قراء القرآن.. أصوات سماوية احتضنت البيوت بالسكينة والدفء

أماني ربيع
الشيخ محمد رفعت

لرمضان طقوسه الخاصة في البيوت العربية، ويتوج هذه الطقوس أصوات المقرئين التي تزين الأجواء الرمضانية بدفء خاص، إليك أبرز قراء القرآن اللذين نسجوا بأصواتهم الطمأنينة في قلوب المستمعين.


حباهم الله بالموهبة فمتعوا بها القلوب قبل الآذان، أصواتًا تحمل في ثناياها رائحة الجنة ولذة الأنس بالله، هم سفراء كتاب الله الذين حملوا آياته إلى قلوب وأسماع المسلمين.

ارتبطت أصوات عدد من كبار قراء القرآن الكريم في مصر بشهر رمضان، فمن الشيخ محمد رفعت إلى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ خليل الحصري، منحت أصواتهم للبيوت سكينة ودفء، وحثت الأنغام السماوية المنبعثة من حناجرهم المستمعين على الإنصات والتدبر لآيات القرآن.

الشيخ محمد رفعت.. صوت رمضان الملائكي

عقود طويلة مرت على رحيله ولا يزال صوت الشيخ محمد رفعت جزءًا أصيلًا من طقوس شهر رمضان، وعلى أنغام تلاوته العذبة ينتظر الصائمون انطلاق مدفع الإفطار، قيثارة السماء فقد بصره وهو في الثانية من عمره، وحفظ القرآن في أحد كتاتيب درب الجماميز في حي السيدة زينب، وأصبح قارئ مسجد فاضل باشا الذي تعلم فيه القراءات والمقامات الموسيقية وسنه لم يتجاوز 15 عامًا.

رفض الشيخ محمد رفعت قراءة القرآن للإذاعة، ولم يقبل إلا بعد استفتاء شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري حول جواز بث القرآن عبر أثير الراديو، وعندما أفتى له بجوز ذلك افتتح صوته عام 1934 بث الإذاعة المصرية بأول سورة الفتح “إنا فتحنا لك فتحًا مبينا”.

صوت الجنة

جسد صوته الملائكي وإحساسه معاني القرآن منتقلًا بحرفية من قراءة لقراءة دون تكلف، متجولًا بين المقامات في الآيات التي تحمل معاني الترهيب يُبكي مستمعيه، وفي آيات البشارة يدخل الفرحة في نفوسهم، ولهذا أطلقوا عليه “سوط عذاب وصوت الجنة”، ليمنحه صوته الشجي الشهرة

أوقفه سرطان الحنجرة عن تلاوة القرآن، ورغم ضيق حاله، لم يقبل أي هبة، ومع زيادة آلامه وفتح اكتتاب لجمع التبرعات لعلاجه، رفض قائلًا: “قارئ القرآن لا يهان”، ليفارق الحياة في 9 مايو عام 1950.

مصطفى إسماعيل.. صاحب النفس الطويل

اشتهر الشيخ مصطفى إسماعيل بالصوت العذب والنفس الطويل، وهو أول قارئ للقرآن يسجل للإذاعة المصرية دون اختبار، عينه الملك فاروق قارئًا للقصر الملكي، وكرمه الرئيس جمال عبد الناصر، وكان ضمن وفد الرئيس محمد أنور السادات عند زيارته للقدس.

حفظ القرآن في سن 12 عامًا، وبدأت انطلاقته في عزاء لأحد وجهاء مدينة طنطا، وفي غياب مكبرات الصوت، صدح بالتلاوة فأسمع كل من في السرادق وأبهرهم وهو صبي 16 عامًا، ومنحه القدر فرصة ذهبية جعلته قارئًا للقصر الملكي رغم عدم اعتماده بالإذاعة، فعندما تلا القرآن في حفلٍ تغيب عنه الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي وسمعه الملك فاروق وأعجب بصوته.

على كرسي العرش

أصبح الشيخ مصطفى إسماعيل من القراء المشاهير في مصر، وعبر أثير الإذاعة دخل صوته بيوت المسلمين حول العالم، فقرأ في المسجد الأقصى مرتين، الأولى عام 1960 زار خلالها القدس في ليلة الإسراء والمعراج، والثانية عندما كان ضمن الوفد الرسمي للرئيس السادات خلال زيارته للقدس عام 1977.

كانت آخر تلاوة له خلال افتتاح مسجد في دمياط في حضور الرئيس السادات، وأصيب بعدها بانفجار في المخ ودخل في غيبوبة توفي بعدها في 26 ديسمبر عام 1978، وقالت خادمة منزله إنه كان سعيدًا في يومه الأخير، وقال” أنا جالس الآن على كرسي العرش والعالم كله يصفق لي”.

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. الصوت الرنان

صوت رنان لا تخطئه الأذن، في سن العاشرة أتم حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لسانه كالنهر الجاري، وكان قدوته في التلاوة الشيخ محمد رفعت الذي سار مسافات طويلة فقط ليستمع إلى القرآن بصوته عبر جهاز الراديو الوحيد الموجود بقريته المراعزة في محافظة قنا.

ذاع صيته في قريته وهو لا يزال في الثانية عشرة، واشتهر بعد ذلك في قنا التي أمطره كبار عائلاتها بدعوات لإحياء ليالي القرآن وبخاصة في رمضان، حلاوة صوته جعلت الناس تقبل على شراء أجهزة الراديو بعد انضمامه إلى الإذاعة عام 1951، ليصبح بعدها قارئًا لمسجد الإمام الشافعي عام 1952، وفي عام 1958 أصبح قارئ مسجد الحسين.

صوت مكة

لقب بصوت مكة، بعد تسجيله لعدد من التلاوات بالحرم المكي والمسجد النبوي خلال زيارته للسعودية لأداء فريضة الحج، وبعدها غرد صوته في المسجد الأقصى، والمسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل في فلسطين، والمسجد الأموي بدمشق، ومنها إلى أكبر مساجد آسيا وأفريقيا، ودور أوروبا والولايات المتحدة.

الشيخ محمود خليل الحصري.. سفير القراءات العشر

نذر صانع الحُصر خليل نذرًا لله، كلما وجد مسجدًا بلا حصير يفرشه، وفي منامه رأى عموده الفقري وكأنه عنقود من العنب تأكل الناس منه ولا ينفذ، بحث عن تفسير لرؤياه، وأخبره أحد المشايخ أن يلحق ابنه بالأزهر الشريف، وبالفعل صدق خليل رؤياه وألحق ابنه محمود خليل الحصري بالأزهر ليصبح من مشاهير القراء الذي آنس صوته ملايين البيوت.

حفظ الحصري القرآن في سن الثامنة، وتقدم لاختبار الإذاعة عام 1944، وعين قارئًا للمسجد الأحمدي بطنطا، وفي عام 1955 أصبح قارئ مسجد الحسين، ثم أصبح شيخًا لعموم المقارئ المصرية عام 1961، وهو نفس العام الذي سجل فيه المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم، ليشدو صوته منفردًا طوال 10 سنوات كونه أول من يسجل القرآن كاملًا للإذاعة.

حسن المخارج

كان الحصري خبيرًا بفنون القراءة وعلوم التفسير والحديث، وأجاد التلاوة بالقراءات العشر التي أتقنها ونال شهادة فيها من الأزهر عام 1958، ومع صوته العذب كانت قراءته متميزة بحسن المخارج، ما ساعد بعض المسلمين غير الناطقين بالعربية على تلاوة وحفظ القرآن، وهو أول من طالب بتأسيس نقابة لرعاية شؤون قراء القرآن، كما كان عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية، ومراجعًا لكتابة المصحف الشريف.

لم يكن الترتيل مجرد قراءة بالنسبة للحصري فهو يجسد مفردات القرآن ويترجم عبرها معانيه وبلاغته، صدح صوته في العديد من عواصم العالم من لندن إلى مقر الأمم المتحدة بنيويورك والكونجرس الأمريكي في  واشنطن، وله عدة مؤلفات في علوم القرآن منها: “أحكام قراءة القرآن الكريم، والقراءات العشر من الشاطبية إلى الدرة، والنهج الجديد في علوم التجويد”، وتوفي يوم 24 نوفمبر عام 1980.

ربما يعجبك أيضا