رغم الغضب الشعبي.. هل تمرر الحكومة الفرنسية إصلاحات قانون المعاشات؟

محمد النحاس

تخلل احتجاجات رفض قانون المعاشات الفرنسي، إضرابات عن العمل في عدة قطاعات، فما أسباب غضب الفرنسيين من المشروع؟ ولماذا تصر الحكومة على إقراره رغم الرفض الشعبي المتزايد؟


انطلقت، أمس السبت 11 مارس 2023، مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء فرنسا ضد خطة الحكومة لإصلاح نظام المعاشات.

ويهدف القانون الذي تسعى الحكومة لإقراره إلى رفع سن المعاش عامين، ليصح 64 عامًا بدلًا من 62، ولكن المشروع يلقى رفضًا واسع النطاق، وندد ائتلاف النقابات الفرنسية به، وحاول الحفاظ على زخم الاحتجاجات التي اندلعت نهاية يناير الماضي 2023. 

تظاهرات حاشدة رفضًا للإصلاح

بحسب وكالة أنباء رويترز، سينعقد اليوم الأحد، مجلس النواب لإجراء تصويت محتمل على “إصلاحات قانون المعاشات”، التي أثارت حالة من الغضب الشعبي على مدار الـ3 أشهر الأخيرة، وسيتزامن مع التصويت المحتمل عشرات التظاهرات في جميع أنحاء البلاد، وفقًا للتقرير الوارد 11 مارس 2023.

وخرج السبت، مئات الآلاف إلى الشوارع في استجابة لدعوة النقابات العمالية، في سابع جولة من الاحتجاجات المتواصلة منذ أشهر، وحاول ماكرون تمرير القانون للمرة الأولى نهاية 2019، ولكن وباء كورونا والإغلاق الذي تلاه أجّل المداولات بشأن التعديل، وعاد وأعلن عنها مطلع العام الحالي.

إضراب واسع النطاق

بدأت سلسلة الاحتجاجات هذا العام بعد إعلان الحكومة مساعيها لتمرير المشروع، وشهدت البلاد إضراب عمال العديد من القطاعات الحيوية.

اقرأ أيضًا: عطل مرتقب بحركة النقل العام في فرنسا غدًا

اقرأ أيضًا: إضراب عام في فرنسا

وتوقعت مصادر في الشرطة أن يشارك في الاحتجاجات نحو 800 ألف متظاهر، وفقًا للتقديرات الأولية، بحسب موقع شبكة قنوات فرانس 24 الإخبارية.

إصرار حكومي وغضب شعبي

من المتوقع أن تنطلق اليوم الأحد 200 مظاهرة في جميع أنحاء البلاد، رفضًا لمشروع القانون، وتتواصل هذه الاحتجاجات والإضرابات منذ 3 أشهر، أي منذ إعلان الحكومة عزمها تمرير إصلاحات قانون المعاش.

وتقول الحكومة إن الإصلاحات ضرورية لإنقاذ برنامج المعاشات، وترى قطاعات واسعة من الفرنسيين، وفق تقديرات استطلاعات الرأي أن إصلاحات قانون المعاشات المزمع تنفيذها غير عادلة، خاصةً للنساء وللعاملين بالمهن الشاقة، وأصحاب الدخل المتواضع، وأولئك الذين بدؤوا العمل في سن مبكرة.

أعلى نسبة مشاركة في الاحتجاجات

الأسبوع الماضي، نزل 1.28 مليون شخص إلى الشوارع يوم الثلاثاء، وهي أعلى نسبة مشاركة منذ حركة الاحتجاج التي انطلقت مننصف يناير، وقدر ائتلاف النقابات إجمالي عدد المشاركين بنحو 3.5 مليون مشارك، وفقًا لتقرير وكالة أنباء رويترز.

وأثرت الإضرابات والمظاهرات في عمل العديد من الهيئات الوطنية من بينها قطاع السكة الحديد، وقطاعات نفطية، ونقلت رويترز عن وسائل إعلام محلية أن الشوارع مليئة بالمخلفات والقمامة نتيجة إضراب عمال القطاعات الخدمية. 

إضراب عمال مصافي النفط والغاز

في غضون ذلك، يتواصل إضراب عمال المصافي النفطية ليدخل يومه الرابع، ما أثر في القطاع الحيوي بجميع أنحاء البلاد، وتعدى الإضراب واسع النطاق، إلى قطاعات مثل النقل والتعليم، والقطاعات الصحية.

ويتواصل إضراب عمال مصافي الغاز، ما نتج عنه انقطاع للتيار الكهربائي في أكثر من منطقة على مدار الأسبوع الماضي، بحسب فرانس 24.

خيار حتمي بالنسبة للحكومة

من المتوقع أن تجري مظاهرات أخرى منتصف الشهر الحالي للمطالبة بوقف مشروع القانون، والذي تقول الحكومة إنه غير قابل للتفاوض وسيُنفذ عاجلًا أم آجلًا، وترى أن البلاد أمام خيارين لا ثالث لهما، إما “إقرار الإصلاحات وإما الإفلاس”، وذلك وفقًا لإعلان وزير العمل والحسابات العامة، جيرالد موسى دارمانان. 

وتوعد المحتجون على مدار الأيام الماضية، بشل أركان الاقتصاد الفرنسي، وذلك حتى تنفيذ مطالبهم وإلغاء مشروع الإصلاحات، وتخلل المظاهرات خلال الأيام الماضية، أعمال شغب وعنف، واشتباكات مع قوات الأمن، ما يلقي بظلاله على حراك “السترات الصفراء”، في ظل مخاوف بأن تأخذ الاحتجاجات مسارًا مشابهًا. 

محاولات الشرطة لوقف الاحتجاجات

 على مدار تظاهرات الأسبوع الماضي، ردت الشرطة باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، وخراطيم المياه، في محاولة لتفريق المحتجين الغاضبين، وهي المحاولات التي باءت بالفشل، فيشدد المحتجون على عزمهم المضي قدمًا حتى إلغاء قانون إصلاحات المعاشات الجديد.

ويعد هذا الأسبوع هو الجولة السابعة من الاحتجاجات التي اندلعت في 19 يناير 2023 ضد الإصلاح الذي تسعى إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون لتمريره.

تصويت المجالس التشريعية على الإصلاح

في غضون ذلك تعوّل الحكومة على إقرار مجلس الشيوخ للإصلاحات غدًا الأحد، وتراهن أيضًا على تصويت آخر في مجلسي التشريع الفرنسيين بحلول 16 مارس الحالي.

وترى باريس ضرورة رفع سن التقاعد إلى 64 عامًا نتيجة ارتفاع متوسط أعمار الفرنسيين، وبالتالي زيادة السنوات التي يتلقى فيها المتقاعدون أموال المعاشات، ما أصبح عبئًا على الحكومة الفرنسية.

لمحة تاريخية على قانون إصلاح المعاشات

يعد قانون نظام المعاشات الحالي، أحد أبرز القوانين التي تلقى شعبية واسعة النطاق، وكانت أول محاولة لتعديل هذا النظام في تسعينات القرن الماضي، في عهد الرئيس الفنرسي الأسبق جاك شيراك، وباءت المحاولة، بالفشل نتيجة المظاهرات والإضرابات التي اندلعت آنذاك.

ولم تقترب الحكومة منذ ذلك الحين من التشريع، ولكن في عام 2010 في عهد الرئيس الأسبق نيكولاي ساركاوزي رفعت الحكومة سن التقاعد من 60 إلى 62 عامًا (وهو الحد المقرر حاليًّا).

وتلا ذلك التعديل مظاهرات حاشدة لم تغير من موقف الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، ولكنها كانت أحد الأسباب التي كلفته خسارة المنصب في انتخابات 2012. 

الأعلى أوروبيًّا

تعد سن التقاعد في فرنسا هي الأقل إذا ما قارناها بالدول الأوروبية الأخرى، ففي إيطاليا تبلغ سن التقاعد 67 عامًا، وفي المملكة المتحدة تبلغ 66 عامًا، وسعت عدة دول أوروبية أخرى لرفع سن التقاعد بحلول عامين 2025، و2027.

ومن بين الدول التي سعت لرفع سن التقاعد، إسبانيا وبلجيكا، خاصةً مع ارتفاع متوسط أعمار المواطن الأوروبي، وانخفاض السنوات التي يقضيها قيد العمل، ما يعني مزيدًا من التكلفة على الحكومات عامة، وعلى دافعي الضرائب، وعلى الأجيال الأقل سنًّا وهي الحجة التي طالما أوردتها الحكومة الفرنسية لإظهار أنه لا مناص من اتخاذ هذا القرار.

خسائر سنوية تتكبدها الحكومة

بحسب تقديرات مجلس التقاعد، فإنه منذ عام 2023 ستكبد صناديق التقاعد خسائر سنوية تقدر بـ10 مليارات يورو سنويًّا، وستظل هذه النسبة حتى عام 2032 في البلد البالغ إجمالي دينه 113% من إجمالي الناتج المحلي، ويكلف نظام المعاشات التقاعدي الحكومة سنويًّا 14 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وتقول الحكومة إن إقرار الإصلاحات سيوفر 17.7 مليون يورو سنويًّا. وما يعقد الموقف برمته هو الإصرار الحكومي من جهة، يقابله إصرار مماثل لدى ائتلاف النقابات العمالية، ومن خلفه ملايين المواطنيين في فرنسا، فضلًا عن التوقيت الذي تأتي فيه، فالقارة الأوروبية تعاني إثر التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية. 

اقرأ أيضًا: تجدد الاحتجاجات في فرنسا ضد إصلاح نظام التقاعد

ربما يعجبك أيضا