رفض أمريكي وتخوف إسرائيلي .. تأجيل مشروع استيطاني كبير بالقدس الشرقية

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

أعلنت لجنة التخطيط والبناء في إسرائيل تأجيل البدء في بناء 9000 وحدة سكنية جديدة في منطقة عطاروت بالقدس الشرقية، كان من المقرر أن تكون مشروعا سكنيا لليهود الحريديم على أرض مطار عطاروت المهجور.

تقدمت اللجنة بمشروع البناء الشهر الماضي، مما أثار ردود أفعال رافضة من الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، وبررت “لجنة تخطيط لواء القدس” تأجيل المشروع الاستيطاني الجديد بحاجته إلى مزيد من المسح لتحديد الآثار البيئية، وهي عملية تحتاج وقتا أطول، مما دفعا لتأجيل البناء، بعد أن كانت اللجنة على بعد خطوة من الحصول على الموافقة النهائية على وضع حجر الأساس للمشروع الاستيطاني.

image 14

من الإدارة الأردنية إلى الاحتلال الإسرائيلي

ليست خطة البناء في عطاروت جديدة، ولكن إسرائيل تجهز لها منذ سنوات، وتم تجميدها سابقا بسبب الرفض الدولي من الولايات المتحدة ودول أوربية، لأن إسرائيل تصر على توسيع مساحة البناء الاستيطاني بالقدس الشرقية، التي تقطنها غالبية فلسطينية، كما أنها تعتبر عاصمة الدولة الفلسطينية، في حين ترفض إسرائيل الاعتراف بالسيادة الفلسطينية على القدس الشرقية، وتدفع لاعتبار القدس بأكملها عاصمة لها “غير قابلة للتقسيم”.

من المعروف أن إسرائيل استولت على منطقة القدس الشرقية عام 1967 من الأردن، وأعلنت رسميا ضمها لسيطرتها عام 1980، وفي المقابل يرفض الفلسطينيون والمجتمع الدولي تحركات إسرائيل لضم المناطق الفلسطينية والأحياء المتنازع عليها بالقدس فيما وراء الخط الأخضر، الذي يفصل بين الأراضي التي احتلها اليهود الصهاينة عام 1948، والأراضي التي احتلها إسرائيل عام 1967.

image 15

توقف “لأسباب بيئية”

المشروع الاستيطاني الجديد يقوم على أرض مطار عطاروت القديم المهجور، ومن شأنه أن يوسع حدود القدس، والمناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، بالاستيلاء على أراضي القرية الفلسطينية، بسبب الرفض الأمريكي، والمعارضة داخل الائتلاف الحكومي؛ قررت لجنة التخطيط والبناء عدم التصديق على خطة إنشاء المجمع الاستيطاني الجديد، بحجة أنه على وزارة البيئة “أن تقوم بمسح” أولا.

بعد إعلان “تأجيل البناء” زعمت لجنة البناء والتخطيط أن توقف العمل بالمشروع يأتي لإتاحة الوقت “لمراجعة وثائق الخطة والاستماع إلى ممثلي مقدمي الخطة وتوصيات اللجنة المحلية، خصوصا مع التوصية بالتروي قبل البناء”، لأن أرض مطار عطاروت اعتبرت من “محميات الأراضي” ومن المهم عدم استغلالها الآن في مشاريع بناء، قبل تقييم الأثر البيئي، لأن الحي الاستيطاني الجديد سيكون قريبا من منطقة عطاروت الصناعية، التي يمكن أن تؤثر مصانعها سلبا على السكان الإسرائيليين في الجوار، لأن هذه المنطقة قد أصبحت بعد انتهاء أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية إلى مركزا صناعيا هو الأكبر في القدس، يضم نحو 160 مصنعا، منها مصانع تدوير نفايات وتكرير المياه، ومصانع للزجاج ومواد البناء ومواد كيماوية.

لكن هذه المخاوف البيئية لا تؤخذ في الحسبان عادة من قبل الحكومة الإسرائيلية عند تدشين البناء الاستيطاني على أراضي فلسطينية، ولذلك من المؤكد أن الإعلان المفاجئ بوقف خطة البناء يأتي بعد الاستياء الأمريكي الشديد من الإعلان الإسرائيلي عن المستوطنة الجديدة في عطاروت، التي من شأنها أن تفصل بين البلدات الفلسطينية، وتقطع جزءا آخر من الأراضي لصالح توسيع الاستيطان.

image 16

رفض أمريكي وتخوف إسرائيلي

بعد الموافقة على الخطة الأسبوع الماضي ، أرسل مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينط رسائل إلى الولايات المتحدة تفيد بأن الخطة ستتوقف، لكن يبدو أن إدارة جو بايدن قد أبدت غضبها من الترويج الإسرائيلي لخطة البناء في هذا التوقيت، ودعا وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في محادثة مع بينط إلى التوقف عن الترويج لهذه الخطة الاستيطانية، وشدد على “تجنب تعزيز البناء الاستيطاني، لتجنب مزيد من التوتر”.

على جانب آخر قرر السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل، توماس نايدز، تقديم أوراق اعتماده لرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتزوج في توقيت مخالف لمراسم الموافقة على خطط البناء الاستيطاني الجديد تجنبا لإحراج الإدارة الأمريكية التي أبدت استيائها على مشروع البناء.

بجانب الرفض الأمريكي؛ فإن أعضاء اللجنة قد أبدوا تخوفهم من بناء حي يهودي استيطاني على بعد أقل من 50 مترا من الجدار الفاصل في الضفة الغربية، حيث يقع على الجانب الآخر قرية كفر عقب ومخيم قلنديا للاجئين في القدس الشرقية، أي أن التراجع الإسرائيلي “المؤقت” يأتي لمبرر سياسي وأمني في الأساس، وليس مبرر بيئي.

image 17

انقسام داخل الائتلاف الحكومي

فيم أشار وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لابيد إلى أن “سياسة الحكومة تتمثل في التعامل مع مسألة البناء كما تتعامل مع أي موضوع آخر، بإجماع القرارات”، وقال لابيد إن الحكومة “ستضع سياسة لمنطقة عطاروت لن تؤدي إلى أزمة دبلوماسية”، وشدد وزير المالية أفيجادور ليبرمان على أن عطاروت “جزء لا يتجزأ من منطقة بلدية القدس، والإدارة الأمريكية تدرك أن كل شيء يتم وفقا للقانون، ولا يجب أن يتدخل المستوى السياسي في مثل هذا الإجراء”، وكان كل من زئيف إلكين وزير الإسكان، وأييلت شاقيد وزيرة الداخلية قد دفعا للمصادقة على خطة البناء الشهر الماضي.

أما وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، عن حزب ميرتس اليساري، فقد عارض المشروع الاستيطاني الجديد، وعرض بدلا منه مخطط لتأهيل منطقة مطار عطاروت لتكون مشروعا “إسرائيليا فلسطينيا مشتركا”، يتمثل في بناء مطار جديد بدلا من المطار المهجور، يخدم منطقة القدس، بمن فيها من 3 مليون فلسطيني، وأعلنت وزيرة المواصلات ميراف ميخائلي، رئيسة حزب هاعفودا، تأييدها لخطة عيساوي فريج، بدلا من خطة بناء وحدات استيطانية لليهود الحريديم، الذين يضغطون بشدة لتوسيع البقع الاستيطانية بالقدس الشرقية، بحجة الازدحام الشديد وصعوبة السكن.

ربما يعجبك أيضا