ستراتيجيك كالتشر| الجيش الأوروبي.. كيف يمكن أن يغير هذا التحالف العسكري المشهد الأمني فى أوروبا؟

خالد شتات

ترجمة بواسطة – آية سيد

شكلت عشر دول أوروبية تحالفًا دفاعيًّا جديدًا.. بدأ هذا التحالف في 25 يونيو، وعقد أول اجتماع تاريخي له في باريس يوم 7 نوفمبر لبدء بحث التفاصيل الخاصة بكيفية عمل القوة والترحيب بفنلندا، الدولة العاشرة.. جميع الدول المؤسِسة أعضاء في الاتحادالأوروبي، بما فيها بريطانيا، التي من المقرر أن تغادر الاتحاد في مارس 2019.
بقيادة فرنسا، تضم مبادرة التدخل الأوروبية المملكة المتحدة، وألمانيا، وبلجيكا، والدنمارك، وإستونيا، وهولندا، وإسبانيا، والبرتغال، وفنلندا للتعاون في التخطيط، وتحليل الأزمات العسكرية والإنسانية الجديدة، والأنشطة المشتركة المحتملة ردًا على الحالات الطارئة. ومن المقرر أن يكون لها ميزانية مشتركة.
باختصار، سوف يحافظ أعضاء مبادرة التدخل الأوروبية على الجاهزية لتنفيذ المهام معًا بعيدًا عن الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي أو الناتو. وستسمح عملية اتخاذ القرار الانسيابية برد سريع، بينما سيقدم العدد الأقل للأعضاء المزيد من المرونة مقارنة بحلف الناتو، حيث تقوم العملية على إجماع الأعضاء الـ29، أو الاتحاد الأوروبي، الذي فشل في توظيف المجموعات القتالية العسكرية متعددة الجنسيات الأربع التي أُنشئت عام 2007.
قال الرئيس الفرنسي ماكرون، إنه أراد تشكيل "جيش أوروبي حقيقي" لأننا "نحتاج لحماية أنفسنا في وجه الصين وروسيا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية ". وصرّح -في أول حوار إذاعي له كرئيس مع محطة أوروبا 1- "عندما أرى الرئيس ترامب يعلن انسحابه من معاهدة رئيسية لنزع السلاح النووي والتي تشكلت عقب أزمة الصواريخ الأوروبية في الثمانينيات، من الضحية الرئيسية ؟ أوروبا وأمنها". يؤمن إيمانويل ماكرون بأن "أوروبا يمكنها ضمان حماية نفسها من روسيا وحتى من الرئيس دونالد ترامب". هكذا يُنظر للولايات المتحدة في أوروبا الآن. لم تعد مدافعًا بل أصبحت تهديدًا.
كتبت وزيرة الدفاع الفرنسي فلورنس بارلي -في تغريدة بمناسبة إطلاق مبادرة التدخل الأوروبية- "الهدف: أن تتعلم قواتنا المسلحة التعرف على بعضها البعض والعمل معًا. بفضل المبادلات بين الأفراد والتدريبات المشتركة، سوف نخلق ثقافة استراتيجية أوروبية.. سنكون مستعدين لتوقع الأزمات والرد بسرعة وفاعلية".
وفقًا لموقع ستراتفور، "تكشف عضوية مبادرة التدخل الأوروبية أن فرنسا مستعدة لتجاوز الاتحاد الأوروبي في بحثها عن شركاء (حيث ستغادر بريطانيا الاتحاد في 2019) والبحث أيضًا خارج الناتو (حيث إن فنلندا ليست عضوًا في حلف الناتو)".
يمضي الاندماج الدفاعي للاتحاد الأوروبي بوتيرة بطيئة مثيرة للإحباط. جمعت اتفاقية التعاون المنظم الدائم (بيسكو)، التي وُقعت عام 2017، 25 قوة مسلحة من أصل 28. قررت بريطانيا والدنمارك ومالطة الانسحاب من تلك الاتفاقية.. بيسكو، التي تركز بشكل رئيسي على التعاون الصناعي، ليست شيئًا عظيمًا من الناحية الواقعية. إنها تقدم فقط قدرًا ضئيلًا نسبيًا من المال لتمويل العمليات. إنها لا توفر للاتحاد الأوروبي قوات مقاتلة مشتركة حقيقية وإنما تقدم دمجًا تدريجيًا بوتيرة بطيئة. الاتفاقية لا يوجد بها بند يتعلق برفع نفقات الدفاع. لا تخصص ميزانية الاتحاد الأوروبي أموالًا لتكوين "جيش أوروبي". بالإضافة إلى هذا، توجد انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في ظل تشكل مجموعات مختلفة داخل الاتحاد. إن ما يبدو جيدًا على الورق ربما لا تكون له علاقة بالواقع. تتشكل تحالفات جديدة أصغر بصورة تدريجية داخل الناتو والاتحاد الأوروبي – يواجه الاتحادان تهديد الانقسام.
هذا، إلى جانب إفساد الرئيس ترامب للمعاهدات والتشكيك في المادة الخامسة، حث على تشكيل تحالف دفاعي أوروبي جديد والذي من المفترض أن تكون له سلطة حقيقية وأن يعمل خارج سيطرة مبادرة التدخل الأوروبية. إن المبادرة بقيادة فرنسا التي توحّد دولًا من الاتحاد الأوروبي ومن خارجه جذابة على نحو خاص لبريطانيا العظمى، التي تبحث عن وسيلة محتملة للتعاون الدفاعي خارج إطار عمل الاتحاد الأوروبي بعد الخروج منه.

إن الاتحاد العسكري المستقل سيُضعف الناتو ويقلل من اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة، من وجهة النظر هذه، سوف ينفع أوروبا لأن مصالحها لا تتوافق في أكثر الأحيان مع مصالح الولايات المتحدة. على سبيل المثال، لا تهتم أمريكا كثيرًا بالهجرة، التي تُعد مشكلة بعيدة عن واشنطن، لكن منع موجات المهاجرين الجديدة مسألة حاسمة للاتحاد الأوروبي. في المقابل، لم يكن للأوروبيين مصلحة في العراق وأفغانستان وأرسلوا قوات إلى هناك فقط لإظهار التضامن العابر للأطلسي.

مثلما نرى، وجدت فنلندا أن مبادرة التدخل الأوروبية مفضلة عن الناتو. لكن بالانضمام إلى التحالف العسكري الجديد، لن تصبح دولة محايدة كالسابق. لقد أصبحت عضوًا في المنظمة العسكرية التي تصرح علنًا أن روسيا جارتها، تُعد تهديدًا يجب مواجهته. هذا تغير هائل في السياسة الخارجية للدولة. في الحقيقة، إطلاق مبادرة التدخل الأوروبية جذب القليل من الاهتمام الإعلامي، لكن عضوية فنلندا في المبادرة لم يمر مرور الكرام في روسيا. في العام الماضي، انضمت فنلندا إلى جانب السويد إلى قوة الاستطلاع المشتركة التي تقودها بريطانيا. لقد سمحت لقوات الناتو باستخدام أراضيها أثناء التدريبات، مثل ترايدنت جنكتشر 2018 – أكبر فاعلية تدريب للناتو منذ الحرب الباردة.
لقد عارضت بريطانيا دائمًا خطط إقامة تحالف دفاعي أوروبي، خشية أنه سيكون ضد مصلحة الناتو. الآن، غيرت موقفها كليًا. يمكنها أن تستمر في الحفاظ على علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة كونها جزءًا من التحالف الدفاعي الأوروبي الجديد.
إن تشكيل مبادرة التدخل الأوروبية يُظهر مدى عمق الخلافات التي تقسم الناتو والاتحاد الأوروبي إلى مجموعات تسعى وراء مصالحها الخاصة. يبدو أن هذه المنظمات الضخمة شهدت أيامًا أفضل، لقد أصبحت أضخم من أن تكون موحدة وقوية. مثل إمبراطورية الإسكندر الأكبر، هذه المنظمات الكبيرة عمرها قصير. كانت توسعات الناتو والاتحاد الأوروبي بمثابة أخطاء. ربما لن يُصرّح بهذا رسميًا لكن الدول العشر الأوروبية وجهت ضربة قوية للناتو الذي تقوده الولايات المتحدة. إذا لم يتلاش المشروع تدريجيًا بكل الأفكار والمبادرات المخبأة بسبب البيروقراطية، سوف يدخل الرئيس إيمانويل ماكرون التاريخ بوصفه مهندس التحالف الدفاعي القوي الجديد الذي سيغير المشهد الأمني الأوروبي.
إن التوترات والانقسامات بين أوروبا وروسيا لن تستمر للأبد، وليس على مبادرة التدخل الأوروبية وروسيا أن يكونوا خصومًا. ففي النهاية، هم يواجهون تهديدات أمنية مشتركة. عاجلًا أم آجلًا، سيعود التعاون في المجال الأمني على جدول الأعمال مرة أخرى.
إن موجات طالبي اللجوء الجديدة من ليبيا تشكل خطرًا محتملًا على أوروبا. تمتلك روسيا نفوذًا في هذه الدولة، يمكنها أن تساعد في منع ذلك. يعتبر إعادة إعمار سوريا أحد مجالات التعاون المحتملة. يمكن منع انتشار الأسلحة متوسطة المدى في أوروبا، في ظل عدم تطبيق معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، إذا تم التوصل لاتفاقيات معينة على مستوى أوروبا -روسيا حتى بدون مشاركة الولايات المتحدة. يمكن مناقشة الأنشطة العسكرية لتخفيف حدة التوترات. في الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة بالترويج لفكرة "أمريكا أولًا"، يمكن لدول مبادرة التدخل الأوروبية وروسيا أن يعقدوا محادثات. يمكنهم استخدام إطار عمل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لهذا الغرض.
في شهر أغسطس، دعا الرئيس ماكرون إلى عقد شراكة استراتيجية مع روسيا. قال: "أعتقد أنه في قضايا مثل الأمن السيبراني، والدفاع، والعلاقات الاستراتيجية، يمكننا تصور معالم العلاقة الجديدة بين روسيا والاتحاد الأوروبي والتي تتناسق مع الاتجاه الذي تسير به أوروبا". لا يلوح في الأفق أي تحسن في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، أو روسيا والناتو لكن قد يكون الأمر مختلفًا فيما يخص العلاقات بين مبادرة التدخل الأوروبية وروسيا. الخيارات المتاحة هي الحوار والمواجهة. أي منهم سينتصر؟ لا نعلم أبدًا. قال الرئيس ماكرون إنه يفضل الخيار الأول.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا