صندوق الثروة السعودي ينهي عصر المال السهل

إسراء عبدالمطلب
صندوق الثروة السعودي ينهي عصر المال السهل

في إطار سعي المملكة العربية السعودية لبناء استثماراتها الخارجية بسرعة لتحقيق هدف 24% من محفظتها الاستثمارية، حققت نجاحات كبيرة من خلال صفقات بارزة، بما في ذلك ضخ 45 مليار دولار في صندوق رؤية سوفت بنك في عام 2016 و20 مليار دولار في صندوق البنية التحتية بلاكستون في العام التالي.


على مدى العقد الماضي، أصبحت المملكة العربية السعودية وجهة مفضلة لصانعي الصفقات والمصرفيين ومديري الأصول الذين يسعون للحصول على تمويلات ضخمة.

وكان صندوق الثروة السيادي الطموح في المملكة يقوم بجولات إنفاق عالمية بمليارات الدولارات، ولكن مع إعادة المملكة لترتيب أولوياتها، وتوجيه صندوق الاستثمارات العامة الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار نحو التزامات محلية كبيرة، يبدو أن حقبة السعودية كمصدر رئيسي للأموال السهلة تقترب من نهايتها.

صندوق الثروة السعودي ينهي عصر المال السهل

صندوق الثروة السعودي ينهي عصر المال السهل

إعادة هيكلة

نقلت صحيفة فايننشيال تايمز، في تقرير نُشر اليوم الثلاثاء 20 أغسطس 2024، عن أحد كبار المصرفيين الاستثماريين في دبي أن “الوضع يتغير، والناس بدأوا في إدراك ذلك”، وبدأ مديرو صناديق الاستثمار والمصرفيون والشركات التي كانت تبحث عن رأس المال في المملكة، يشعرون بتأثير هذا التحول فالمسؤولون السعوديون أصبحوا يفرضون شروطًا جديدة، بما في ذلك توظيف موظفين محليين واستثمار جزء من التمويل في الشركات والمشاريع المحلية.

وحسبما نقلت الصحيفة عن المصرفيين، تلقت بعض الشركات تحذيرات بأن الرياض تريد أن ترى إعادة الاستثمار في المملكة قبل أن تقدم أموالًا جديدة، كما أوضح أحد المطلعين في صندوق الثروة السيادية أن “الأمر لم يعد كما كان من قبل”.

صندوق الاستثمارات العامة السعودي

أعلنت شركة بلاك روك لإدارة الأصول الأمريكية في أبريل الماضي، عن تأمين 5 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي لتأسيس شركة استثمارية جديدة في الرياض، ولكن هذا التفويض يركز بشكل رئيسي على تطوير أسواق رأس المال في المملكة.

وأفاد صندوق الاستثمارات العامة في بيان لصحيفة فاينانشيال تايمز بأنه يمتلك “عملية استثمار قوية” تتيح له “اختيار الشركاء والمستشارين الأكثر ملاءمة لكل مهمة”، مشددًا على أن “استثمارات الصندوق تمر عبر عملية تضم لجانًا متعددة، وتركز على القطاعات الرئيسية وفقًا لمهمة الصندوق واستراتيجيته”.

التحولات المالية في الرياض

أشار المصرفيون إلى أن الشركات لم تعد تتوجه إلى الرياض بحثًا عن السيولة بنفس الوتيرة السابقة، وهذا يمثل تناقضًا واضحًا مع السنوات الأولى لتحول صندوق الاستثمارات العامة من شركة قابضة تابعة للدولة بأصول قيمتها حوالي 150 مليار دولار في عام 2015 إلى واحد من أنشط وأطمح صناديق السيادة في العالم.

قاد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذا الإصلاح، حيث تولى رئاسة الصندوق في عام 2015، وأعطاه مهمة توجيه خطط الرياض التي تبلغ قيمتها تريليون دولار لتنويع الاقتصاد وإبراز المملكة على الساحة العالمية.

صفقات بارزة

في إطار سعي المملكة لبناء استثماراتها الخارجية بسرعة من الصفر تقريبًا إلى تحقيق هدف 24% من محفظتها الاستثمارية، وحققت نجاحات كبيرة من خلال صفقات بارزة، بما في ذلك ضخ 45 مليار دولار في صندوق رؤية سوفت بنك في عام 2016 و20 مليار دولار في صندوق البنية التحتية بلاكستون في العام التالي.

وعلى مر السنين، استثمرت المملكة أموالًا طائلة في مجموعة متنوعة من القطاعات، بدءً من شركة صناعة السيارات الكهربائية لوسيد إلى مشاريع رياضية مثيرة للجدل مثل LIV Golf، وشركات السياحة، والتعدين، والأصول الرياضية، وشركات الألعاب، كما ضخت المملكة عشرات المليارات من الدولارات في أسواق الأسهم الأمريكية والأوروبية، واستثمرت 2 مليار دولار في مشروع خاص أنشأه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.

وتزامن هذا النشاط مع شح السيولة في أجزاء أخرى من العالم، ما جعل السعودية ودول الخليج الأخرى الغنية بالنفط مصدرًا رئيسيًا للتمويل، وازداد هذا الشعور بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة، ما ساعد المملكة على تحقيق فائض في الميزانية عام 2022 وهو الأول لها منذ عقد تقريبًا.

تضييق قبضة الإنفاق الخارجي

مؤخرًا، خفضت المملكة إنتاج النفط لمحاولة استقرار أسعار الخام المتراجعة، ما أثر على إيرادات الحكومة وأعاد الميزانية إلى العجز في وقت تواجه فيه الرياض التزامات مالية ضخمة لتمويل خطط التنمية، ويقول المصرفيون إن الصفقات لم تعد تحقق نفس النجاح.

حسب الملفات المقدمة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، انخفضت قيمة الأسهم المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة في الولايات المتحدة من حوالي 35 مليار دولار في نهاية عام 2023 إلى 20.5 مليار دولار في نهاية يونيو، وشمل ذلك بيع حصته في شركة بلاك روك وتخليص حيازاته في شركات أخرى.

ورغم ذلك، يقول المسؤولون السعوديون إن طموحات المملكة لم تتغير ولا يزال هناك نشاط كبير جارٍ، وقال وزير المالية، محمد الجدعان في مؤتمر عقد في أبريل إن الرياض ستتأقلم حسب الحاجة، مضيفًا: “سنمدد بعض المشاريع ونقلص بعضها ونسارع في تنفيذ البعض الآخر”.

الأولويات السعودية الجديدة

أشار مسؤول تنفيذي في شركة إدارة أصول أمريكية إلى أن الأمير محمد يركز على تطوير البنية التحتية، مضيفًا: “تحولت السعودية بشكل ملموس نحو مشاريع النمو المحلي، ولديهم طموح جريء لما يريدون أن يصبحوا عليه”. وفي لندن، ذكر مصرفي آخر أنه مع توقعات التمويل “التي ليست مريحة كما يريدونها، يتعين عليهم اتخاذ بعض الخيارات الصعبة”. قائلًا: “إنهم أكثر نضجًا الآن ولا يخاطرون بالمال، لكن هذا يعني أن العمل أصبح أقل ربحية للمصرفيين”.

وأضاف أن السعوديين سئموا من التعامل معهم باعتبارهم مجرد مصدر للمال، وأصبحوا متشككين فيمن يسعى للحصول على الرسوم “يريدون من الناس أن يبذلوا قصارى جهدهم”، لافتًا إلى أن التغيير في الوتيرة هو “قضية دورية” تتماشى مع انخفاض عائدات النفط، مشيرًا إلى أن جاذبية السعودية على المدى الطويل “لا تزال قوية جدًا لأن لديهم الكثير ليلحقوا به من منظور التنمية”.

الاستثمارات الاستراتيجية

قال المصدر المطلع في صندوق الاستثمارات العامة للصحيفة، إن الصندوق يركز الآن بشكل أكبر على الاستثمارات الاستراتيجية بدلاً من نشر الأموال بسرعة كما كان في الماضي. وقال مسؤول تنفيذي سعودي: “هناك توقف في الإنفاق، ومن المؤكد أن الاستثمارات العالمية لن تكون بارزة خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة”. ومع ذلك، أوضح أن هناك استثناءات، خاصة في المجالات التي تضيف قيمة للمملكة، مثل التصنيع والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.

وأخيرًا، أشار المسؤول التنفيذي إلى أن الإنفاق داخل المملكة يستمر بقوة، حيث يستهدف صندوق الاستثمارات العامة استثمار ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويًا داخل المملكة، ويشرف على مشاريع ضخمة ويطور صناعات جديدة، بما في ذلك السياحة والرياضة والتعدين والتصنيع.

تطور وليس تغيير

أشار المصرفيون إلى أن الشركات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، مثل شركة الرياض للطيران، وشركة الألعاب سافي، وشركة التعدين معادن، تقوم بمعظم الاستثمارات بنفسها لتحقيق أهدافها، وأضاف مصرفي مقيم في دبي: “هناك الكثير من النشاط في شركات محفظة صندوق الاستثمارات العامة، وليس على مستوى صندوق الاستثمارات العامة”.

وأوضح أن محافظ المصرفيين ستتحول بشكل أكبر من صفقات الاستثمار إلى التمويل مع قيام الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة بجمع الديون فقد جمعت الرياض حوالي 37 مليار دولار هذا العام حتى الآن. مضيفًا: “هذا ليس تغييرًا في الاستراتيجية بقدر ما هو تطور”.

ربما يعجبك أيضا