العقوبات الاقتصادية في العلاقات الدولية وفعاليتها

علاء بريك

متى ظهرت العقوبات؟ وما شروطها؟


في اليوم الأول من مؤتمر دافوس، أدار أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، آدم توز، جلسة تناولت استخدام العقوبات وفعاليتها، بمشاركة شخصيات سياسية وحقوقية.

بالنظر إلى لائحة العقوبات في الأمم المتحدة نجد دولًا عدة ومنظمات، وأنواعًا من العقوبات، فكيف ظهرت هذه العقوبات؟ وما شرط فاعليتها؟ وهل نجحت يومًا في وقف نزاعٍ ما؟

أداة في العلاقات الدولية

يتحدث أستاذ التاريخ المساعد في جامعة كورنِل الأمريكية، نكلس ملدر، في كتابه “السلاح الاقتصادي”، منشورات جامعة يل: 2022، عن تاريخ نشأة العقوبات في العلاقات الدولية، ويضعها في سياق نشأة النظام العالمي الذي بدأ يتبلور بعد أهوال الحرب العالمية حين ارتأت حكومات الحلفاء صياغة نظام عالمي يحافظ على السلم.

العقوبات الاقتصادية والمالية هي حجر الأساس الذي سيقوم عليه كامل بناء المنظمات الدولية أو الفوق وطنية، ومهمتها فصل الدولة المعتدية، أو المخالفة للمواثيق الدولية، عن الاقتصاد العالمي لتأليب شعبها على سياسة حكومتها وحضها على تغيير مسارها سلميًّا دون معارك، وكانت هذه نظرة الرئيس الأمريكي، آندرو ولسن.

تطور جديد في المشهد العالمي

من الناحية التاريخية، ارتبط الحظر التجاري أو المقاطعة، أو العقوبات الاقتصادية بالعموم، بحالة الحرب. فلأجل فرض حظر تجاري يجب تحريك الأسطول البحري لاعتراض حركة الشحن والتحقق من وجهتها وحمولتها ومعاقبة الدول المخالفة وما إلى ذلك، بعبارة أخرى لم يكن من المقبول تقييد حرية التجارة.

لكن مع محاولة دول الحلفاء آنذاك فرض السلم العالمي دون اللجوء للمعارك العسكرية، برزت العقوبات الاقتصادية بصفتها أداة تُضعِف الطرف الآخر وتعرقل خططه دون اللجوء لعمل عسكري وضحايا وتدمير، وقد وصفها الرئيس  ولسن، بأنها “أمضى أثرًا من الحرب”. هكذا ظهرت أولى المفارقات: مدُّ حالة الحرب عبر العقوبات إلى السلم.

ما شرط فاعليتها؟

لم تظهر العقوبات مرة واحدة ومباشرة، بحسب ملدر، بل كان مخاضها عسيرًا وأثارت نقاشات حامية داخل اللجان الحكومية والبرلمانية بشأن مشروعيتها وتأثيرها في المدنيين ومدى جدواها في الإطار السياسي للدول المختلفة، فبعض الدول ستتحمل التزامات جديدة بفعل دورها العالمي.

وبصرف النظر عن هذه الجزئيات، يبرز السؤال: كيف تكون العقوبات فاعلة؟ يجيب ملدر عن هذا السؤال بأن حالة الاعتماد المتبادل في المجال الاقتصادي فتحت الباب أمام طرح العقوبات الاقتصادية سلاحًا في العلاقات الدولية، وإلى جانب حالة الاعتماد هذه لا بد من وجود هيئة دولية محايدة تُلزِم الدول بعدم خرق العقوبات المفروضة على الدولة المُعاقَبة.

حرب الكلب الضال

في 1925، اشتعلت حرب قصيرة الأمد شنتها اليونان ضد بلغاريا، عُرِفت بحرب الكلب الضال أو حادثة بيتريتش. كان يمكن لهذه الحرب أن تطول وتزهق آلاف الأرواح، لأن البلدين في حالة عداء قديمة، لولا تدخل القوى الكبرى لنزع فتيل الحرب عبر الضغط على قيادة البلدين لوقف الأعمال الحربية.

يذكر ملدر أن دور التهديد بالعقوبات الاقتصادية ضد اليونان كان المحرك الرئيس لفرض حالة السلم، وردّ اليونان عن بلغاريا، بل إن محادثات عصبة الأمم في جنيف آنذاك لم تكتفِ بالتلويح بإمكانية فرض عقوبات على اليونان، بل عرضت قائمة العقوبات التي جهزتها وناقشتها على الحكومة اليونانية لردعها عن أي مغامرة عسكرية.

الحرب الروسية الأوكرانية

إنْ نجحت العقوبات الاقتصادية، أو التهديد بها، في إنهاء أزمة سياسية وعسكرية في ما مضى، فإنَّها في حالة الحرب الروسية الحالية لم تحقق نجاحًا يُذكَر، خاصة أن العقوبات على روسيا بدأت تتزايد منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014 إلى الأراضي الروسية، وبلغت أوجها مع اجتياح أوكرانيا في 2022.

يرجع هذا إلى شرطَي فعالية أي عقوبات اقتصادية دولية، فالعالم يعتمد بشدة على الطاقة الروسية والمعادن الروسية، أي أن حالة الاعتماد المتبادل هنا تعمل لصالح روسيا لا ضدها، والشرط الثاني التزام جميع الدول بالعقوبات، وهو ما انتقدت غيابه وزيرة التنمية الاقتصادية والتجارة الأوكرانية، يوليا سفِرِدينكو، في جلسة دافوس عن العقوبات الاقتصادية.

ربما يعجبك أيضا