رغم خسائر روسيا.. لماذا تحول موقف الصين من الحرب في أوكرانيا؟

رنا أسامة

ادعى البرلمان الروسي أن زعيمًا صينيًا بارزًا أعلن دعمه صراحة للحرب في أوكرانيا لكن لم يرد الجانب الصيني ببيان رسمي على تلك الادعاءات.


بينما تتلقى القوات الروسية هزائم غير محددة الحجم في أوكرانيا، تبالغ موسكو في التشديد على دعم بكين لها في الحرب، وذلك قبيل اجتماع مرتقب هذا الأسبوع، بين رئيسي روسيا والصين.

وهربت القوات الروسية من مدينة إيزيوم الاستراتيجية، معقلها الرئيس في شمال شرقي أوكرانيا، إثر هجوم أوكراني مضاد واسع النطاق، حسب ما أعلن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، أمس الأحد 11 سبتمبر، في كلمة بمناسبة مرور 200 يوم على الحرب الروسية الأوكرانية.

أسوأ هزيمة

قالت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، في تقرير نشرته اليوم الاثنين 12 سبتمبر 2022، إن انسحاب القوات الروسية من إيزيوم، أمس الأول السبت، يمثل أسوأ هزيمة لموسكو منذ انسحابها من كييف في مارس الماضي، ويعد إيذانًا بمرحلة جديدة قد تدخلها الحرب.

واستعادت القوات الأوكرانية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي، أي أكثر مما استولت عليه القوات الروسية في جميع عملياتها منذ إبريل الماضي.

روسيا وأوكرانيا

جبهة موحدة

بالعودة إلى روسيا والصين، أشارت سي إن إن إلى أن كبار المسؤولين الروس والصينيين شكلوا جبهة موحدة، لتمهيد الطريق لعقد اجتماع بين الرئس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جين بينج، على هامش قمة إقليمية متوقعة في أوزبكستان، سيكون اجتماعهما المباشر الأول منذ بدء الحرب في 24 فبراير الماضي.

وادعى البرلمان الروسي أن زعيمًا صينيًّا بارزًا أعلن دعمه صراحة للحرب الروسية في أوكرانيا، لكن الجانب الصيني لم يرد ببيان رسمي على تلك الادعاءات، التي تتعارض مع جهود سابقة لبكين للحفاظ على حيادها الظاهري.

دعم وتفهم صيني

كبير المشرعين الصينيين لي تشان، وهو حليف وثيق لشي وثالث زعيم للحزب الشيوعي الصيني، التقى رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، ومشرعين روس آخرين في موسكو، بعد حضور منتدى اقتصادي بمدينة فلاديفوستوك شرقي البلاد، خلال يومي 8 و9 سبتمبر. وشدد لي تشان للروس على أن بكين تتفهم وتدعم موسكو في القضايا التي تمثل مصالحها الحيوية، خاصة الحرب بأوكرانيا.

وحسب بيان حول مجلس الدوما، قال تشان إن “الولايات المتحدة وحلفاءها في (حلف شمال الأطلسي) الناتو يعززون وجودهم بالقرب من الحدود الروسية، ما يهدد الأمن القومي الروسي وحياة الروس على نحو خطير… نتفهم تمامًا ضرورة اتخاذ روسيا الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها الرئيسة”. ونقل البيان عن المسؤول الصيني قوله: “نحن نقدم مساعدتنا”.

رئيس مجلس الدوما الروسي وكبير المشرعين الصيني

كبير المشرعين الصينيين، لي تشان، مع رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، في موسكو يوم 8سبتمبر

خيار مهم

في ما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، رأى المسؤول الصيني أن “الولايات المتحدة وحلفاءها وضعوا روسيا في موقف لا تحسد عليه، فاتخذت خيارًا مهمًا واستجابت بحزم”، وفق البيان الذي أوردته “سي إن إن”.

ورفضت بكين بشدة إدانة ما يسميه المجتمع الدولي غزوًا روسيًّا لأوكرانيا، أو حتى الإشارة إليه على أنه حرب. وبدلًا من ذلك، ألقت باللوم مرارًا وتكرارًا على الناتو والولايات المتحدة في الصراع.

موقف متحول ولغة مفقودة

تشير المعطيات إلى تحول في الموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا. ففي السابق، لم يعرب أي مسؤول صيني عن تأييده علنًا لضرورة شن حرب، أو يقر بأن بكين تقدم المساعدة لموسكو.

بيد أن اللغة الداعمة والقاطعة مفقودة في البيانات الصينية الرسمية، فلم تنقل النسخ الصينية عن لي تشان أي تصريحات ذات صلة بأوكرانيا على الإطلاق، واكتفت وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا” بالإشارة إلى أن المسؤول الصيني أبدى استعداد بكين لمواصلة العمل مع موسكو لدعم كلتيهما للأخرى بحزم، في القضايا المتعلقة بمصالحهما الجوهرية وشواغلهما الرئيسة.

بوتين 2

النسختان الروسية والصينية.. تناقض صارخ

ركزت وكالة “شينخوا” على انتقاد تشان للعقوبات الغربية على روسيا، ودعوته لتوسيع التعاون معها في قضايا مثل محاربة التدخل الخارجي. وفي حين أنه ليس غريبًا أن تحذف الصين مقتطفات من اجتماعات رفيعة المستوى في قراءاتها الرسمية، فإن التناقض الصارخ بين بيانات بكين وموسكو لفت انتباه خبراء.

وكتب الزميل في مشروع الطاقة الصيني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بريان هارت: “لقد ذهبت النسخة الروسية إلى أبعد مما حوته أي نسخة صينية. وإذا لم يكن ذلك متفقًا عليه من كلا الجانبين، فإن ذلك قد يثير غضب بعض المسؤولين في بكين”، وفق “سي إن إن”.

معضلة أمام بكين

برزت شراكة وثيقة بين موسكو وبكين في السنوات الأخيرة، في وقت تواجه فيه كلتاهما توترات مع الغرب. وأعلن شي وبوتين ما أسمياه “شراكة بلا حدود” قبل أسابيع من الحرب في أوكرانيا. لكن انتكاسات روسيا الأخيرة هناك قد تكون خلقت معضلة خطيرة أمام الصين، خاصة وأنها تسبق اجتماعًا حاسمًا للحزب الشيوعي الصيني، من المتوقع أن يمنح شي فترة رئاسية ثالثة، خلافًا لمعايير الولاية الرسمية.

ورأى أستاذ الشؤون العالمية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، هال براندز، حسب تغريدة عبر “تويتر”، أنه لا يمكن لبكين أن تجلس مستكينة وروسيا تتعرض للهزيمة في أوكرانيا، لأن ذلك قد يقود إلى إضعاف موسكو، وهي حليف أقل قدرة على تشتيت انتباه واشنطن.

شي جين بينج وبوتين

توتر محتمل

توقع براندز أن يلقي عدم الاستقرار السياسي المحتمل في موسكو، بظلاله على الشراكة الاستراتيجية التي استثمر فيها شي كثيرًا، بين الصين وروسيا. وأضاف: “مع تدهور موقف روسيا، سيبحث بوتين عن دعم صيني إضافي. وإذا لم تجد بكين طريقة لتقديم هذا الدعم، قد تشهد الشراكة الصينية الروسية مزيدًا من التوتر في وقت أقرب مما يتصوره عديد المحللين”.

ومن هذا المنطلق، فإن السؤال الذي يستدعي طرحه الآن، حسب “سي إن إن”، هو إلى أي مدى ترغب الصين في دعم روسيا على حساب مصالحها وأهدافها الاستراتيجية.

علاقة براجماتية

حتى الآن، لم تقدم بكين مساعدات عسكرية أو مالية مباشرة لموسكو. ويرى خبراء أن العلاقة المتنامية بين الصين وروسيا علاقة براجماتية في الأساس، قائمة على حسابات مثل التكاليف والفوائد، يمكن أن تتغير بسهولة وفي أي وقت مع تغير المصالح والديناميكيات.

وحسب هارت، لا يعني هذا الأمر أن العلاقة بين الصين وروسيا هشة، لكنها ليست دائمة بالضرورة.

ربما يعجبك أيضا