بين التوازن الهش وضبط النفس.. لماذا لن تهاجم الصين تايوان؟

علاء بريك

أن تكون قوة كبرى يعني أن تفاوض القوى الأخرى، وتقدم التنازلات أحيانًا، فما تأثير هذه المُسلَّمة في حالة الصين وتايوان؟


في 23 مايو 2022، أعرب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في أثناء زيارته إلى اليابان عن التزام بلاده بالدفاع عن تايوان، حال تعرضها لهجومٍ صيني.

وبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا المستمر منذ 24 فبراير الماضي، زادت المخاوف الغربية من أن الصين قد تشن هجومًا مماثلًا على مقاطعة تايوان تي تتمتع بحكم ذاتي، فما أهمية تصريحات بايدن؟ وما الذي قد يجعل الصين تشن مثل هذا الهجوم أصلًا؟

اللغة في الخطاب السياسي

في الخطاب السياسي لا بد من الدقة والعناية في اختيار المفردات للتعبير عن المواقف منعًا لأي التباس، فالمصطلحات المختلفة تحمل معانيَ مختلفة. وبحسب موقع نيو بلوم المتخصص في الشأن التايواني، تمثِّل اللغة الدبلوماسية والمصطلحات السياسية عند الصين والولايات المتحدة إزاء تايوان حالة نموذجية لتوظيف لغة الخطاب في السياسة.

وعلى سبيل المثال، تتبنى بيكين مبدأ الصين الواحدة، بمعنى أنَّه لا وجود إلا لصينٍ واحدة وتايوان جزءٌ منها، أما الولايات المتحدة فقد لجأت إلى مصطلح آخر “سياسة الصين الواحدة”، وهذا الحل يمكِّنها من قبول التعامل مع الصين سياسيًّا، ومن ناحية أخرى لا يلزمها بالاعتراف بوجود صين واحدة وتايوان جزء منها، فالمبدأ لا يتغير، أما السياسة فقابلة للتغيير بتغير الظروف.

ومن الأمثلة الأخرى على اختلاف المصطلحات، نجد استخدام الصين لمصطلح إعادة التوحيد إزاء تايوان، ما يعني أنَّ الوحدة كانت قائمة تاريخًا، واليوم تجدّد وتعود الأمور إلى ما كانت عليه. وأما تايوان فتصِف محاولات الصين لضمها إليها بـ”التوحيد”، لتجرّد المحاولة من بعدها التاريخي الذي يحمله مصطلح “إعادة التوحيد”.

الغموض الاستراتيجي

على مدار عقود، تجنب رؤساء الولايات المتحدة إعطاء إجابة مباشرة على سؤال حماية تايوان من الصين، تماشيًا مع سياسة “الغموض الاستراتيجي” طويلة الأمد. وكان خلف هذا الغموض الرغبة في تسهيل العلاقات الدبلوماسية مع بكين باسترضائها، ومن جانبٍ آخر كان يجب تجنب تشجيع أي زعيم تايواني مستقبلي قد يُقدِم على إعلان استقلال الجزيرة، منعًا لأي عملية عسكرية في المنطقة.

ولكن مع بايدن، بدأ هذا الغموض الاستراتيجي بالتراجع والخفوت، ففي زيارته إلى اليابان أقرَّ أمام الصحافة بالتزام الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان إذا تعرضت لهجومٍ صيني، ولم يكن هذا التصريح فريدًا من نوعه، بل سبق أن صرَّح في مناسبتين بتصريحات مماثلة، وسارعت الإدارة الأمريكية في كل مرة إلى التراجع عن تصريحاته، والتشديد على الالتزام بسياسة الصين الواحدة، بحسب موقع نيو ستيتس مان.

ماذا يدفع الصين لتهاجم تايوان؟

تُعَد الصين أكبر مستوردي البضائع والخدمات من تايوان بين 2017 و2022 بمقدار تجاوز 515 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة التجارة الخارجية التايوانية. ولكن مع التطورات الحالية بات التوازن هشًا بين البلدين، ويشير موقع إنفستمنت مونيتور إلى أنَّ تظاهرات هونج كونج في 2019-2020 ضد الصين جعلت من قيادة بيكين أكثر حزمًا.

وعلى الرغم من هذه التطورات، فإنه ما زالت حالة من التوازن الهش سائدة يهدِّد الرئيس التايواني الحالي بكسرها بمطالباته المتزايدة بالاستقلال الرسمي عن الصين، لكن بحسب مدير المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، هُسُك لي مَكياما، فإنَّ الحزب الشيوعي الصيني عاقل، ويعرف كيف يحكم، وموقعه كقوة كبرى يُلزِمه بالتفاوض مع القوى الكبرى، وتقديم التنازلات أحيانًا، ما قد يفسر عدم رغبته بتغيير الوضع الراهن.

ربما يعجبك أيضا