“سفر” العودة.. زحف المظلومين

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

غزة – هو واحد من أسوأ كوابيس الاحتلال، حيث يزحف مئات آلاف الفلسطينيين إلى أرضهم المحتلة ليعودوا إليها، كابوس دفع بكيان الاحتلال لإخراج رئيس أركانه شخصيًا “غابي إيزنكوت”، ليشرف على قمع الغزيين، قمع أسفر حتى لحظة كتابة هذه التقرير عن ارتقاء 8 شهداء وإصابة 1100 آخرين بجروح.

ذكرى يوم الأرض لهذا العام تكتسب طابعًا خاصًا بعد نحو سنتين ونصف سنة من هبّة شعبية وعمليات فدائية ــ فردية وجماعية ــ باتت تقارب توصيف “الانتفاضة الثالثة”، رغم اختلاف أساليبها وانطلاقتها عن الانتفاضتين الأولى والثانية، فالغزيون الذين خرجوا سلميًا في مسيراتهم نصبوا مئات الخيام على بعد مئات الأمتار من الحدود، في وقت نشر الاحتلال آلاف الجنود من ألوية المدرعات و”جولاني” و”هناحال” و”غفعاتي”، إضافة إلى جنود من وحدات جمع المعلومات الاستخبارية الميدانية، وكذلك وحدات تابعة لسلاح الجو والواحدات الخاصة.

المسيرات التي خرجت ردًا على محاولات الاحتلال والداعمين له تصفية القضية الفلسطينية ضمن ما يسمى بـ”صفقة القرن”، والإصابات لم تكن في غزة وحدها فقد شهدت الضفة الغربية المحتلة أيضا مواجهات ومسيرات عمت مختلف مناطقها وأصيب المئات بين الجروح والاختناقات، وكذلك شهدت البلدات في الداخل الفلسطيني المحتل فعاليات أحياء يوم الأرض أيضًا، وقد أعلنت الفصائل الفلسطينية أن الفعاليات ستسمر منذ اليوم الجمعة وحتى 15-5 (ذكرى يوم النكبة).

وبذلك بدأ الفلسطينيون شكلا جديدا من أشكال نضالهم بمسيرات العودة رمزية تعيد القضية إلى مربعها الأول، بعد فشل عملية السلام وجميع المشاريع والمقترحات لتسوية قضيتهم، خاصة مع تصاعد المقاومة بأشكالها المختلفة في القدس والضفة الغربية ضد جنوده ومستوطنيه، وتعاظم قوة المقاومة المسلحة وترساناتها في قطاع غزة.

وتشكل مسيرة العودة محطة إضافية في سياق حركة الصراع، وتزخيم حركة الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال، وهو مسار بدأ يأخذ أساليب تصاعدية منذ إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وتأتي كخيار مواكب لعمل المقاومة المسلحة التي تستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين، وذلك في مسار تكاملي على قاعدة توظيف الإمكانات كافة لمواجهة تحديات المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية.

ومنذ نجاح “كمين العلم” الفلسطيني الذي كان مربوطاً بعبوة انفجرت بجنود الاحتلال عندما حاولوا نزعه، تحوّلت الحدود إلى هاجس كبير للجيش الذي صار معه يقصف من بعيد الأعلام المعلقة. ثم تسبّب نجاح عدد من حالات التسلل، ومنها ما وثقته الكاميرات، في تأكيد أنه رغم الاستنفار الإسرائيلي الحثيث، ثمة ثغرات كبيرة يمكن للمقاومين الاستفادة منها وتنفيذ أعمال نوعية، فكيف اليوم ومسارات الأحداث مفتوحة إلى حدّ لا يستطيع معه حتى قادة الفصائل رسم مسار واضح للأحداث. وتأتي المخاوف الإسرائيلية من مشاهد عدة، منها نجاح حالات “دخول” (يسميها الفلسطينيون “عودة”) إلى فلسطين المحتلة بصورة جماعية، أو تسجيل عدد كبير من حالات الدخول الفردية أو على صورة مجموعات صغيرة دون السيطرة عليها، خاصة أن عدسات الصحافة الدولية والمحلية حاضرة في غالبية المحاور. وفي أدنى الأحوال، ستتحول المسيرات إلى اشتباكات لا يظهر إلى حدّ قريب كيف سيتعامل معها جيش العدو وضمن أي قواعد اشتباك.

منذ مساء أمس، والأنباء تتوالى عن حركة لمستوطنين يقطنون في “غلاف غزة” إلى الداخل تخوفاً من سيناريوات غير محتسبة اليوم، فيما صدرت دعوات لهم بحمل السلاح تحسباً لحالات تسلل قد يضطرون إلى التعامل معها بأنفسهم في ظل انشغال الجيش والثغر المحتملة بناءً على تجربة الأسبوعين الأخيرين.

حالة الترهيب هذه نقلتها تل أبيب أيضاً إلى الساحة السياسية والدبلوماسية لتمهد في الوقت نفسه لتبرير أي جريمة ترتكبها اليوم، إذ أرسلت الخارجية الإسرائيلية إلى كل ممثلياتها في العالم “رسائل يجب إيصالها إلى الرأي العام والمسؤولين في جميع الدول”، فحواها “تحميل حماس المسؤولية عن المسيرة الضخمة واتهامها باستخدام المدنيين وإرسالهم للموت، وكذلك محاولة تهديد أمن إسرائيل”، مدعية أن “حماس صرفت على فعاليات مسيرة العودة الكبرى أكثر من عشرة ملايين دولار”.

وإضافة إلى الممثليات ووسائل الإعلام، أرسل السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، رسالة بالمضمون نفسه.

داخليا سيشكل تلاحم الجماهير الفلسطينية المواجهة للاحتلال في غزة والضفة تصويب لوجهة الصراع، في الوقت الذي تتركز فيه المساعي لتأجيج الخلاف الفلسطيني ــ الفلسطيني، وحرف وجهة الصراع نحو عناوين بعيدة عن مواجهة الهجمة الأمريكية على الشعب الفلسطيني ومقاومته السلمية والمسلحة.

ربما يعجبك أيضا