كيف تزرع أمريكا أزمات الغد؟ رؤية مختلفة للتنافس مع الصين

علاء بريك

بتركيزها على هدف التفوق على الصين، تغفل الولايات المتحدة مصالح أخرى قد تتسبب لها في النهاية بمشكلات وأزمات عميقة في الداخل والخارج.


يشغل الصراع الأمريكي الصيني اهتمام وسائل الإعلام والساسة والخبراء في أنحاء العالم، ولكن الملاحظ أن الرواية السائدة تدور حول تنافس لا محيد عنه.

ويبرز في هذه الحالة تساؤل عن مقاربات أخرى لهذا الصراع، ومدى صحة أخذه مأخذ الصراع الحتمي، وعن آثاره في النظام العالمي والديمقراطية، وفي الولايات المتحدة نفسها، باعتبارها صاحبة القيادة العالمية في ما بعد الحرب العالمية الثانية.

المصلحة الأمريكية ومواجهة الصين

في مادتها المنشورة بصحيفة “فورين أفيرز” عدد سبتمبر/أكتوبر، قالت أستاذة الدراسات الصينية والآسيوية في جامعة كورنيل، جيسيكا تشين وايس، إن السياسة الخارجية الأمريكية باتت مأخوذة كليًّا بالمنافسة مع الصين، ما يهدد بتجاهل المصالح الاستراتيجية الأمريكية وقيمها.

بحسب وايس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، لن ينتهي هذا المسار إلى أي شيء إيجابي مؤكد، بل بالأحرى يفضي إلى مزيد من تدهور العلاقات الصينية والأمريكية، وتزايد مخاطر نشوب صراع كارثي يهدد بتقويض القيادة الأمريكية على الصعيد العالمي، فضلًا عن تهديد المجتمع الأمريكي نفسه، وزعزعة الديمقراطية في الداخل.

«الصينوفوبيا».. هل هي مبررة؟

بحسب وايس، ليس غريبًا أن يقلق صناع السياسة والخبراء الاستراتيجيين في واشنطن من التطورات الصينية وصعود نظامها، وممارساته على الصعيدين الداحلي أو الخارجي، إقليميًّا ودوليًّا، وليس من الغريب أن يحتل هذا القلق موقعًا مركزيًا في الأروقة السياسية الأمريكية، ومن المرجح أن تزداد حدته مع تجديد رئاسة شي جين بينج لولاية ثالثة.

ولكن كل هذا ليس مبرِّرًا، من منظور وايس، لتحوّل سياسة الولايات المتحدة الخارجية إلى نهج رد الفعل وفقدان الوجهة المحددة، لتغدو هذه السياسة بمثابة دوران في دوائر لا تنتهي، لا يحركها شيء سوى الخوف والقلق، محذرة من انعكاس هذا الأمر على المجتمع الأمريكي بالسلب في نهاية المطاف، لا سيما مع غياب البديل الواضح عن النموذج الصيني، وعدم وضوح العلاقة بين واشنطن والعالم.

الأزمة الضرورية أم النهج المعيب؟

رغم أن كل من واشنطن وبكين تزعم أنها لا تريد حربًا باردة جديدة، فإن الحقيقة على الأرض تظهر تنافس البلدين في صراع عالمي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إدامة تفوقها وقيمها ونموذجها، في حين ترى الصين فرصة لتحقيق ظهور عالمي، ما يعني أن صدامًا أو أزمة قد يقع مع الوقت، وهذا ما تراه الصين والولايات المتحدة أمرًا لا مفر منه، أو ربما ضروري.

وتذهب وايس أبعد من هذا بقولها إنه وإنْ غابت الأزمة فإن نهجًا يستند على رد الفعل يُسقِط واشنطن في فخ مواجهة الصين على الساحة العالمية، من دون أخذ حاجات الدول والحكومات والشعوب في الاعتبار، ما يعني تشتت الجهود الأمريكية، وحرمان واشنطن من القدرة على المنافسة طويلة الأمد، من دون الوقوع في أخطاء جسيمة داخليًّا وخارجيًّا.

النهج الأفضل

من منظور وايس، يتأسس النهج الأفضل لواشنطن في هذا الصراع على ما تريده لا ما تخشاه، بمعنى أن أي خطوة أمريكية يجب النظر إليها من منظور ما تقدمه في إطار العلاقة مع العالم، وليس مع الصين وحدها، أو مع تقويض قدرة الصين ومصالحها، أو التفوق على بكين في بعض الميادين، وعلى هذا النهج أن يعكس مُثُل الولايات المتحدة لتشكيل نظام عالمي سليم، تكون الصين أحد أطرافه.

وتضيف وايس أن هذا النهج ليس عليه التخلي كليًّا عن جهود ردع بعض الممارسات الصينية الشمولية ولا هجر التحالفات، ولكنها تستدرك لتشير إلى ضرورة اشتماله على مناقشات بنَّاءة مع بكين في جميع الملفات المهمة، لا سيّما مناقشة التعايش المشترك لقوة عظمى وأخرى في نظام دولي مستقر، بخلاف ذلك، فالعالم على موعد مع منافسة تضر جميع أطرافها المباشرة وغير المباشرة.

صراع القوى العظمى والديمقراطية

في 14 يوليو 2022، نشر المدير المؤقت لبرنامج “برادي جونسون” في جامعة ييل، مايكل برينس ووالباحث في مؤسسة “آسيا باسيفيك” الكندية، فان جاكسون، عبر صفحات مجلة “فورين أفيرز” مادة بشأن تأثير صراع القوى العظمى في الديمقراطية في أنحاء العالم، وفحوى مناقشتهما أن هذا النوع من الصراعات الدولية الكبرى بمثابة وبال على الديمقراطية والقيم التحررية.

وعلى غرار مناقشة وايس، جادل برينس وجاكسون بأن تركيز السياسة الأمريكية على التفوق على الصين يُغفل المشكلات الملحة، والأسوأ من ذلك أنه يتركها بلا حل، ليجعلها تتفاقم وتخلق دوامة تهدد بعصف النظام من الداخل، ومن أمثلة ذلك، برأي الكاتبين، مشكلات عدم المساواة العرقية والاقتصادية، وأزمة الصحة العامة، والتدهور البيئي، التي لا رابط بينها وبين التنافس الجيوسياسي.

ويتفق الكاتبان مع خلاصة وايس، حين تقول: “لا يمكن أن تصبح المنافسة غاية في حد ذاتها، وطالما أن التفوق على الصين في المنافسة يحدد أهداف الولايات المتحدة، فستستمر في قياس النجاح بشروط أخرى غير شروطها الخاصة.. إذا تمثل الهدف النهائي في السعي لتحقيق التقدم البشري والسلام والازدهار، كما ذكر بلينكن، فلن تحتاج الولايات المتحدة إلى هزيمة الصين من أجل الفوز”.

ربما يعجبك أيضا