سوريا ما بعد الحرب… تعرف على الأزمة الكبرى القادمة بين روسيا وأمريكا

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

قبل عامين من هزيمة أدولف هتلر الأخيرة -ومع احتلال الجيوش الألمانية لأجزاء كبيرة من أوروبا والاتحاد السوفيتي، والتي لم يتمكن الحلفاء الغربيون من اختراقها- بدأ فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل وجوسيف ستالين مناقشات حول مصير أوروبا ما بعد الحرب. وحتى عندما لاح التشكيك في النصر النهائي، بدأ الحلفاء بتخصيص المناطق وإعادة تشكيل الحدود.

والمثير للدهشة هو أن الأمر عندما يتعلق بهزيمة داعش النهائية في سوريا والعراق -والقضاء على ما يسمى الخلافة ككيان جغرافي مادي منفصل- يتم تأجيل المناقشات حول مستقبل المنطقة والتي يجب أن تدور بين جميع أصحاب المصلحة. إن الأزمة الكردية ليست سوى أول مظهر جدي للمشاكل المطروحة؛ لأن الأسئلة الحرجة حول "اليوم التالي" لم يتم الرد عليها. والأمر الأكثر خطورة هو احتمال استمرار الاشتباك بين الفريقين الرئيسيين -أحدهما بقيادة الولايات المتحدة، والآخر بقيادة روسيا- حول ترتيبات سوريا ما بعد داعش.

ففي أثناء فترة إدارة أوباما -كان الأمل معلقا على روسيا، باعتبارها الداعم الرئيس لنظام بشار الأسد- ظهرت فكرة أنه يجب التخلي عن الأسد لتلبية المتطلبات الأمريكية "بضرورة خروج الأسد من السلطة"، وأن موسكو ستجبر إيران على قبول هذا الواقع أيضًا. وبعد ذلك تستطيع الولايات المتحدة إعداد عملية من أجل تشكيل حكومة سورية معارضة واسعة القاعدة. إلا أن هذا التطلع جاء ضد واقعين أمرَّين:

الأول: استعداد إيران وروسيا للتمسك بأصول القوة الصلبة في القتال في سوريا والاستعداد لتحمل أي خسائر للدفاع عن النظام.

والثاني: عدم قدرة الولايات المتحدة على إنشاء قوة معارضة فعالة يمكن أن تدير المعركة ضد الأسد دون الحاجة إلى قوات برية أمريكية بأعداد كبيرة، مما يجبر واشنطن على تفويض المزيد من أهداف سياستها للقوات الكردية السورية، رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر تقوض العلاقات مع تركيا.

كذلك أثبتت موسكو أنها أكثر مهارة في الدبلوماسية متعددة الأطراف مما توقعته الولايات المتحدة. وبناءً على المخاوف التركية تجاه المساعدات العسكرية الأمريكية للأكراد، والمشاركة في مفاوضات حقيقية مع دول الخليج العربية والمملكة العربية السعودية، اكتسبت روسيا تأييدًا لحلها المفضل، والذي يتمثل في الإبقاء على الأسد رئيسا رسميا لسوريا، حيث يمكن لرعاة المعارضة السورية الرئيسيين -بدءًا من تركيا- تأمين مصالحهم وتوفير أماكن آمنة لمؤيديهم. وقد حققت "عملية الأستانة" (حيث اجتمع الأتراك والإيرانيون والروس مع كل من الحكومة السورية والمعارضة في العاصمة الكازاخية) بعض النجاح، ولكن الولايات المتحدة لم توافق عليها أبدًا كنموذج مفضل لمستقبل سوريا، أما غيرها من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة -وخاصة إسرائيل والسعودية- فلديهم تحفظات حول هذه العملية.

وبما أن تنظيم داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة في المناطق القليلة التي يسيطر عليها، فإن هذا النهج الروسي يواجه الآن بعض التحديات الجادة:

أولا: من سيتحكم في محافظة دير الزور، مركز صناعة النفط في سوريا – الحكومة السورية، مدعومة بقوات جوية روسية، أم قوات المعارضة السورية، مدعومة بالمساعدات العسكرية الأمريكية؟

فإن سيطرت عليها الحكومة، ستصب العائدات النقدية حقول النفط هذه في خزائن النظام في دمشق، أما إذا سيطرت عليها المعارضة، فسوف تساعد على تعزيز موقفها التفاوضي. ويقال إن كلا الجيشين الروسي والامريكي على اتصال مستمر لمنع أي اشتباكات بين حلفائهما أو التعرض لأفرادهما ومعداتهما على الارض أو في الجو، إلا أن الحوادث يمكن أن تحدث دائمًا.

أما الاختبار الثاني فهو: عندما تبدأ الحكومة السورية في استعادة المواقع الحدودية الرئيسية على طول الحدود العراقية، فإن مسألة "ممر إيران إلى البحر المتوسط" ، حيث كان من الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لطهران في الدفع بقوات الحرس الثوري البرية للقتال في كانت سوريا هو الحفاظ على الجسر البري الذي يربط إيران – عبر العراق والمناطق الشيعية والعلوية في سوريا – بحزب الله في لبنان. وكان هذا خط الإمداد الحرج للحرس الثوري لإعادة تزويد حزب الله – وهو في نفس الوقت السبب في أن تشن إسرائيل هجمات استهدفت القوافل المتجهة إلى لبنان في السنوات الأخيرة.

ونظرًا لتحول سياسة إدارة ترامب تجاه إيران -من جهود أوباما التوافقية إلى موقف أكثر تصادمية- فإن منع هذا الممر سيكون أولوية استراتيجية عالية. ولكن محاولات منع القوات السورية (ولا سيما الوحدات الإيرانية المتداخلة في قوات النظام) أو إعادة قوات المعارضة في موقعها مرة أخرى، يثير مخاطر حدوث اشتباكات غير مقصودة مع الروس.

وأخيرًا، هناك مصير الأسد نفسه، حيث لم تتخلَّ إدارة ترامب رسميا عن موقفها الداعي إلى "خروج الأسد" حتى ولو ألغت كون خروجه الفوري شرطًا مسبقًا ومطلقًا للمحادثات حول مستقبل سوريا. ولكن يبدو أن موسكو قد أكدت رأيها القاطع في هذه المسألة، وهو أن الأسد سيبقى رئيسًا لسوريا. ففي يوم الثلاثاء الماضي، استخدمت روسيا حق الفيتو ضد تمديد مهمة "آلية التحقيق المشتركة" التي تحقق في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، مما يشير إلى أن موسكو تعتبر الأمر مغلقًا، ولم يعد يخضع للتحقيق. لكن الولايات المتحدة تعتقد أن الأسد مستمر في حيازة هذه الأسلحة واستخدامها مما يشكل تهديدًا– مما يشير إلى أنه حتى بعد أن يتم القضاء على داعش وسيطرته على الأراضي السورية، فإن واشنطن لن تقر بانتهاء الحرب الأهلية السورية وتسويتها . أما بالنسبة لروسيا، التي أظهرت أن تدخلها قد اكتمل إلى حد كبير، فهي تعتبر أن التدخل الأمريكي المستمر لا يمنع انسحاب القوات الروسية وتحول الموارد العسكرية إلى قضايا أخرى فقط ، بل إنه يجعل من سوريا منطقة صراع محتملة مع الولايات المتحدة.

يذكر أن تنظيم داعش يسيطر الآن على أقل من 5% من أراضي سوريا. ولكن مع القضاء على هذا التهديد المشترك لكل من روسيا والولايات المتحدة، ستزداد احتمالات زيادة المواجهة.

المصدر – ناشيونال إنترست

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا