خبير عسكري أمريكي: التفكير الاستراتيجي ضروري للحد من الهزائم العسكرية

آية سيد
الإخفاقات العسكرية لأمريكا

إن السبب الحقيقي في إنتاج جيل من القادة العسكريين الذي يعانون من مشكلات فكرية ليس نظام التدريس المهني للجيش، وإنما الثقافة العسكرية نفسها.


يوّجه مراقبو الشؤون العسكرية والأمنية الانتقادات لأمريكا بسبب سلسلة الإخفاقات العسكرية المتنامية بالخارج.

في هذا السياق، رأى الأستاذ في كلية دوايت آيزنهاور للأمن القومي واستراتيجية الموارد، جريجوري فوستر، في مقال في موقع ريسبونسبل ستيت كرافت، أن تغيير الثقافة العسكرية بات ضروريًا لإصلاح تلك الإخفاقات.

التعليم العسكري المهني

لفت فوستر إلى أنه منذ ظهور وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، أدت هذه الانتقادات إلى اتهامات بأن نظام التعليم العسكري المهني للجيش الأمريكي هو المسؤول عن الإخفاقات، خاصة على مستوى “الكلية الحربية”.

وبحسب فوستر، جاء في استراتيجية الدفاع الوطني 2018 هذا التأكيد الذي لا أساس له: “لقد عانى التعليم العسكري المهني من الركود، وركز أكثر على إنجاز المقررات الإلزامية على حساب قوة الفتك والبراعة القتالية. سوف نركز على القيادة الفكرية والمهنية العسكرية في فن وعلم خوض الحروب”.

إلا أن هذه الاتهامات الموجهة عن جهل تفشل في إدراك أن السبب الحقيقي في إنتاج جيل من القادة العسكريين الذي يعانون من مشكلات فكرية ليس نظام التدريس المهني للجيش، وإنما الثقافة العسكرية نفسها.

برنامج المفكرين الاستراتيجيين

قال فوستر إن تحيز جيمس ماتيس، الذي كان وزيرًا للدفاع وقت إصدار تلك الاستراتيجية، ضد التعليم العسكري المهني أدى إلى إنشاء “برنامج المفكرين الاستراتيجيين” في 2019، وهي مبادرة تمنح درجة الماجستير من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز بموجب عقد مع وزارة الدفاع.

وبحسب فوستر، فإن برنامج المفكرين الاستراتيجيين هو برنامج نخبوي: يتقدم الشخص للبرنامج، ويتنافس، ومن المفترض أن يجري اختياره على أساس الجدارة. لكن على الجانب الآخر، فمدارس التعليم العسكري المهني مؤسسات شعبوية يجري اختيار طلابها قسرًا من طرف أجهزتهم ومؤسساتهم الرئيسة بناءً على أدائهم السابق وإمكاناتهم المستقبلية في أداء المهام التشغيلية.

أوجه المقارنة

طرح فوستر 3 محاور للمقارنة بين برنامج المفكرين الاستراتيجيين والتعليم العسكري المهني. المحور الأول هو هيئة التدريس. فمن جانبه، يرى فوستر أنه لا يوجد شيء يميز هيئات التدريس لبرنامج المفكرين الاستراتيجيين والتعليم العسكري المهني. فكما هو الحال مع أي مشروع تعليمي أو تدريبي، تكون خبرة هيئة التدريس أو جودتها أشبه بالمقامرة.

ووفق فوستر، فالمحور الثاني هو المنهج الدراسي. ذكر فوستر أن المناهج لأي برامج تدعي أنها تنتج مفكرين استراتيجيين لا تصلح للمقارنات السهلة، لأنه لا يوجد نموذج يشرح ما قد يشكل التفكير الاستراتيجي أو يساهم فيه.

تنمية التفكير الاستراتيجي

لفت فوستر إلى أن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه جميع برامج تنمية المهارات القيادية هو أن القيادة ليست فطرية بالكامل، بل يمكن تعلمها واكتسابها. ولأن القيادة الاستراتيجية مبادرة فكرية، وليست سلوكية، فبالتالي يمكن تنمية التفكير الاستراتيجي.

أشار فوستر إلى أن ما لا يدركه الكثيرون هو أن التفكير الاستراتيجي يختلف نوعيًا عن التفكير الاعتيادي، بغض النظر عن المجال أو السياق. وقال إنه يتجاوز التفكير العسكري، الذي يكون بطبيعته تكتيكي وتشغيلي ويتعلق بشن الحروب. ويركز التفكير الاستراتيجي على المستقبل، وعلى الصورة الكبيرة الشاملة، وعلى ترتيب عواقب التحرك أو التقاعس، وعلى الأسباب الكامنة بدلًا من أعراض اللحظة.

لكن، بحسب فوستر، ما يظل دون إجابة هي التخصصات أو المواد الأساسية، أو حتى الملائمة، لتنمية التفكير الاستراتيجي، حيث ذكر أنه لا توجد إجابة واحدة صحيحة.

المحور الثالث

قال فوستر إن أكثر ما يهم هو جودة الطلاب، من حيث الخبرة والقيم والسلوك والوسائل الفكرية التي يجلبوها إلى هذه البرامج. ولفت فوستر إلى أن الطلاب هم المادة الخام العشوائية التي تغذي المبادرة التعليمية وهم أيضًا المنتج النهائي الأقل عشوائية الذي يخرج من الطرف الآخر. لذلك، فإن الثقافة التي تحيط بهؤلاء الأفراد وتشكلهم يجب أن تكون ذات أهمية محورية في تقييم أدائهم الحالي والمستقبلي كمفكرين استراتيجيين.

وفي الختام، قال فوستر إنه “إذا أردنا مواجهة إخفاقاتنا الاستراتيجية بالخارج عبر الاعتراف بالقيود الفكرية للجنرالات والأدميرالات الحاليين، فمن الضروري أن نشخص بدقة مصدر تلك القيود، ونتجنب الاتهامات السطحية الناجمة عن جهل، ونلقي المسؤولية على السبب الحقيقي، ألا وهو الثقافة العسكرية نفسها”.

 

 

ربما يعجبك أيضا