صلاح السعدني.. «عمدة الفن» الذي نسج ببراعته تاريخًا لا يُنسى

نادية عبد الباري

بأدوار كثيرة، حفر صلاح السعدني اسمه في قلوب محبيه، ليصبح عمدة الفن، حسب ما لقبه جمهوره، فما أبرز المراحل في حياة صلاح السعدني؟


«عمدة الدراما المصرية» لقب اتصف به الفنان القدير صلاح السعدني عن جدارة واستحقاق بين أبناء وسطه من الفنانين، ومحبيه أيضًا.

والعمدة سليمان غانم، في مسلسل ليالي الحلمية، الذي اشتهر بعباءته وظلت لصيقة بصلاح السعدني داخل وخارج الشاشة الصغيرة، رغم غيابه عن الساحة الفنية نحو 10 سنوات فإن اسمه ظل راسخًا في أذهان جمهوره ومحبيه.

السعدني وشخصية المثقف

صلاح السعدني، الذي ولد في أربعينات القرن الماضي، وعاش ما عصف بالمحروسة نحو 8 عقود، لم تخلق منه فنانًا ومبدعًا فقط، جعلت منه مثقفًا من طراز رفيع، فابن محافظة المنوفية ذات خلفية ثقافية راسخة، استمدها من شقيقه الكاتب الساخر والشاعر الكبير محمود السعدني.

وكان يقول عن أخيه دومًا: “إن محمود أبي الذي لم تلده جدتي”، الأمر الذي ألهم صلاح بالإفصاح عن موهبته ورغبته في دخول مجال التمثيل. وكغيره من أبناء جيله عرف طريق التعبير عن الموهبة من خلال مسرح جامعته.

وبالفعل التحق بمسرح كلية الزراعة التي كان طالبًا بها، ولحسن حظه كان الزعيم عادل إمام هو رئيس فريق التمثيل حينها، ورافقه الراحل سعيد صالح من مسرح كلية الآداب، ليكتمل بهم المثلث الفني العملاق، الذي أفصح عن نفسه وتفجرت موهبته، فلفتوا أنظار كل من شاهدهم.

562

صلاح السعدني

حلم الثقافة لا النجومية

قدّم عمدة الدراما المصرية، على مدار مسيرته الفنية، التي استمرت أكثر من 6 عقود، ما يزيد على 200 عمل متنوع، وشخصيات أكثر تنوعًا، إلا أن الشخصية الأكثر ارتباطًا به لدى الجماهير، وتتجدد صلتهم بها كلما عُرضت هي شخصية نصر وهدان القط.

وتلك الشخصية جسدها في مسلسل “حلم الجنوبي”، فظهر من خلاله الشخص المثقف، الذي يحافظ على تاريخ بلده، ويحارب أي تشويه يصيبه، ويحاول من خلال مهنته كمعلم للأجيال، تعريف الطلاب بحضارتهم للتمسك بمفردات أصالتهم.

الثقافة لدى السعدني إرث وشغف

الثقافة لدى العمدة صلاح السعدني، ليست مجرد إرث، فقد كان منتبهًا جيدًا لضرورة أن يكون الممثل على وعي كامل بكل ما يحدث حوله، ولذا يعبر صلاح عن نفسه كاتبًا: “تكون مثقفًا موهوبًا خير من أن تكون نجمًا أحمق، فليس كافيًا أن يملك السعدني الموهبة أو مهارات في الأداء والحركة التمثيلية”.

558وحسن أرابيسك، ورث الكثير عن شقيقه، فتجلى ذلك في حبه للقراءة والاطلاع على الألوان الأدبية المتنوعة، فاحتفظ لنفسه بمكتبة مليئة بالكتب والمؤلفات في مختلف التخصصات والمجالات، ظلت سنوات تغنيه عن الظهور في المناسبات الفنية أو ملاحقة الأضواء كغيره من الفنانين، وكان منزله بمثابة صالون ثقافي.

صحبة الوسط الثقافي صنعت السعدني

لم يكن العمدة منجذبًا للقاءات الفنانين والسهرات الخاصة بهم، فقد كان يفضل أن يرافق شقيقه للقاء المثقفين أمثال كامل الشناوي وزكريا الحجاوي ونعمان عاشور وألفريد فرج وعبدالرحمن الخميسي، وغيرهم من الكتاب والنقاد صناع الوعي في القرن العشرين عبر مقهى “متاتيا” بميدان العتبة، ومقهى محمد عبدالله بالجيزة.

وفي تلك الجلسات شهد صلاح السعدني معارك ثقافية عديدة، كان لها أثر كبير في تكوين وجدانه الثقافي، ورغم الرصيد الكبير لصلاح السعدني فإنه لم يحسب عليه يومًا البحث وراء النجومية المطلقة وتصدر الأفيشات أمام السينمات وأعالي الطرق.

وكانت له مقولة شهيرة تلخص نظرته إلى الشهرة والنجومية، فيقول، في لقاء له مع شقيقه نشره حفيده أكرم البزاوي، عبر موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك: “إن للفن وظيفة اجتماعية، وأعي تمامًا هذا الدور، وبالتالي فإن اختياراتي نابعة من هذا الوعي، فأنا لست (أراجوزًا) ولا مهرجًا في سيرك”.

554والفن عند السعدني رسالة سامية ورحلة مضنية في تخليد اسم صاحبها، فكان حريصًا طوال مشواره على اختيار مشاركاته الفنية بعناية وتدقيق بالغين لترك بصمة تعيش إلى الأبد، فمثلًا مسلسل القاصرات عام 2013، الذي يعد آخر أعماله، غيَّر القوانين إلى ما يحمي القاصرات من التزويج الجبري دون السن والرغبة.

 

ربما يعجبك أيضا