«ريسبونسيبل ستيتكرافت»: نظام إقليمي جديد يتشكل في شرق آسيا

رنا أسامة

تعاود اليابان الظهور كقوة سياسية وعسكرية في شمال شرق آسيا، في وقت تخلت فيه كوريا الشمالية عن تطلعاتها السابقة لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة.


أبرز الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد، تشاس فريمان، ملامح نظام شرق آسيوي جديد، قال إنه من المحتمل تشكيله بدعم أمريكي صيني.

وفي تقرير نشره موقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت“، يوم الخميس 29 ديسمبر 2022، انتقد فريمان الفرضية القائلة إن سحب الولايات المتحدة التزامها بالتفوق عسكريًّا في شرق آسيا، أو تراجعها عن دعم تايوان، يمنح الصين الفرصة لبسط نفوذها بالمنطقة.

قوة آسيوية ورادع نووي

أوضح فريمان أن الفرضية المذكورة سابقًا تتجاهل “القومية” بمجتمعات شمال وجنوب شرق آسيا، مشيرًا إلى أنه من دون دعم أمريكي صريح، تعاود اليابان، إحدى أكبر الاقتصادات بالعالم، الظهور كقوة سياسية وعسكرية في شمال شرق آسيا.

وفي وقت تخلت فيه كوريا الشمالية عن تطلعاتها السابقة لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة، بغية إبقاء الصين في مأزق، وتعمل على إنجاز رادع نووي عابر للمحيطات، موجه ضد أمريكا، تدرس جارتها الجنوبية، التي تمتلك سابع أكبر قوة مسلحة بالعالم، بجدية إكمال المظلة النووية الأمريكية بأسلحتها النووية، وفق ما ذكره التقرير.

مشورة نموذجية

في جنوب شرق آسيا، أشار التقرير إلى أن سنغافورة المزدهرة والمستقرة، ذات العقلية الاستراتيجية، تقدم مشورة نموذجية إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بشأن العلاقات مع القوى العظمى بالعالم.

وبينما تحرص إندونيسيا وماليزيا وفيتنام على الحفاظ على علاقات مقبولة بصفة متبادلة مع الصين، تقاوم الولايات المتحدة ما تراه “تعديًا صينيًّا” على مصالحها الاقتصادية، وتكافح مطالبة بكين بالسيادة في بحر الصين الجنوبي.

توازن القوى

عادت تايلاند إلى استراتيجيتها الناجحة تاريخيًّا للموازنة بمرونة بين المهيمنين المحتملين، بكين وواشنطن، في حين تبحث الفلبين عن آلية تعاون مع الصين تمكنها من تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. وتحولت كمبوديا ولاوس إلى الصين لتعويض هيمنة تايلاند أو فيتنام.

ووفق التقرير، فإن أي نظام مستقر قائم على توازن القوى، المدعوم أمريكيًّا، بين دول المنطقة، من شأنه أن يلقى ترحيبًا من دول شرق آسيا، بدلًا من المواجهة بين واشنطن وبكين. ولا يتطلب تحقيق توازن بين القوى سحق قوة عظمى منافسة، إنما القدرة على التحقق من إجراءاتها غير المرغوب فيها أو منعها.

نظام إقليمي فاعل

بالتعاون مع الولايات المتحدة، الأقل هيمنة ولكنها لا تزال قوية على نحو مثير للإعجاب، أضحت دول المحيطين الهندي والهادئ (الهندوباسيفيك) غنية وقوية بما يكفي، لتوفير الأساس لنظام فاعل يحكم الضوابط والتوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية الإقليمية، من وجهة نظر تشاس فريمان.

ومن شأن هذا النظام أن يمنع استبدال الصين بالولايات المتحدة على المسرح العالمي، ويجنب التحديات التي تواجه المصالح الوطنية لبكين وجيرانها وواشنطن، ويحافظ على السلام والاستقرار بالمنطقة، وفق الدبلوماسي الأمريكي السابق.

بايدن وشي

5 شروط

حدد الكاتب 5 شروط يتعين على الولايات المتحدة تحقيقها بغية تشكيل هذا النظام الإقليمي، أولاها بناء سياساتها على أساس المصالح لا الأيديولوجية، وثانيها تقبل فكرة أن تفوقها في آسيا بعد الحرب العالمية لم يعد ملحًا أو ميسور التكلفة.

وثالث الشروط، وفق فريمان، هو المشاركة في تجمعات اقتصادية إقليمية، تتمتع فيها الصين بموقف التكافؤ أو القيادة، مثل البنك الآسيوي لتطوير البنية التحتية، إلى جانب تحميل شركائها الإقليميين مسؤولية دفاعهم الاستراتيجي، وأخيرًا تعزيز تنمية قدرات هؤلاء الشركاء اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، بدلًا من التركيز على السيادة الأمريكية.

ما ملامح النظام الجديد؟

تحت مظلة هذا النظام، أوضح التقرير أن عودة اليابان كقوة سياسية وعسكرية واقتصادية كبرى ستحظى بقبول صيني وأمريكي، متوقعًا أن توزان طوكيو بين علاقتها الخاصة مع واشنطن، وارتباطاتها الدفاعية المستقلة مع دول أخرى بـ”الهندوباسيفيك”، مثل أستراليا والهند وإندونيسيا والفلبين وتايلاند وفيتنام.

وفي ما يخص أزمة تايوان، ستعيد واشنطن تأكيد “الاهتمام بتسوية سلمية”، داعية إلى التفاوض بين تايبيه وبكين لتحقيق هذا الهدف. وفي كوريا، قد تحل معاهدة سلاح محل الهدنة، على أن تقر الولايات المتحدة بجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وتنهي مخاوف بيونج يانج بشأن هجوم أمريكي لتغيير نظامها.

حواجز عزل مستقلة

يوفر ذلك النظام، من وجهة نظر فريمان، فرصة للكوريتين لتأكيد استقلالهما الاستراتيجي الجيوسياسي، وتحقيق التوازن المتبادل، واستئناف أدوارهما التقليدية في شبه الجزيرة الكورية، كحواجز عزل مستقلة بين الصين واليابان.

ويمنح كذلك المشاركون في عملية إعادة التوازن بين الهند والمحيط الهادئ، دول “آسيان” مزيدًا من الحرية، إلى جانب تمكينها من الاعتماد على الهند وقوى خارجية، مثل الصين واليابان وروسيا والولايات المتحدة ودول أوروبية، وذلك من أجل مواجهة التنافس بين القوى العظمى بجنوب شرق آسيا.

أجندة صعبة

علاوة على ذلك، من المحتمل أن تدعم الولايات المتحدة تطوير اتحادات إقليمية، وإيجاد آليات تدعم حلول تفاوضية لنزاعات إقليمية، فضلًا عن إدارة قضايا مماثلة لتلك الموجودة في بحر الصين الجنوبي والشرقي، بدلًا من الانحياز إلى جانب واحد بهذه النزاعات.

وبالرغم من أن أجندة هذا النظام قد تكون صعبة دبلوماسيًا، وحتى أقرب إلى المثالية، لن يكون تحقيقها سهلًا، كما يرى التقرير.

مناخ أكثر أمانًا

قال التقرير إن منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحاجة إلى ميزان قوى مدعوم أمريكيًّا وصينيًّا، يوظف القدرات المتزايدة للدول المستقلة بالمنطقة، لمواجهة تحركات أي قوة عظمى لإخضاعها. ومن شأن هذا التوازن الحفاظ على المصالح الأمريكية في آسيا.

ويصب ذلك التوازن في صالح بكين، بتجنيب الدول المجاورة من الانضمام إلى واشنطن في مواجهتها، وتطوير علاقات المنفعة المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، بما يفتح آفاقًا جديدة تسهم في حل أزمة تايوان سلميًّا، فضلًا عن توفير مناخ سياسي واقتصادي وعسكري أكثر أمانًا.

مسارات معاكسة

رجح التقرير أن تعاود اليابان الظهور كقوة عظمى مستقلة عاجلًا أم آجلًا، سواء بتدخل من الولايات المتحدة أو من دونه، في حين ستحل أزمة تايوان بطريقة أو بأخرى. وكذلك توقع أن يفاقم جنون الارتياب في كوريا الديمقراطية عداءها لأمريكا.

وفي الوقت ذاته، ستقيم دول “آسيان” علاقات خاصة مع الصين، وسط مساع آسيوية مدفوعة بمخاوف أمنية للحصول على دعم لاستقلالها عن بعضها البعض، وكذلك عن قوى خارجية، مع تفاقم نزاعات إقليمية إلى حد إصباغها بصبغة مسلحة، وقد تفضي “الحكمة الرشيدة” إلى مسارات معاكسة.

لا للغطرسة والمواجهة العسكرية

رأى التقرير أن الوقت حان لاستبدال الواقعية بالغطرسة، في السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة بآسيا، وكذلك استبدال الدبلوماسية والنهج الاستراتيجي وفن الحكم الرشيد بالمواجهات العسكرية.

وأضاف: “حان الوقت أيضًا للتخلي عن النزعة الأبوية في علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وأصدقائها الآسيويين، وإيلاء اهتمام أكبر بمقترحاتهم للحفاظ على استقلال بلادهم وتنميتها، عسكريًا واقتصاديًا، مع تحول قواهم السياسية باستمرار”.

ربما يعجبك أيضا