شبرا بلولة.. جنة الياسمين في مصر

سهام عيد

سهام عيد – عاطف عبداللطيف

الرائحة تباغتك كلما اقتربت منها، رائحة مميزة وعذوبة لا يخطئها حسك.

عند دخولك قرية “شبرا بلولة” مركز قطور بمحافظة الغربية، تجد نفسك محاصرًا بحقول الياسمين، وتسلم لخيالك العنان لترسم صورة بديعة لجنة الله في الأرض.

زهرة الياسمين التي توصف بأنها الأرقّ بين الزهور العطرية، والتي جمعت بين صفاء الشكل وعذوبة الرائحة، كانت سببًا في وضع قرية “شبرا بلولة” في صدارة القرى المنتجة للزهور في العالم.

تصدر 50 % من عجينة الياسمين للعالم

تخصصت “شبرا بلولة” التي يبلغ عدد سكانها بضعة آلاف، في زراعة الياسمين منذ عقود، وتحولت إلى قبلة لصناع العطور من مختلف أنحاء العالم، الذين يحرصون على شراء تلك الزهرة المصرية، للاستفادة من الزيوت المستخرجة منها لإنتاج أرقى العطور وأغلاها سعرًا، حيث تنتج هذه القرية أكثر من 50% من عجينة الياسمين على مستوى العالم.

احترف مزارعو تلك القرية المصرية، وبعض القرى المجاورة لها زراعة الياسمين، واستخلاص العطر الخام منه، فكان لهم نصيبًا من الشهرة.

مهرجانات زهور

يبدأ حصاد الياسمين منذ المساء وحتى الصباح الباكر، فهي زهرة شديدة الحساسية للضوء، ويستمر ذلك طيلة ستة أشهر في السنة من أول يونيو حتى نهاية ديسمبر، كما أن إنتاج الشجرة الواحدة يكون بشكل يومي وهو ما يعتبره المزارعين موسم “خير” للفلاح لما يعود عليه من عائد جعلهم ينتظرونه كل عام.

قبل سنوات كان علي محمد محفوظ -أحد جامعي الياسمين – موظفا في إحدى الهيئات الحكومية، ومع بلوغه سن المعاش، تفرغ لزراعة زهرة الياسمين، فهي شجرة معمرة.

يخرج محفوظ يوميًا بعد صلاة الفجر ليشارك أهالي قريته في جمع الياسمين حتى الساعة الثامنة صباحًا، فتتحول القرية إلى مهرجانات زهور.

على قدم وساق يشارك الفلاحين في جمع الياسمين، وتوريده إلى المصانع قبل سطوع الشمس، حيث تحتوي القرية ذاتها على قرابة 15 مصنعًا أشهرهم “حسين فخري” و”الشبراوي”، وترجع أصول أصحابهما إلى الفرنسية.

وما يميز “شبرا بلولة” في زراعة الياسمين ليست نوعية التربة، فزراعة الياسمين لم تشترط أرضا معينة، بينما وجود المصانع بها هو ما جعل لها أهمية.

“إحنا بنشتغل في البلد بحالها والأدوار والبلاد الي حوالينا هنا في الياسمين لحد منوردوه للمصنع يعني لأقصى حاجة الساعة 10صباحًا”، هكذا قال محفوظ.

يشير محفوظ إلى أن زهرة الياسمين تعشق قطرات الندى لذلك يعتبر الفجر وأول النهار من أفضل توقيتات الحصاد.

مرحلة الجمع وتحكم أصحاب المصانع بالمزارعين

“القيراط يحتاج فرد واتنين، والفدان 24 قيراط، يعني القيراط الواحد يجمعوه اتنين أو تلاتة كمان يجمعوه، بعد الجمع بنوزن وبنورد للمصنع، الفرد بيجمعله من 2 كيلو لـ2 ونص أقصى حاجة يعني، المصنع بياخد مننا الكيلو بـ35 جنيه، ولو المصنع مخدوش ميتعملش بيه حاجة”.. بهذه الكلمات أوضح محفوظ مرحلة الجمع التي يقوم بها الفلاحين، بالإضافة إلى تحكم أصحاب المصانع بهم وتحديدها بأسعار بخس، فالزهرة ليس لها قيمة بعد مرور ساعتين على حصدها.

يحدد المصنع سعر 35 جنيهًا لكيلو زهرة الياسمين في الحقول الخاصة به، بينما يشتري من الفلاحين -هم من يمتلكون الأرض التي تمت زراعتها ثم يبيعون المحصول للمصنع- الكيلو بـ40 جنيهًا.

وفيما يخص شجرة الياسمين، ففي الستة أشهر الأولى من العام، يتم تسميد الشجرة وتقليمها ورعايتها، والستة أشهر الأخرى تنتج محصولها بشكل يومي.

99% من دخل القرية

يعتبر “الياسمين” مصدر دخل أساسي للقرية، وهو ما أكده إسماعيل عبدالرازق محمد “أحد سكان شبرا بلولة”.

“الياسمين ميزته، إن الكبير والصغير بيشتغل فيه، ومفيش حاجة اسمها بطالة في البلد، الكل بيشتغل، عيل صغير بيشتغل، كبير بيشتغل، بنات بتشتغل، كله بيشتغل، والدخل كويس بيعيش الأسرة”، هكذا أضاف عبدالرازق، مشيرًا إلى أن 99% من دخل القرية هو الياسمين.

ينتظر عبدالرازق هو وأولاده موسم الياسمين من العام للعام، فالشجرة تطرح إنتاجها يوميًا وهو ما يعتبره “خير” لأسرته.

الفقر والأمراض

يختلف محمد مصطفى -صاحب أحد حقول الياسمين ومن مواليد شبرا بلولة- مع عبدالرازق في أن الياسمين يوفر “دخل كويس لهم”، مشيرًا إلى أن العائد الذي يحصل عليه من المصنع لا يضاهي مصاريف زراعة الياسمين من كيماوي وجاز وسماد طوال العام.

يضيف مصطفى: “قيراط أرض فيه 45 عود، 45 شجرة دول عشان أجمع النواره دهيت، وأوزنها من على شجرته كدا بدون ميّا كدا بيعملي 2 كيلو أو كيلو ونص أو كيلو و700 نهار ما يتمعظم في أربعين جنيه يعملوا إيه، شكارة الكيماوي بتعمل كام، الجاز الل بسقي بيه الأرض بجيبه باللتر، كل حاجة غالية على الفلاح، هو بياخده مننا وبيديهونا بالمصري وتعاملُه مع المستثمر الأجنبي بالدولار” في إشارة منه إلى صاحب المصنع.

وفيما يخص المشاكل التي يواجهها الفلاحين، يشير مصطفى إلى غياب المصارحة بين المصنع والمزارع الصغير الذي يحصل في النهاية على “ملاليم الجنيهات”.

ولفت مصطفى إلى أن الفلاح يتحمل العبء الأكبر فضلًا عن الأمراض الصدرية التي يصاب بها.


يشار إلى أن قرية “شبرا بلولة” تميزت أيضًا ببعض النباتات العطرية الأخرى مثل الفل واللارينج، والنرجس، والريحان، والتي تدخل جميعها في صناعة الأدوية والعطور وينتهي بها المطاف في أفخم متاجر الشانزليزيه.

ربما يعجبك أيضا