روسيا تستفيد من التوغل الأوكراني في كورسك.. كيف ذلك؟

محمد النحاس
زيلينسكي وبوتين والتوغل الأوكراني في كورسك

التوغل الأوكراني في روسيا لن يكون مفيدًا لكييف، بل على العكس، قد يؤدي إلى تقويض الموقف الأوكراني ليس فقط في ميدان المعركة بل كذلك من الناحية الاستراتيجية بعيدة المدى


هل ينبغي للأمريكيين أن يعتبروا توغل أوكرانيا المُفاجئ في منطقة كورسك الروسية نقطة تحول بالحرب قد تمنح كييف ميزات إضافية في أي مفاوضات مُحتملة مستقبلًا؟ أو أن الأمر يمثل “انتصارًا حاسمًا”؟

قد يبدو من المغرّي الاعتقاد بأن الجيش الأوكراني يمكنه أن يطمح إلى أكثر من مجرد كسر حالة الجمود، لكن هناك القليل من الدلائل بشأن هجوم كورسك تبرر مثل هذه الآمال الواسعة بحسب تحليل لمجلة “ريسنسبول ستيت كرافت” الأمريكية، نشرته الثلاثاء 20 أغسطس 2024.

هل تغيّرت المُعادلة؟

هجوم القوات الأوكرانية بدا وكأنه فاجئ الكرملين، وقد أدى بسرعة إلى السيطرة على حوالي 30 قرية، وإجبار نحو 200 ألف مواطن روسي على الإخلاء.

هذا النجاح الأوّلي أثار موجة كبيرة من التوقعات المتفائلة لدى وسائل الإعلام الغربية، وأظهر ذلك للأوكرانيين الذين يشعرون بالإحباط بشكل متزايد أن قواتهم المثقلة بالضغوط لا تزال قادرة على المبادرة في ساحة المعركة، وفق المجلة.

لكن لتحويل مسار الحرب، يجب أن يؤدي تحرّك أوكرانيا إما إلى توجيه أعداد كبيرة من القوات الروسية بعيدًا عن القتال في أوكرانيا نفسها، أو الاستيلاء على أصول استراتيجية داخل روسيا أو تدميرها، أو الاحتفاظ بأراضٍ على المدى الطويل لكي تصبح ورقة تفاوضية في إنهاء النزاع، ولا يبدو أن أيًا من هذه السيناريوهات محتمل، كما يرى التحليل.

رد الفعل الروسي

لم يحرك الجيش الروسي أعدادًا كبيرة من القوات إلى كورسك من الجبهات الرئيسة في دونباس وزابورييجيا وخاركيف.

وبدلًا من ذلك، اعتمد على عدد كبير من القوات الاحتياطية التي احتفظ بها بعيدًا عن أوكرانيا، إلى جانب الضربات الجوية على الدبابات الأوكرانية وتركيزات القوات ومستودعات الوقود وخطوط الإمداد، ما قوّض إرسال كييف قواتها من الجبهة الشرقية لأوكرانيا إلى الساحة الروسية.

ولتوفير الحماية اللازمة للتوغل، نقلت أوكرانيا أصول الدفاع الجوي تجاه الحدود مع روسيا، غيّر أن هذا عرَّض مواقعها الحيوية لضربات روسية مدمرة.

شكوك بشأن قدرة أوكرانيا

نتيجةً لذلك، تباطئ التقدم الأوكراني السريع بشكل كبير، ما أثار شكوكًا عميقة بشأن قدرة أوكرانيا على الاحتفاظ بالأراضي التي تم الاستيلاء عليها لفترة طويلة.

إذا كان التوغل في كورسك يهدف إلى إحراج بوتين وزيادة الضغط السياسي داخل روسيا لإنهاء الحرب، فإن هذا يبدو أيضًا غير مُحتمل.

الانتكاسات الروسية السابقة في ساحة المعركة، مثل الانسحاب القسري من كييف وخيرسون وخاركيف، لم يكن لها تأثير يذكر على أرقام استطلاعات بوتين، وربما خرج بوتين أقوى بعد قضاءه على تمرد قوات فاجنر في 2023.

الروس يستغلون الهجوم

تشير التغطية التلفزيونية الروسية للتوغل إلى أن الكرملين واثق من قدرته على صد التوغل واستغلاله، وفي البداية، ركزت التغطية على الجهود الإنسانية لدعم وإعادة توطين المدنيين المتضررين، ثم في الأيام الأخيرة، ركزت على الهجمات المضادة الروسية الناجحة ضد قوات أوكرانيا وخطوط إمدادها.

يمكن أن تثير الصور للدبابات المقدمة من بريطانيا وألمانيا وهي تتقدم إلى كورسك، حيث خاض الجيش الأحمر السوفيتي أكبر معركة دبابات في التاريخ ضد الغزاة النازيين، مشاعر وطنية في روسيا وتعزز حجج بوتين بأن الناتو ينظم ويدعم الهجمات الأوكرانية.

في الواقع، بدلًا من خلق ضغوط داخل روسيا لإنهاء الحرب، قد يعزز تحرك أوكرانيا في كورسك موقف “الصقور الروس” الذين اشتكوا منذ فترة طويلة من أن بوتين كان مترددًا في تعبئة واستخدام القدرات العسكرية الروسية الكاملة في أوكرانيا، ويمكن أن يقنع انتقادهم، إلى جانب الثغرات التي خلقها تحويل أوكرانيا لأكثر قواتها فعالية إلى كورسك، بوتين أخيرًا بالتخلي عن استراتيجيته الاستنزاف البطيء لصالح متابعة اختراق حاسم لدفاعات أوكرانيا.

لن يتغيّر مسار الحرب

إذا كان البيت الأبيض محقًا في أن أوكرانيا شنت الهجمات على كورسك دون دعم أمريكي، سيعزز ذلك موقف بعض المتشككين في أروقة واشنطن من دعم أوكرانيا، وقد يضفي ذلك شيئا من المصداقية على طرحهم أنه من غير الحكمة تزويد نظام زيلينسكي “المتهوّر” بأسلحة بعيدة المدى، حسب المقال.

إجمالًا أظهر التوغل في كورسك أن أوكرانيا لا تزال قادرة على الاستحواذ على عناوين الأخبار، لكن السيطرة على مساحات شاسعة كالتي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، وبالتالي تغيير مسار الحرب هو أمر يتجاوز إمكانات كييف.

ربما يعجبك أيضا