ضربات الترجيح.. رحلة بين الحظ والعلم والألعاب النفسية

حسام الدين صالح
ركلات الترجيح والرحلة بين الحظ والعلم

بدأت ركلات الترجيح مع رحلة كرة القدم بشكل رسمي في سبعينيات القرن العشرين، وشهدت خلال هذه الفترة تطورات على مختلف الأصعدة، ودعمها العلم وتحفيز الصراع بين الحارس والمسدد على لقب الأفضل.


ارتبطت ركلات الترجيح في كرة القدم بعامل الحظ على مر العقود الماضية، قبل أن تدخل التكنولوجيا في عالم الرياضة بشكل عام، وتتدخل التكنولوجيا لتحليل أداء الفرق وخصومها، وتفتح الطريق أمام رفع نسبة النجاح في التسديد والتصدي على حد سواء.

ساهم تحليل الأداء بنسبة كبيرة في تقليل نسبة الخطأ بالنسبة للحراس، وفي الوقت نفسه ساعد اللاعبين على تحسين طريقة تسديدهم من أجل زيادة نسبة النجاح في إسكان الكرة الشباك، ليتوقف الأمر في النهاية على مدى مهارة اللاعب في التنفيذ ودقة الحارس في التصدي.

بداية ركلات الترجيح

ارتبط اسم ابتكار ركلات الترجيح وتنفيذها بالحكم الألماني السابق كارل فالد، الذي قدم الفكرة للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» بمعظم تفاصيلها الحالية في عام 1970، إلا أن وسائل الإعلام تحدثت عن شخص آخر اقترح فكرة ركلات الترجيح ونفذها بالفعل في بطولات ودية إسبانية.

وأشارت تقارير صحفية إسبانية إلى أن الصحفي وإداري فريق قادش، رافائيل بايستر سيييرا، كان أول من اقترح الاعتماد على ركلات الترجيح من أجل حسم الفائز بالمباريات في عام 1958، ونفذها في منافسات كأس رامون دي كارنزا الودي في 1962، خلال مباراة جمعت بين برشلونة وسرقسطة، وانتهت بفوز الفريق الكتالوني بالفكرة المبتكرة وقتها.

الاعتماد الرسمي في البطولات الكبرى

اعتمد الاتحاد الدولي نظام ركلات الترجيح في البطولات التي تقام تحت مظلته، وتبعه الاتحاد الأوروبي «يويفا»، ولكن دون الاحتكام لها في المباريات النهائية، قبل أن تعتمدها مختلف البطولات بكامل أدوارها بعد إثبات نجاحها.

الاحتكام  لركلات الجزاء حدث لأول مرة في نهائي منافسات كأس الأمم الأوروبية عام 1976، وكانت المباراة بين ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا، وانتهت بفوز الأخيرة بضربات الترجيح، والتي حسمها النجم الشهير أنتونين بانينكا بركلته الشهيرة، والتي تحمل اسمه حتى الآن.

في منافسات كأس العالم كانت مباراة ألمانيا وفرنسا في نسخة 1982 هي الأولى التي حسمت بركلات الجزاء، بينما كانت البرازيل أول بطلة للعالم عن طريق الضربات الحاسمة على حساب إيطاليا، وذلك في نسخة الولايات المتحدة 1994.

العلم وتسديد ركلات الترجيح

كانت ضربات الجزاء خليطًا بين الحظ والمهارة والثبات الانفعالي للمسدد أو المتصدي، قبل أن تتدخل التكنولوجيا، في محاولة لتقليل نسبة الخطأ من الطرفين، وتكون بمثابة قيمة مضافة لكل فريق في لحظات المباراة الحاسمة.

وتشير إحصائيات موقع «إنستات» الشهير إلى أن 76% من ركلات الجزاء التي سددت خلال القرن الـ21 سكنت الشباك، بينما قامت بدراسة على المتخصصين في هذا النوع من الركلات ونسبة نجاحهم.

ضمت الدراسة نجوم بحجم كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي وزلاتان إبراهيموفيتش وإيدين هازارد، وكان الأخير هو صاحب أعلى نسبة نجاح بين الأسماء المذكورة بواقع 88% من إجمالي 57 تسديدة انبرى له على مدار مسيرته حتى الآن.

كتاب يجيبك عن فنيات التسجيل

اهتمت دراسات أخرى بتحليل أكبر عدد ممكن من ركلات الجزاء لمعرفة أفضل مكان لتسديد الركلة وزيادة نسبة إسكانها الشباك، وهو ما استعرضته دراسة للباحث كين براي في كتابه «كيف تسجل: العلم واللعب الجميل» بالتعاون مع جامعة باث.

وأشارت الدراسة إلى أن المنطقة الأصعب على الحراس هي أقصى الزاويتين اليمنى واليسرى للحراس، وتتجاوز نسبة إسكانها الشباك حاجز الـ80% حسب الدراسة، إلا أنها تحتاج لتدريب متواصل من اللاعبين ومهارة كبيرة من أجل إسكانها الشباك وعدم إهدارها خارج المرمى.

تحليل الأداء والتصدي للركلات

على صعيد التصدي، أسهم تحليل أداء الخصوم في رفع نسبة تصدي الحراس لركلات الترجيح بشكل واضح، وأعطاهم أفضلية نسبية على الخصوم، بفضل معرفتهم للزوايا المفضلة للمسدد، وعدد المرات التي سددها في كل زاوية، وهو ما يسهل من مهمته إلى حد ما في محاولة التصدي للكرات.

وشهدت البطولات الكبرى مؤخرا تدوين الحراس لأماكن تسديد أبرز نجوم الخصم قبل الدخول إلى مرحلة ركلات الترجيح على زجاجة المياه أو مشروب الطاقة، ومنهم الحارس الإنجليزي جوردان بيكفورد في كأس الأمم الأوروبية 2020 وكأس العالم 2018، والحارس المصري محمد أبو جبل في كأس الأمم الأفريقية 2022، بين آخرين.

يضاف إلى ذلك الثبات الانفعالي للحراس في لحظات التصدي للكرات، وقدرتهم على التلاعب بأعصاب الخصم، وهو ما يتميز فيه الفترة الحالية حارس المنتخب الأرجنتيني وأستون فيلا، إيميليانو مارتينيز، الذي تألق في التصدي لركلات جزاء وترجيح في أكثر من مناسبة، بعد الضغط والتأثير نفسيًا على المسدد مع فريقه ومنتخب بلاده.

ربما يعجبك أيضا