إنه قرن إفريقيا.. ما إمكانيات النمو الاقتصادي في القارة السمراء؟

أحمد ليثي

أكثر من 40% من القوى العاملة الإفريقية لا تزال في الريف ما يجعل القارة مضطرة إلى زيادة التنمية الزراعية وتكيف المجتمعات الريفية والحضرية مع تغير المناخ.


منذ تسعينات القرن الماضي، حظيت آسيا بالاهتمام كقارة صاعدة، وتنبأ الغرب بأن القرن الـ21 سيكون آسيويًّا، لكن الثورة الاقتصادية الحقيقية قد تتمثل في النمو الحتمي لإفريقيا.

وبحسب مدير المعهد الأوروبي بجامعة كولومبيا، آدم تووز، في مقاله بمجلة فورين بوليسي، المنشور 13 مايو 2022، كانت الإمبراطوريات الصينية والهندية القديمة مركزًا للتجارة العالمية، واصفًا نفوذهما المتزايد في العالم اليوم  بأنه “تصحيح للوضع الشاذ”.

ما الذي يميز إفريقيا عن غيرها؟

على عكس آسيا، تميزت القارة لإفريقية تاريخيًّا بانخفاض الكثافة السكانية، وبلغ عدد سكان القارة في العام 1914 حوالي 124 مليون شخص، أو أكثر بقليل من 7% من سكان العالم حينها، لكن على مدار 200 عام مضت، تسببت تجارة الرقيق في انخفاض عدد السكان، واضطراب ديموجرافي.

وبحسب التقرير، تسبب تعرض سكان إفريقيا لويلات الأمراض مثل الجدري وغيره إلى تقوية مناعتهم ومواصلة نموهم، وإن كان ببطء، حتى مع أسر عشرات الملايين من الشباب لتجارة الرقيق، وحدثت ثورة ديموجرافية في القرن العشرين حتى بلغ عدد سكان إفريقيا اليوم نحو 1.4 مليار بزيادة 10 أضعاف خلال قرن واحد، ومن المقرر أن يرتفع أكثر في العقود المقبلة.

اا 1

متوسط عمر السكان في إفريقيا

يشرح إدوارد بايس في كتابه المهم “Youthquake”، إنه من المحتمل أن يصل عدد سكان إفريقيا بحلول العام 2050 إلى 2.5 مليار نسمة، ما يعني أنها ستمثل 25% من عدد سكان العالم، ومن المتوقع أن يولد 566 مليون طفل في إفريقيا خلال العام 2040، وفي منتصف القرن سيشكّل الأفارقة أكبر عدد من السكان في سن العمل الأساسي في أي مكان في العالم.

وقال كاتب المقال إن إفريقيا ستكون القارة الفتية في القرن الـ21، حيث متوسط عمر غالبية السكان في اليابان 48 عامًا، وفي الصين 38 عامًا، وفي الهند 28 عامًا، في حين يتوقف معدل عمر غالبية السكان في نيجيريا مثلا عند 18 عامًا، ما يعني أنه باستثناء وقوع كارثة فإن جزءًا كبيرًا من الشباب النيجيريين على قيد الحياة اليوم سيعيشون حتى العام 2080.

هل التحول الديموجرافي نعمة أم نقمة؟

أوضح مدير المعهد الأوروبي بجامعة كولومبيا أن فكرة التحول الديموجرافي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأفكار أوسع للنمو والتحديث، نظرًا لأن السكان يستفيدون من تحسن الصحة العامة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض معدلات الوفيات، ثم زيادة في معدلات التحضر، وتعليم الإناث، ومشاركة المرأة في سوق العمل، ثم استقرار عدد السكان في نهاية المطاف.

وفي بريطانيا، حيث لوحظ هذا النمط لأول مرة، استغرق التحول الديموجرافي قرنين، من أربعينات القرن الـ18 حتى أربيعينات القرن الـ20، ومرّت تشيلي، باعتبارها واحدة من أغنى البلدان في أمريكا اللاتينية، بمرحلة التحول الديموجرافي بين عشرينات وسبعينات القرن الماضي، وتقلّصت الفترة الانتقالية إلى 40 عامًا في تايلاند والبرازيل.

خخخ

إفريقيا.. فقر مدقع وصفر خدمات

بحسب التقرير، يوجد أكثر من 640 مليون إفريقي لا يحصلون على الطاقة الكهربائية، ما يعني أن هذا أدنى معدل للوصول إلى الكهرباء بـ40% في العالم. ووفقًا لبنك التنمية الإفريقي، يبلغ نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء، 180 كيلوواط/ ساعة، مقارنة بـ 13 ألف كيلوواط/ ساعة للفرد في الولايات المتحدة و6 آلاف و500 كيلوواط/ ساعة في أوروبا.

ويشير إدوارد بايس في كتابه إلى أن استيعاب أعداد الشباب المتفجرة في إفريقيا يمثل تحديًا يمكن مقارنته من حيث السرعة والنطاق بموجة التحضر العملاقة في الصين بين تسعينات القرن الماضي وعقد 2010، ومع ذلك، لا يوجد أي مكان في إفريقيا له أي سجل حافل بالنمو بالوتيرة الصينية.

أين تمكث أغلبية القوى العاملة في إفريقيا؟

أشار التقرير إلى أن أكثر من 40% من القوى العاملة الإفريقية لا تزال في الريف، ما يجعل القارة مضطرة إلى زيادة التنمية الزراعية، وتكيف المجتمعات الريفية والحضرية مع تغير المناخ، ويقدر البنك الدولي أن المشاكل بما في ذلك النقص المزمن في المياه قد تدفع إلى الهجرة الداخلية لأكثر من 80 مليون إفريقي في العقود المقبلة.

وأوضح توز أن بنك التنمية الإفريقي قدّر متطلبات الاستثمار بما يتراوح بين 130 و170 مليار دولار سنويًّا لتحقيق  التنمية في العام 2018، بهدف تأسيس كهرباء كاملة، والوصول الشامل إلى المياه والصرف الصحي، وإصلاح وتوسيع نظام الطرق، وضمان تغطية الهواتف المحمولة بحلول منتصف عام 2020، لكن هذا الهدف لم يتحقق.

إفريقيا تستدين من الخارج

بالنظر إلى الدخل المنخفض، والمدخرات ومعدلات الضرائب المرتفعة في إفريقيا، يجب أن يأتي الكثير من التمويل من الخارج، وهذا من شأنه أن يضيف إلى مستويات الديون التي تثقل كاهل العديد من البلدان الإفريقية، ومهما كان مصدر التمويل، سيتعين على الأفارقة في نهاية المطاف سداد القروض من الأرباح والدخول والضرائب التي تولدها اقتصاداتهم.

وأشار توز إلى أن مشكلة الفقر الجماعي في آسيا جرى حلها، لكن لا يمكن قول ذلك عن إفريقيا، لكن المثال الوحيد الذي يمكننا ذكره هنا هو جنوب إفريقيا، حيث وضع الدخل المتوسط للفرد مرتفع، لكن من جهة أخرى، تعاني من ناحية البنية التحتية المتهالكة، والاضطرابات المدنية، والبطالة الجماعية.

ربما يعجبك أيضا