رمال غزة تبتلع الاحتلال.. هل خسرت إسرائيل الحرب؟

الفصائل الفلسطينية لا زالت بخير وإسرائيل تغرق في مستنقع غزة

محمد النحاس
فيديو| بسبب هجوم حماس.. أمراض نفسية غير مسبوقة تهز المجتمع الإسرائيلي

يومًا بعد آخر يتضح أن مغامرة نتنياهو في غزة، لم تكن محسوبة العواقب، وأن الأهداف التي حددها كانت بمعزل عن الواقع، وأنها وفق المعايير العسكرية، ومعطيات الميدان، غير قابلة للتحقق


بعد أشهر من الحرب المدمرة على قطاع غزة، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أيًّا من أهدافها.

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن تدفع حماس ثمن هجوم الـ 7 من أكتوبر، وبالقضاء على الحركة، وتحرير الرهائن، وفي حين زعم مسؤولي الحكومة الإسرائيلية أن الضغط العسكري هو السبيل الأمثل لإعادة المختطفين، أدت هذه الاستراتيجية لمقتل بعضهم ولم يُطلق سراح أيًّا منهم سوى عبر التفاوض.

نصر غير ممكن

مرارًا وتكرارًا، ردد الجيش سردية مفادها أنه فكك جميع كتائب المقاتلين الفلسطينيين في كافة أرجاء غزة، ولم يتبق من 24 كتيبة تابعة لحماس سوى 4 في رفح، وأن المدينة الجنوبيّة باتت معقلاً رئيسًا للحركة، بحسب “الجارديان” اليوم الاثنين 3 يونيو 2024.

ورغم أن القوات الإسرائيلية شرعت في اجتياح رفح، إلا أن القتال عاد ليتجدد في عدة مناطق من شمال القطاع، وبعضها دخلها الجيش الإسرائيلي عند بدأ عمليته البريّة قبل أشهر، وقال إنه قضي بالفعل على كتائب مقاتلي حماس بها.

هذه المعطيات، ترجح سقوط الجيش الإسرائيلي في مستنقع حرب طويلة الأمد، وعسكريًّا من المعروف أن الحروب في المدن أو المناطق الحضرية هي أكثر أنواع المعارك صعوبة، وأعصاها على تحقيق النصر الكامل، حيث يتحوّل الصراع إلى تمرد طويل الأمد، وحرب استنزاف يتكبد فيها الجيش النظامي خسائر كبيرة ولا يحقق أهداف ذات قيمة من الناحية العسكرية، في حين تتمكن قوّة التمرد من البقاء والتكيف مع الواقع الجديد.

عودة القتال لشمال غزة

في جباليا شمال القطاع، عاد -الشهر الماضي- القتال ليدور رحاه في أرجاء المخيم، في قتال وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه “الأعنف” حتى الآن منذ بدء الحرب.

وفي المقابل تحدث المقاتلون الفلسطينيون عن عملية أوقعوا فيها جنود الجيش الإسرائيلي بين “أسير وقتيل وجريح” وبثوا مشاهد لما بدا أنه جندي جريح أو قتيل وقد جرى أسره، وبعد أيام عادوا نشروا صورة لجندي قتيل وليس من الواضح إذا ما كان نفس الجندي، وبعد مرور أسبوعين على دخوله المخيم انسحب الجيش الإسرائيلي مرةً أخرى، وكما حدث في جباليا تكرر نفس السيناريو في حي الزيتون.

وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إيال هولاتا، الشهر الماضي: “حماس تسيطر على كل تلك المناطق (في إشارة لشمال القطاع الذي استمر فيه القتال لأشهر)”.

فشل في مكافحة التمرد

من جانبه نقل كاتب عمود صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، ومؤلف كتاب عن تاريخ حرب العصابات، ماكس بوت، أن أحد المسؤولين الأمريكيين أخبره بأن الإسرائيليين يظهرون في قتالهم في غزة “يظهرون بأنهم لا يقمون بمكافحة التمرد” (وعادةً ما يشار إلى قتال المدن بين جيش نظامي وحركة مسلحة بـ “مكافحة التمرد”).

كان تقرير مفصل لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد نقل عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين قولهم إن الأنفاق في غزة ستسمح لحماس بالبقاء وإعادة تشكيل نفسها عند توقف القتال.

عودة الإدارة المدنية

عودة حماس لا تقتصر على المقاتلين، فقد تحدثت صحيفة الجارديان البريطانية مع العديد من سكان المناطق الشمالية، وقد أفادوا بعودة مسؤولين مدنيين في الحركة لتلك المناطق، بالإضافة إلى قوات شرطيّة، بهدف إرساء الأمن وضبط الأسعار، فيما يبدو جهدًا متصلاً لتيسير جوانب الحياة المدنية.

وتنقل الصحيفة البريطانية عن مايكل ميلستين، من مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، قوله “هذا ليس نوعًا من حكومة الظل.. هناك سلطة واحدة مهيمنة وبارزة في غزة وهي حماس” وأن “قادة حماس يستمون بالمرونة وقد تكيفوا مع الوضع الجديد”.

تجنيد مقاتلين جدد

قال ميلشتين: “تقييمي هو أن حماس لا تزال تمتلك الكثير من الأسلحة.. يمكنك أن تأخذ شاباً يبلغ من العمر 16 أو 17 عاماً وتعطيه بندقية أو قذيفة صاروخية ويكون هناك مقاتل جديد”، وتحدثت تقاير غربية عن تجنيد حماس لآلاف الشباب منذ بدء الحرب.

ويرجح أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، مخيمر أبو سعدة، أن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين سيحفز عمليات التجنيد الجديدة التي تجريها حماس.

وأردف أبو سعدة مستدركًا: “هناك اعتقاد واسع النطاق بأن إسرائيل ليست في حالة حرب مع حماس، بل مع الشعب الفلسطيني”، وفي حين لفت إلى أن حماس لن تدعي النصر بعد كل هذا العدد من الضحايا ومقدار الدمار، إلا أنها “لن تستلم” فمصطلح “الاستسلام” ليس في مصطلح الحركة، وفق أستاذ العلوم السياسية والذي نقلت عنه الجارديان.

قدرات حماس

لا تعلن حماس عن عدد قتلاها في غزة، بطبيعة الحال، في حين تبالغ إسرائيل في تقديراتها، من جانبها فإن الاستخباراتية الأمريكية ترجح أن إسرائيل لم تتمكن من القضاء إلا على حوالي 30% : 50 & من مقاتلي حماس منذ الـ 7 من أكتوبر، وأن 65 % من الأنفاق لا زالت سليمة.

علاوةً على ذلك، لا زال بإمكان الفصائل الفلسطينية المسلحة إطلاق الصواريخ تجاه العمق الإسرائيلي، وليس فقط تجاه مستوطنات غلاف غزة، وفي مايو تمكن الفلسطينيون من إطلاق وابل من الصواريخ تجاه تل أبيب.

المفاجأة أنّ هذا الاستهداف جاء من رفح بعد نحو 20 يومًا من بدء اجتياح رفح في 6 مايو، وعلى بعد مئات الأمتار من الجانب الفلسطيني من معبر رفح والذي تسيطر عليه قوات إسرائيلية.

ضربة مدويّة

منذ بدء اجتياح رفح وحتى نهاية مايو، تمكن مقاتلو حماس من قتل ما يزيد عن 40 ضابطًا وجنديًّا إسرائيليًّا، وتدمير 190 منزلاً تحصن به جنود الجيش الإسرائيلي، وتدمير -جزأي أو كلي- لأكثر من 95 دبابة ميركافا و25 جرافة، و17 ناقلة جند وذلك في المدينة الوقعة جنوبي القطاع فقط.

وحذر عدد من المسؤولين الأميركيين إسرائيل مؤخراً من أن السماح بنشوء فراغ أمني في أجزاء من غزة يعد خطأ استراتيجياً فادحاً، ويسمح في المقابل بعودة حماس.

وتنقل الصحيفة البريطانية، عن مصادر مقربة من حماس، أن يحيى السنوار، زعيم الحركة في غزة، يعتقد أن الأزمة الإنسانية في القطاع والغضب الدولي المتزايد تجاه إسرائيل يعززان موقف حماس في المفاوضات.

وبحسب الجارديان، فإن الصعوبات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في تحقيق نصر حاسم قد تثني حماس عن الموافقة على اتفاق سلام جديد قدمه جو بايدن يوم الجمعة.

ربما يعجبك أيضا