ذلك من الكارثة وستأخذ درجات الحرارة في الارتفاع بالمقدار نفسه بحلول نهاية القرن، مبينةً أن قدرة البشر على تنظيم درجة حرارتهم تلقائيًا، من خلال التعرق وارتداء أو خلع الملابس، مكّنتهم من العيش والازدهار في كل بيئة تقريبًا، من التندرا إلى الصحاري.

لكن في العصر الحديث، فإن التكنولوجيا، مثل مُكيّف الهواء، تؤدي ما لا يستطيع الجسم القيام به، وستستمر في أداء هذا الدور. مع ذلك، ستبقى أجزاء من العالم غير قادرة على مواجهة ارتفاعات درجات الحرارة والرطوبة، وسيهلك عشرات آلاف الناس فيها.

ربما يعجبك أيضا