ما دلالة التعبئة الروسية واستفتاءات الضم وسط الانتكاسات في أوكرانيا؟

رنا أسامة

مع تلويح بوتين بتصعيد نووي وفرضه تعبئة عسكرية جزئية قبيل خطط لإجراء استفتاءات لضم أراض أوكرانية.. هل يتخلى الرئيس الروسي عن طموحاته؟


للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسومًا بشأن فرض تعبئة عسكرية جزئية، بدءًا من اليوم الأربعاء 21 سبتمبر 2022.

ويأتي قرار التعبئة الجزئية، وسط تراجع القوات الروسية في شمال شرقي أوكرانيا، تحديدًا في مقاطعة خاركيف، ما أجبر موسكو على الانسحاب من أراض أوكرانية كثيرة، كانت تسيطر عليها منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022.

تحذير وتحرير

حذر بوتين، في خطاب متلفز موجه إلى الروس، من أن موسكو سترد بقوة بكل السبل المتاحة لحماية أراضيها وشعبها، في حال واصل الغرب ما أسماه “ابتزازه النووي”، متهمًا  الدول الغربية بالسعي إلى إضعاف البلاد وتقسيمها وتدميرها، حسب ما أوردت وكالة رويترز.

وأضاف أن روسيا لديها أسلحة كثيرة للرد على ما يصفه “تهديدات غربية” لمهاجمة أراضٍ روسية، وأمر بزيادة التمويل لتعزير إنتاج البلاد من الأسلحة. وأعاد التأكيد أن هدفه هو “تحرير” دونباس، قلب المنطقة الصناعية بشرق أوكرانيا، مدعيًا أن معظم الناس في تلك المنطقة لا يريدون العودة إلى ما وصفه بـ”عبودية” أوكرانيا.

بوتين... 1

تصعيد روسي

في حوار مع التليفزيون الروسي الرسمي، عقب خطاب بوتين، قال وزير الدفاع، سيرجي شويجي، إن التعبئة الجزئية ستشمل استدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط، إضافة إلى من لديهم خبرة عسكرية سابقة، على أن يخضعوا لتدريب عسكري قبل نشرهم، في حين لن يستدعس الطلاب أو من خدموا كمجندين في الجيش.

وفي حين تتكتم روسيا على حصيلة خسائرها في الحرب منذ 25 مارس الماضي، قال شويجو إن الخسائر البشرية لروسيا في أوكرانيا بلغت 5 آلاف و937 جنديًا، زاعمًا أن قادة عسكريين غربيين يديرون العمليات في كييف.

خطوة متوقعة

وصفت وزيرة الخارجية البريطانية، جيليان كيجان، خطاب بوتين بأنه “تصعيدي، يجب أخذه على محمل الجد”. في حين قال مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، لرويترز، إن التعبئة الروسية خطوة متوقعة، ستثبت أنها لا تحظى بشعبية كبيرة، مضيفًا أن الحرب لن تسير وفق خطة موسكو.

وقال بوتين، في خطابه، إن التعبئة العسكرية الجزئية لجنود الاحتياط، البالغ قوامهم مليوني جندي، للدفاع عن روسيا وأراضيها، مدعيًا أن الغرب لا يريد السلام في أوكرانيا، وكذلك تحدث عن ضغط تمارسه واشنطن ولندن وبروكسل على كييف “لنقل العمليات العسكرية” إلى الأراضي الروسية، بهدف “نهبها بالكامل”، على حد تعبيره.

دبابة روسية مدمرة في أوكرانيا

ابتزاز نووي

بينما ضرب الجيش الأوكراني، على نحو متقطع، أهدافًا داخل روسيا طوال الحرب باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى، نوه بوتين بأن “الغرب يبتز موسكو نوويًا”، مستشهدًا في ذلك بمحطة الطاقة النووية في زابوروجيا الأوكرانية، تلك المحطة الأضخم في أوروبا، التي تبادلت روسيا وأوكرانيا اتهامات بقصفها، مرارًا وتكرارًا، وسط تحذيرات بكارثة نووية.

واتهم الرئيس الروسي مسؤولين رفيعي المستوى من دول كبرى بحلف شمال الأطلسي “الناتو”، بالإدلاء بتصريحات تحرّض على إمكانية وجواز استخدام أسلحة دمار شامل ضد روسيا، بما في ذلك أسلحة نووية. وقال: “إلى أولئك الذين يدلون بمثل هذه التصريحات بشأن روسيا، أود أن أذكركم بأن بلادنا لديها أيضًا وسائل تدمير مختلفة، بعضها أكثر حداثة من تلك الموجودة في دول الناتو”، وفق رويترز.

نووي

استفتاءات ضم

قبيل خطاب بوتين، ندد زعماء العالم المجتمعون في الأمم المتحدة بنيويورك، بالحرب الروسية الأوكرانية، وبإعلان 4 مناطق يسيطر عليها الروس في شرق وجنوب أوكرانيا، خططًا لإجراء استفتاءات على الانضمام إلى روسيا خلال الأيام المقبلة.

وفي خطوة عدتها “رويترز” منسقة ظاهريًا، أعلن موالون لروسيا إجراء استفتاءات من 23 إلى 27 سبتمبر الحالي، في مقاطعات لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، التي تمثل قرابة 15% من الأراضي الأوكرانية، أو تعادل حجم المجر. ومن شأن ضم تلك المناطق الأربعة أن يمهد الطريق لتصعيد روسي جديد، لا سيما بعد النجاحات الأوكرانية في ساحة المعركة.

مكاسب مهددة

يرى الكرملين في لوغانسك ودونيتسك، اللتين تشكلان معًا منطقة دونباس وتسيطر عليها موسكو جزئيًّا، دولتين مستقلتين. ولكن تنظر أوكرانيا والغرب إلى تلك الأراضي أنها محتلة بصفة غير قانونية. وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، إن استفتاءات الضم ستجعل إعادة ترسيم الحدود خطوة “لا رجعة فيها”، وتمكن موسكو من استخدام “أي وسيلة” للدفاع عنها.

وتسيطر روسيا الآن على قرابة 60% من دونيتسك، في حين سيطرت على كامل لوغانسك تقريبًا بحلول يوليو الفائت، بعد تقدم بطيء خلال أشهر من القتال العنيف. بيد أن هذه المكاسب باتت مهددة الآن بعد الانسحاب الروسي من مقاطعة خاركيف المجاورة هذا الشهر، وفقد السيطرة على خطوط الإمداد الرئيسة لمعظم خطوط الجبهة في دونيتسك ولوغانسك، وفق رويترز.

جنود أوكرانيون

استفتاء القرم

تعيد استفتاءات الضم المرتقبة إلى الأذهان استفتاءًا مماثلًا أجرته روسيا في العام 2014، وضمت بموجبه شبه جزيرة القرم. وفي مؤتمر دولي بشأن القرم، الشهر الماضي، تعهد الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، باستعادة الحكم في شبه الجزبرة، في خطوة قال إنها ستساعد على إعادة إرساء القانون والنظام الدوليين.

ووصف زيلينسكي باستعادة شبه الجزيرة بأنه أكبر خطوة مضادة للحرب. وتابع: “الحرب بدأت من القرم وستنتهي بها”. وتبنت القرم وسيفاستوبول إعلان الاستقلال في 11 مارس 2014، وأجرتا استفتاءً لم تقر به المجموعة الدولية في 16 مارس من العام نفسه، صوت فيه 96.77% من القرم، و95.6% من سيفاستوبول لصالح الانضمام إلى الاتحاد الروسي. ووقع بوتين معاهدة إلحاق القرم بروسيا في 18 مارس 2014.

طموحات إمبريالية

قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لصحفيين، قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن خطط استفتاءات الضم ستكون “مأساوية للغاية، إن لم تكن مثار سخرية”. في حين رأى المستشار الألماني، أولاف شولتز، أن بوتين لن يتخلى عن “طموحاته الإمبريالية” التي تخاطر بتدمير أوكرانيا وروسيا، إذا أدرك أنه لا يستطيع الانتصار في الحرب.

أما وزير خارجية لاتفيا، إدجارز رينكيفيكس، فدعا إلى فرض عقوبات إضافية على روسيا، وتزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، مغردًا عبر تويتر: “يجب أن نقول لا للابتزاز الروسي”. وشن بوتين، فجر 24 فبراير الماضي، ما أسماه عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، بغية اجتثاث القوميين، ولكن الحرب أودت بحياة آلاف ودمرت مدنًا ودفعت ملايين إلى الفرار من الجمهورية السوفيتية السابقة، بحسب “رويترز.”

استفتاء القرم

عدالة تاريخية

في دونيتسك، وهي جزء من منطقة دونباس التي حددها بوتين هدفًا رئيسًا لعمليته، قال الزعيم الانفصالي، دينيس بوشلين، إن استفتاءات الضم “ستعيد العدالة التاريخية” إلى “شعب الإقليم الذي طالت معاناته”، على حد قوله. وقال الناشط المؤيد لروسيا، فلاديمير روجوف، في زابوروجيا التي تسيطر عليها روسيا جزئيًّا: “كلما أصبحنا جزءًا من روسيا أسرع، سيحل السلام في أقرب وقت”.

استفتاءات ضم

ضغط روسي

حسب شبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية، ازداد الضغط في الداخل من أجل التصويت على استفتاءات الضم، من قادة مدعومين من موسكو في أراض أوكرانية تسيطر عليها، لا سيما بعد الهجوم المضاد الأوكراني الذي استعاد السيطرة على مناطق واسعة.

وقال كاتب خطابات الكرملين السابق والمحلل السياسي الروسي، عباس جالياموف، في منشور عبر “فيسبوك”، إن الانفصاليين المدعومين من موسكو بدوا خائفين من تخلي الروس عنهم، في ظل الهجمات الأوكرانية، ومضوا قدمًا في خطط الاستفتاء لإجبار الكرملين على ضم تلك المناطق.

صراع طويل الأمد

في ما عدته “إيه بي سي نيوز” إشارة جديدة إلى اتجاه روسيا نحو صراع طويل الأمد، أقر البرلمان الروسي، يوم أمس الثلاثاء، قانونًا يشدد بموجبه العقوبات على الجنود الروس الذين يخالفون واجباتهم، بما في ذلك الفرار من الخدمة العسكرية، وإلحاق الضرر بممتلكات عسكرية والعصيان، وذلك في حال ارتكبوها في أثناء التعبئة العسكرية أو القتال.

وبحسب نسخة من مشروع القانون الذي مرره الدوما الروسي سريعًا، وقالت رويترز إنها اطلعت عليه، فإن الاستسلام الطوعي يصبح جريمة للعسكريين الروس يعاقب عليها بالسجن إلى 10 سنوات.

ربما يعجبك أيضا