“رضا ضراب” .. ورقة ضغط أمريكية على “أردوغان”

سهام عيد

رؤية

كانت أنقرة تضغط على واشنطن برجل الدين التركي، فتح الله كولن، المتهم بالوقوف وراء الانقلاب الأخير في تركيا. والآن باتت واشنطن هي من تضغط على أنقرة برجل الأعمال التركي من أصل إيراني، رضا ضراب المتهم بقضايا تحايل على العقوبات الأمريكية ضد إيران بمشاركة وزراء من الحكومة التركية.

الواضح أن قضية رضا ضراب ستلعب دورا جديدا في التقارب بين أنقرة وطهران لمواجهة الضغوط الأمريكية على كلا البلدين.

فقد فرض رجل الأعمال التركي الإيراني رضا ضراب، خلال الأسبوع الماضي، اسمه على الساحة الإعلامية الدولية، إثر شهادته أمام محكمة في نيويورك، بتورط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معاملات تشكل التفافا على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.

وكشف رجل الأعمال الشاب البالغ من العمر 34 عاما، للمحكمة الفيدرالية في منهاتن، أنه دفع بين آذار/ مارس 2012 وآذار/ مارس 2013 رشاوى تبلغ أكثر من خمسين مليون يورو لوزير الاقتصاد السابق ظافر شاجليان.

وهذا ما سمح له بأن يفرض نفسه كوسيط أساسي لتجارة إقليمية معقدة لكن مربحة كانت تسمح لإيران عبر المصرف الحكومي التركي “خلق بنك” بضخ مليارات اليورو من عائدات محروقات في النظام المصرفي الدولي على الرغم من العقوبات الأمريكية التي تحظر التعامل التجاري مع طهران.

وبعد ذلك، تحدث ضراب الذي اعترف بسبعة من التهم الموجهة إليه والموقوف حاليا في مكان سري بحماية مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، عن تورط أردوغان في تلك التعاملات.

وكان ضراب في رحلة مع أسرته إلى ميامي الأمريكية، حين أوقفته السلطات في آذار/ مارس 2016.

وأمام محكمة مانهاتن، أكد هذا السجين الأنيق الذي كان يرتدي سترة سوداء وقميصا أبيض أمام عشرات الصحافيين الأتراك متحدثا بالتركية بحضور مترجم، إن أردوغان أصدر عندما كان رئيسا للحكومة “تعليمات” ليشارك مصرفان حكوميان آخران في هذه العمليات.

وهو يعني بذلك أن أردوغان كان على علم بالالتفاف على العقوبات وإن كان الرئيس التركي يؤكد أنه ليس هناك أي شىء يؤخذ عليه.

وخلال إفادته التي استمرت ثلاثة أيام قدم رضا ضراب، مدعما أقواله باتصالات هاتفية ورسائل إلكترونية، على أنه الشخصية الأساسية في شبكة واسعة لشركات إيرانية وتركية أنشئت بفضل اتصالاته مع الحكومتين التركية والإيرانية، وبفضل حسه التجاري.

مساعدة إيران في “الجهاد الاقتصادي”

قال ضراب المولود في إيران والذي وصل في سن الطفولة إلى تركيا، إنه بدأ منذ سن 16 في تجارة الشاي قبل أن يعمل لسنتين مع والده في شركة لصرف العملات كان والده يديرها في دبي.

بعد ذلك بدأ يعمل لحسابه وأطلق شركات تعمل في مجال البناء والنقل البحري وصرف العملات.

ويبدو أن فكرة مساعدة طهران على الالتفاف على العقوبات الأمريكية جاءت من بائع مجوهرات تركي بدأ يحوّل المال الإيراني إلى ذهب ثم يعيد بيعه مقابل عملات صعبة، ما يسمح بإخفاء المنشأ الإيراني لهذه الأموال.

وليفرض نفسه في هذه التجارة، اعتمد ضراب المعروف أصلا في تركيا بحياة البزخ التي كان يعيشها وبزواجه من مغنية تركية مشهورة، على علاقاته.

وكتب رسالة إلى الرئيس الإيراني حينذاك محمود أحمدي نجاد، مؤكدا فيها أنه يريد مساعدة “وطنه الحبيب” في “الجهاد الاقتصادي” لفك طوق العقوبات التي تخنق طهران. وأشار في الرسالة إلى “نصف قرن من خبرة عائلة ضراب في صرف العملات”.

وانتعشت تجارته للاتفاف على العقوبات فعليا في 2012 عندما تعامل مع المصرفين الإيراني “سرمايه” والتركي “خلق بنك” بمساعدة وزير الاقتصاد التركي السابق الذي دفع له رشاوى.

أردوغان يعتبرها مؤامرة

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إنه ليس بإمكان المحاكم في الولايات المتحدة مقاضاة تركيا، وذلك في إشارة إلى محاكمة مسؤول تنفيذي في بنك تركي وُجهت له اتهامات تتعلق بالتملص من عقوبات تفرضها الولايات المتحدة على إيران.

ويرى مراقبون أن تصريح أردوغان جاء كمحاولة لامتصاص صدمة تورط تركيا في خرق الحصار المفروض على إيران، وهو محاولة يائسة لتضليل الرأي العام بأن القضية ملفقة ضد بلاده.

وكان ريتشارد بيرمان، القاضي الأميركي المكلف بالنظر في القضية، قال: إنه سيتم سماع تسجيلات صوتية لمحادثات أردوغان ووزير الاقتصاد التركي السابق محمد ظافر شاغليان كدليل خلال الأسبوع المقبل.

وتدهورت العلاقات المتوترة أصلا بين أنقرة وواشنطن العضوين في حلف شمال الأطلسي في الأسابيع الأخيرة.

وفي شهادته على مدى ثلاثة أيام زج ضراب باسم سياسيين أتراك كبار ومن بينهم أردوغان. وقال ضراب: إن أردوغان أجاز شخصيا لبنكين تركيين الانضمام إلى المخطط عندما كان رئيسا للوزراء.

وقال ضراب إنه علم من ظافر شاغلايان، الذي كان وزيرا للاقتصاد في تركيا أن أردوغان ووزير الخزانة في ذلك الوقت علي باباكان أجازا لبنكين تركيين هما زراعة بنك وفاكيفبنك تحويل أموال إلى إيران.

ودفع محمد حقان عطا الله، وهو مسؤول تنفيذي في بنك خلق التركي المملوك للدولة ببراءته أمام محكمة مانهاتن الاتحادية، الخميس. فيما وجه الادعاء الأميركي اتهامات لتسعة أشخاص في هذه القضية بالتآمر لمساعدة إيران على التملص من العقوبات على الرغم من أن السلطات لم تلق القبض إلا على ضراب (34 عاما) وعطا الله (47 عاما).

ووصفت أنقرة هذه الشهادة بأنها محاولة لتقويض تركيا واقتصادها، وكانت قد وصفتها من قبل بأنها “مؤامرة واضحة” من شبكة فتح الله كولن، المقيم في الولايات المتحدة، والذي تزعُم أنه دبّر محاولة الانقلاب التي وقعت العام الماضي.

وطلبت تركيا مرارا تسليم كولن، لكن مسؤولين أميركيين قالوا: إن المحاكم بحاجة إلى أدلة كافية كي يمكنها تسليم رجل الدين الكهل الذي ينكر قيامه بأي دور في محاولة الانقلاب.

مصادرة أملاك ضراب

وقد أمرت النيابة العامة في تركيا بمصادرة ممتلكات تاجر الذهب التركي الإيراني، رضا ضراب.

وفي تطور آخر، أصدر النائب العام في تركيا الجمعة مذكرة اعتقال بحق الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، جراهام فولر.

واتهمت النيابة فولر، نائب رئيس مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكية، بالارتباط برجل الدين التركي، فتح الله كولن.

وتتهم تركيا كولن، التي يعيش في الولايات المتحدة، بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، العام الماضي، في تركيا.

وفي يوم الجمعة، قال مكتب النائب العام التركي: إن ممتلكات ضراب وأسرته ستصادر في إطار التحقيقات ضد تاجر الذهب، حسبما ذكرت وسائل إعلام حكومية.

ونقلت وسائل الإعلام عن رئيس الوزراء التركي، بن على يلدريم، إنه يأمل في أن “يتراجع ضراب عن خطئه”.

ربما يعجبك أيضا