كيف تسعى دول الاتحاد السوفييتي السابق للتحرر من سطوة روسيا؟

آية سيد

تكشف الحرب في أوكرانيا التكلفة البشرية لتوسع الإمبراطورية الروسية اليوم حتى في وجه المقاومة الشعبية. هذا دفع الدول السوفييتية السابقة إلى السعي للاستقلال عن موسكو وتنويع علاقاتها الدبلوماسية.


شجعت الحرب الروسية الأوكرانية كثيرًا من جيران روسيا على البحث عن حلفاء دبلوماسيين، بعيدًا عن موسكو.

وبحسب ما أوردت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، في 10 مايو 2022، فقد أصبح كثير من مواطني الدول السوفييتية السابقة، في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، يرون روسيا جارة عدوانية، تنخرط في إبادة جماعية عنيفة، وليست حليفًا تاريخيًّا.

الاستقلال عن موسكو

أفاد التقرير بأن عديدًا من الحكومات أظهرت قدرًا من الاستقلال عن موسكو أكبر من المتوقع، ففي الشهر الماضي، أعلنت دولة كازاخستان أنها لن تنظم عرضًا عسكريًّا للاحتفال بالانتصار السوفييتي في الحرب العالمية الثانية. وبالمثل رفضت دولة كازاخستان في وقت سابق طلب روسيا إمدادها بقوات في أوكرانيا.

بالإضافة إلى هذين الموقفين، وسّعت كلٌّ من كازاخستان وأذربيجان مستوى التعاون في تغيير مسار إمدادات الطاقة إلى أوروبا، ليتجاوزا بهذا التوسع دولة روسيا. وقال نائب وزير الخارجية الكازاخي، ألماس عيداروف: “إذا كان يوجد ستار حديدي جديد، فلا نريد أن نكون خلفه”.

مواقف داعمة لأوكرانيا

أورد تقرير في صحيفة ذا هيل الأمريكية، نُشِر يوم 6 مايو الحالي 2022، أنه يمكن معرفة المواقف الحقيقية للدول المجاورة لروسيا، من خلال ما تفعله، وليس ممّا تقوله. وذكر التقرير أن هذه الدول قدمت الدعم لأوكرانيا، وعلى رأسها أوزبكستان وكازاخستان وأذربيجان. وأرسلت الدول الـ3 طائرات محملة بالمساعدات الإنسانية لأوكرانيا، وأرسلت أذربيجان مساعدات إلى مولدوفا للتعامل مع تدفقات اللاجئين.

وذكر تقرير فورين بوليسي، أن وزير الخارجية الأوزبكي، عبد العزيز كاميلوف، أعرب عن دعمه لوحدة الأراضي الأوكرانية، بما فيها دونيتسك ولوغانسك والقرم. وقد يكون بسبب الضغط السياسي من روسيا، جرى عزله عن منصبه وتعيينه في منصب آخر. وجرى إقالة وزير خارجية قيرغيزستان أيضًا، على الأرجح بسبب الدعم الشعبي غير الكافي للحرب الروسية.

الضغط من أجل التغيير

تضغط المجتمعات في الدول السوفييتية السابقة الآن، من أجل التغيير السياسي في الداخل، في تحدٍّ لنموذج القيادة الاستبدادية لما بعد العصر السوفييتي الشائع في المنطقة. وفي الأعوام الماضية، طالب المحتجون في أرمينيا وجورجيا وقيرغيزستان ومولدوفا وأوكرانيا بإصلاحات لمؤسسات الدولة، التي تخدم النخب السياسية وليس المواطنين.

ووفقًا للتقرير، يُعد الحشد الجماعي المناهض للنظام علامة على مجتمع أكثر انخراطًا في السياسة، والذي يتوقع المشاركة في عملية صنع القرار وانتخابات حرة، بالإضافة إلى أن مقاومة أوكرانيا للحرب الروسية، هي أكبر مثال على رفض الحشد الداخلي الموالي للديمقراطية، الحكمَ الاستبداديَّ.

القادة الاستبداديون في خطر

لفت التقرير إلى أن القادة الاستبداديين الحاليين يواجهون خطرًا متزايدًا، حيال هذه الموجة من التوقعات الجديدة. وعلى سبيل المثال، في بيلاروسيا، الحليف الأقرب لروسيا، نجح الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في النجاة من الثورة الشعبية المطولة في خريف 2020، فقط لمجرد حصوله على الدعم من بوتين. ولكن المظالم الجماعية للشعب البيلاروسي لم تنته بعدُ.

وفي الأيام الأولى للحرب الروسية الأوكرانية، خرّب عمال السكة الحديد البيلاروس، إمدادات المعدات الروسية لأوكرانيا. وبحسب التقرير، فإن هذا العمل البطولي أضر باللوجيستيات الروسية، ما منع الكرملين من نقل القوات والمعدات. وفي كازاخستان، تواجه الدولة اختبار التحول إلى نظام سياسي أكثر تمثيلًا للشعب، بعد الانتفاضة الوطنية في يناير الماضي.

تراجع نفوذ موسكو

وفقًا للتقرير، تظل اللغة الروسية لغة الدولة في بيلاروسيا فقط، رغم احتفاظها بمكانة اللغة الرسمية في كازاخستان وقيرغيزستان. وتحولت أذربيجان من الأبجدية السيريلية إلى الأبجدية اللاتينية في بداية التسعينيات، بينما تمر أوزبكستان وكازاخستان بمراحل مختلفة من العملية نفسها.

وأشار التقرير إلى أن 4 دول فقط انضمت إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا، بينما تضم منظمة معاهدة الأمن الجماعي 6 أعضاء فقط، بما فيهم روسيا. ومن المرجح أن تنخفض شعبية المنظمتين لدى شاغلي المناصب السياسية وعامة الشعب. ويتراجع النفوذ السياسي الروسي أيضًا لأن الثقافة الروسية تخسر همينتها ويتعين عليها التنافس مع المؤثرات الداخلية والخارجية سواء من تركيا أو الخليج العربي أو أوروبا.

دور نشط في الساحة الدولية

لفت التقرير إلى أن الانفصال عن روسيا لا يعني بالضرورة السعي إلى مزيد من الانحياز إلى الغرب. وقد يميل شاغلو المناصب السياسية في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز إلى السعي إلى علاقات أوثق مع الصين وتركيا. ويرى التقرير أيضًا، أنه بسبب العواقب غير المتوقعة للحرب الروسية، فقد لا تملك الدول التي تعتمد على الدعم السياسي والعسكري لروسيا خيارًا سوى تنويع علاقاتها الدبلوماسية.

ووفقًا للتقرير، يتحول جيران روسيا على نحو متزايد، إلى لاعبين نشطين في الساحة الدولية، بدلًا من كونهم بيادق تحركها موسكو. وتفضل هذه الدول الحفاظ على علاقات مع كثير من القوى الإقليمية. وبالنسبة إليهم، تصبح روسيا مجرد جار، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والصين وتركيا وإيران.

دور هذه الدول في احتواء روسيا

أشار تقرير ذا هيل إلى أن دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، إلى جانب تركيا، ستكون حصنًا جنوبيًّا حاسمًا في الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء روسيا على المدى الطويل. ويرصد التقرير، في الوقت ذاته، أن هذه الدول حذرة، وغير متأكدة إلى أي مدى يمكنها الاعتماد على أمريكا، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

ويشير التقرير في النهاية إلى أن هذه المجموعة من الدول مرتبكة من الحرب الروسية الأوكرانية، وتبحث عن طرق لحماية نفسها من المصير نفسه. وبالنسبة إلى واشنطن، توفر مخاوف هذه الدول فرصة لطمأنتها، ولإعادة بناء العلاقات التي توترت بشدة، بسبب سياستها مؤخرًا.

 

ربما يعجبك أيضا