سيوة (1).. “واحة آمون” التي باركتها كليوباترا

شيرين صبحي

رؤية – شيرين صبحي

“يا أجمل مدينة سيوة يا سيوة.. نخلك بينادينا سيوة يا سيوة، فيكي معبد آمون.. مشهورة بالزيتون، وبندعي رب الكون الخير علينا يدوم”.. أكثر من 10 ساعات تقضيها للوصول إلى سيوة، عن طريق مرسى مطروح الذي يبلغ طوله 302 كيلومتر، وهو الطريق الذي يسلكه كل من يريد زيارة “واحة الغروب” الجميلة القديمة.

كان علينا أن نودع القاهرة ليلا، لنصل الواحة قبل الظهيرة، ساعات تقضيها في الحافلة، تغفو وتستيقظ، لتجد كل ما يحيط بك صحراء ممتدة صامتة، ترفض أن تبوح بأسرارها، تنعكس أشعة الشمس على رمالها الذهبية فتزيدها وهجا يبعث على الرهبة.

كان الطريق بعيدا، لكنه يمنّينا بالهدوء والسكينة المنتظرة، في تلك الواحة التي تمثل أحد المنخفضات في الصحراء الغربية، والتي سميت في العصر القديم “بنتا”، وفي العصر الروماني كانت تدعى “واحة آمون”، بينما أطلق عليها العرب اسم “واحة الأقصى”. هنا تلال ذهبية تطل عليك في صمت، تحرس النخيل الذي يتعانق مع أشجار الزيتون.

لن يثنيك السفر الطويل عن اللهو والمرح فور وصولك إلى تلك الواحة التي وصفها لنا يوما المقريزي قائلا‏:‏ “نصل الآن إلى بلد صغير يسكنه نحو ستمائة رجل من البربر يعرفون سيوة ولغتهم بالسيوية وتقرب من لغة زنانة وبها حدائق نخيل وأشجار زيتون وتين‏,‏ وبها الآن نحو عشرين عينا تسبح بماء عذب ومسافتها من الإسكندرية أحد عشر يوما‏,‏ ومن جيزة مصر أربعة عشر يوما‏,‏ وهي قرية يصيب أهلها الحمى كثيرا‏,‏ وتمرها غاية في الجودة‏”.‏

بينما يقول هيرودوت: “بعد السفر إلى قلب الصحراء، يمر المرء بأحراش تمرح فيها الوحوش البرية، وخلفها منطقة الرمال الكثيبة، التي تمتد من طيبة في مصر حتى أعمدة هرقليس. في هذه المنطقة بالتحديد، يصادف المرء، بعد مشي على القدمين لعشرة أيام، آثار مغطاة بأحجار الملح، الذي تحول إلى بلورات من الكريستال العملاق، وفوق قمة تلك الروابي، ومن قلب الملح، يتفجر ماء عذب متجدد، ليصبح عينًا، خلف الغابات البرية”.

بيضة مسلوقة وطبق فول بالصلصة وجبنة وكوب زبادي، هو الفطار الرسمي في الواحة، وسط الطبيعة الهادئة، تداعبك شمس الصباح بخيوطها الذهبية الناعمة، يحيطك النخيل من كل اتجاه، يغريك بتسلقه والوصول إلى ثماره، فهو ليس شديد الارتفاع، ما عليك سوى أن تضع ساقك وتبدأ في التسلق، ليساعدك النخل على الصعود، فتفتح ذراعيك في أمان وحرية.

هنا.. مرت كليوباترا!

قف احتراما للجمال! هنا سبحت الملكة كليوباترا أثناء زيارتها سيوة، لهذا أطلق اسمها على هذا الحمام الذي يعتبر أكثر المزارات شهرة في الواحة. الحمام الذي يتكون من الحجر يتم ملؤه من مياه الينابيع الساخنة الطبيعية، ويقال: إن العرائس يتحممن فيه قبل الزفاف. كذلك يطلق عليه أيضا اسم “عين جوبا” نسبة إلى الإله “جوبيتر”، أو اسم “عين الشمس” حيث تعتمد حركة المياه بها على حركة الشمس، فإذا اشتدت الشمس تميل المياه إلى البرودة، وإذا غابت الشمس تميز الماء بالدفء! تدخل المياه إلى العين من جميع النواحي، وتعتبر المصدر الرئيسي للمياه لأكثر من 840 كيلو متر مربع من الحدائق والبساتين في الواحة.

يقول هيرودوت “إذا كانت مصر هبة النيل، فإن السيويين هبة عيون الماء”، حيث تضم الواحة نحو 220 عينا، إضافة إلى نحو 1200 بئر، وهو ما كان سببا في إقامة عدد من مصانع تعبئة المياه التي تخرج من باطن الأرض. ومن أشهر العيون؛ أبو شروف، التي تتميز ببرودة مياهها طوال العام، وعين قريشت.

لوحة الغروب

كنا قبل موعد الغروب بساعتين، في الطريق إلى بحيرة فطناس، تقابلك أشجار النخيل على الجانبين، سألت صديقي: بماذا يفكرك هذا المشهد؟ أجاب بكلمة واحدة: الغروب!

إنه الغروب ما كنا نبتغيه بالفعل من الذهاب إلى تلك البحيرة، لمشاهدة الشمس وهي ترحل عنا، في وداعها ترسم السماء أجمل لوحة، وكأنها صلاة تؤديها وقت رحيل المحبوبة، على وعد قريب باللقاء!

سحر لا يقاوم، وهدوء لا يماثله مكان في القاهرة المزدحمة التي لا تنام. البحيرة التي تبعد حوالي 6 كيلومترات غرب سيوه؛ تعرف أيضا باسم “جزيرة الخيال”، وهي من مواقع السباحة المفضلة لدى سكان الواحة والسياح على حد سواء، وتقع على بحيرة بركة سيوة المالحة.

وسط “جزيرة الخيال” تشاهد عين للمياه من أجمل العيون الموجودة بالواحة، تحيط بها الكثير من أشجار النخيل، عمقها حوالى سبعة أمتار، إضافة إلى حوالي عشرة منابع تخرج منها الماء.

أجمل مشهد للغروب، لن تفوتك لقطات عدساتك الذكية من تخليد المشهد الرائق، “سيلفي” مع الشمس الغاربة، أو صورة وأنت تمدد ساقيك فوق الجسر الخشبي، قبل أن ترحل تاركا روحك تهفو هناك..!



حان موعد الطعام، لن نتناول طعاما قاهريا، هنا لكل شيء مذاقه المختلف حتى الطعام، ليس مطهوا في الأواني فوق بوتجازات الغاز، بل مردوما تحت الرمال على مسافة أمتار! دجاج أو لحوم أبو مردم.

يغادرنا النهار، وأمام راكية النار، في الليالي الباردة يلتف الزوار وأهالي الواحة، ينشدون الأغاني السيوية. بملابسهم البيضاء يجلسون أرضا ينشدون أغنياتهم الجميلة، على تصفيق الأيادي الملتفة، يرقص الرجال بدلا من النساء، فهنا لن ترى امرأة سيوية إلا في خمار أو نقاب، تتوارى عن أعين أهل الواحة قبل أعين الغرباء.

ربما يعجبك أيضا