صداع خطير في رأس الصين.. انتكاسات روسيا بأوكرانيا قد تعرقل بناء نظام عالمي جديد

رنا أسامة

مع تراجع القوات الروسية في أوكرانيا.. إلى أي مدى ستدوم صداقة بوتين وشي؟ وهل ستفلح خططهما لتشكيل نظام عالمي مناهض للغرب؟


رجحت شبكة “سي إن إن” الأمريكية أن تفسد ما قالت إنه انتكاسات روسية متتالية في أوكرانيا، خطط الصين وروسيا لبناء نظام عالمي جديد.

ويتزامن ذلك مع لقاء الرئيسين الصيني شي جين بينج، والروسي فلاديمير بوتين، اليوم الخميس 15 سبتمبر 2022، على هامش قمة منظمة شنجهاي للتعاون في أوزبكستان، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي.

شي وبوتين

حقبة جديدة

هذه المرة الأولى التي يغادر فيها الزعيم الصيني إلى آسيا الوسطى منذ أكثر من عامين، وذلك قبل شهر من اجتماع حاسم للحزب الشيوعي الصيني، يتوقع أن يرسخ مكانة شي بصفته أقوى زعيم للصين منذ ماو تسي تونج.

وأبدى الرئيس الصيني، خلال اللقاء، استعداد بكين لتقديم دعم قوي لروسيا في ما يتعلق بمصالحها الأساسية، في حين ندد بوتين بالمحاولات الغربية الرامية لإقامة “عالم أحادي القطب”، مشيدًا بما أسماه الموقف المتوازن لبكين بشأن أوكرانيا.

وحسب تحليل نشرته “سي إن إن”، اليوم الخميس، التقى بوتين وشي آخر مرة وجًها لوجه، 4 فبراير الماضي، على هامش انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وسط مقاطعة دبلوماسية غربية، وعندما كانت طبول الحرب تقرع في أوكرانيا. وأعلنا خلال اللقاء رؤيتهما لنظام عالمي جديد، من شأنه أن يستوعب مصالح دولهما أفضل، بعيدًا عن الهيمنة الغربية.

صداقة بلا حدود.. وقمة على صفيح الحرب

في بيان مشترك من 5 آلاف كلمة، بعد لقائهما في بكين، أعلن الزعيمان صداقة “بلا حدود”، وعرضا مظالمهما المشتركة تجاه الولايات المتحدة وحلفائها. وقالا إن العالم يمر بتغييرات بالغة الأهمية، مشيرين إلى تحول في بنية الحوكمة العالمية والنظام العالمي.

وبعد أكثر من 200 يوم على اللقاء، يلتقي شي وبوتين في قمة إقليمية تحتضنها مدينة سمرقند بجنوب شرق أوزبكستان، في خضم تغيرات جمة ربما لم تسر على النحو الذي توقعته الصين أو روسيا سابقًا. فبعد 3 أسابيع من اللقاء الأول، شن بوتين ما وصفه بعملية عسكرية في أوكرانيا، متوقعًا انتصارًا سريعًا. ولكن بعد 7 أشهر، “باتت القوات الروسية مجهدة وروحها المعنوية محطمة”، بحسب سي إن إن.

بوتين وشي

مصلحة ومجازفة

أشارت “سي إن إن” إلى أن التراجع الروسي في ساحة المعركة بأوكرانيا يقلق الصين، لوجود مصلحة مباشرة لها في الحرب، لا سيّما أن علاقتها توطدت مع موسكو أكثر من أي وقت مضى. ومن ثم فإن هزيمة روسيا في الحرب من شأنها أن تقوي شوكة الغرب، في حين تصبح أقل فائدة وموثوقية للصين في تنافسها مع الولايات المتحدة والقوى العظمى.

وقد تمثل الهزيمة الرزسية أيضًا مصدر إلهاء للولايات المتحدة، بما قد يمكن واشنطن من التركيز على نحو أكبر على بكين. ومن هذا المنطلق، ترى الشبكة أن شي يجازف بتعريض بلاده لعقوبات غربية وردود دبلوماسية قد تضر بمصالحها الخاصة، إذا واصل دعم بوتين في وقت حرج للزعيم الصيني، الذي تفصله أسابيع عن حصوله على فترة ولاية ثالثة مخالفة للمعايير، في المؤتمر 20 للحزب الشيوعي.

سابقة خطيرة

بالنسبة لبوتين، كانت الحرب في أوكرانيا على الأرجح خطوة أولى لإخراج بلاده من النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، كذلك فإن الاستيلاء السريع على أوكرانيا كان من الممكن أن يوجه ضربة موجعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويوسع نطاق نفوذ موسكو، ويغير على نحو كبير ميزان القوى في أوروبا لصالح روسيا، بحسب “سي إن إن”.

والانتصار الروسي كان من الممكن أيضًا أن يمثل سابقة خطيرة للصين التي تعهدت بدورها بالتوحد مع ديمقراطية الحكم الذاتي في تايوان، بالقوة إذا لزم الأمر، في حين تكثف نشاطها العسكري بالفعل حول الجزيرة. كذلك كان من المحتمل أن يعزز ذلك اعتقاد شي بأن الغرب آخذ في الانحدار، فيسارع بشن هجوم على تايوان، في حدث بالغ الأهمية قد يعيد ضبط ميزان القوى العالمي، إذا جرى.

مدرعة روسية

مصدر قلق

بيد أنه بدلًا من تخريب النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، أعادت الحرب الروسية الأوكرانية تنشيط حلف الناتو، ووحدت الغرب. بحسب الشبكة، وفي تلك الأثناء، يتصافح بوتين وشي في منطقة تلاقي الشرق بالغرب في سمرقند المحصنة، وفي وقت حرج للقوات الروسية التي تتقهقر في شمال شرق أوكرانيا، مع انسحابها خلال أسبوع من مناطق أكثر مما استولت عليها في 5 أشهر.

وفي حين أنه لا يزال من السابق لأوانه التكهن بما ستؤول إليه الحرب، فإن احتمال هزيمة روسيا مصدر قلق كافً للصين. وكما هزت الانتكاسة الروسية في أوكرانيا الأوساط السياسية داخل موسكو، من المحتمل أن تؤدي هزيمة بوتين في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار السياسي بالكرملين، ويحدث صداعًا خطيرًا في رأس الصين، على حد وصف “سي إن إن”.

شي وبوتين.. 38 لقاء

رغم أن تنامي العلاقات بين الصين وروسيا مدفوع أساسًا بتوترات كليهما مع الغرب، فإنه يبدو متأثرًا أيضًا بالعلاقة الشخصية الوثيقة بين شي وبوتين. وخلال عقده في السلطة، التقى شي ببوتين 38 مرة، وهو عدد أكثر من ضعف عدد المرات التي التقى فيها بأي زعيم عالمي آخر.

علاوة على ذلك، تقول “سي إن إن” إنه لا يوجد ما يضمن أن تكون روسيا دون “بوتين القوي” حريصة على السعي وراء صداقة “بلا حدود” مع بكين. ففي أسوأ السيناريوهات، قد تسعى موسكو لمصادقة الغرب، بما يزيد من مخاوف بكين طويلة الأمد من تطويق جيوسياسي أمريكي.

شي وبوتين

دعم ضمني

يصبح السؤال إذن: إلى أي مدى ترغب بكين في الذهاب لضمان إبقاء بوتين في السيطرة، كي تظل روسيا شريكًا أمنيًّا واستراتيجيًّا قويًّا لموازنة ثقل أمريكا؟ وامتنعت الصين عن التصويت ضد روسيا في الأمم المتحدة، وألقت بدلًا من ذلك باللوم على الناتو والولايات المتحدة في الحرب، كذلك انتقدت العقوبات الغربية على موسكو، وعززت مساعدتها اقتصاديًّا على نحو عزز التجارة الثنائية إلى مستويات قياسية.

وقال الزميل في مشروع القوة الصيني بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، بريان هارترت، إن الصين مستعدة لدعم روسيا، ضمنيًّا، سياسيًّا ودبلوماسيًّا وإلى حد ما اقتصاديًّا، ولكن الأمر لن يتعدى ذلك، كي لا تتضرر الأهداف الاستراتيجية الصينية. ووفق “سي إن إن”، تجنبت بكين انتهاك العقوبات الغربية على روسيا، لأن الوصول إلى الأسواق العالمية أمر حيوي لها، لا سيما في ظل المشكلات الاقتصادية.

غموض نسبي

أشار تحليل الشبكة الأمريكية إلى أن رحلة شي إلى آسيا الوسطى لا تقتصر فقط على إظهار الدعم لبوتين، ولكنها تهدف أيضًا إلى تقوية العلاقات في محيط الصين، وإعادة تأكيد نفوذ بكين العالمي.

ومنذ أن أسستها الصين في العام 2001 لمكافحة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود، لف غموض نسبي حول منظمة شنجهاي للتعاون لسنوات، في حين تمددت في عهد شي ومنحت الهند وباكستان عضويتها في عام 2017، ويتوقع أن تمنحها إيران أيضًا في قمة سمرقند، وذلك بعد أعوام من وضعها على قائمة انتظار كمراقب، وفقًا لتقارير إعلامية صينية.

منظمة شنجهاي للعاون

تكتل مناهض للغرب؟

بينما تمضي الصين وروسيا في تعميق علاقاتهما مع إيران، التي أجرت 3 مناورات بحرية مشتركة معهما منذ عام 2019، فإن انضمامها المتوقع إلى منظمة شنجهاي للتعاون من شأنه أن يثير مخاوف من تحول التجمع إلى تكتل مناهض للغرب.

وفي المقابل، يرى خبراء أن الوضع الحالي للمنظمة لا يؤهلها لأن تصبح منصة مثالية للصين وروسيا، من أجل دفع نظام عالمي مناهض للغرب، نظرًا لكونها تكتلًا إقليميًّا أضعف بكثير من الاتحاد الأوروبي، أو رابطة دول جنوب شرق آسيا.

انتكاسة لخطط شي

مع ذلك، رجت الشبكة الأمريكية أن يستخدم شي قمة سمرقند ليُظهر للصينيين وللعالم كله، أنه بالرغم من عزل الصين دبلوماسيًّا عن الغرب، لديها أصدقاء وشركاء وعازمة على تولي مزيد من القيادة على المسرح العالمي. ولكن إذا خرجت روسيا من الحرب في أوكرانيا مهزومة، فقد يحدث ذلك انتكاسة لخطط الزعيم الصيني.

وقال هارت، إن الصين ليس لها حقًا أي شركاء أقوياء، بخلاف روسيا، وذلك على عكس الولايات المتحدة التي تملك حلفاء عديدين من أوروبا والهندوباسيفيك، مشيرًا إلى أن ما يقلق بكين هو أن توسع موسكو نفوذها بما يقوض الجهود الجماعية لتشكيل نظام عالمي جديد.

ربما يعجبك أيضا