عادل إمام و«فلسفة موليير».. كيف تمكن الزعيم من فك قيود السلطة؟

أحمد العشري
عادل إمام والسينما والسياسة والمصنفات الفنية

النزوع إلى الخلود شعور طبيعي يتملكنا جميعًا، نحاول تحقيقه طوال مشوارنا في الحياة بتركنا تأثيرًا في العالم أو بمن حولنا راغبين في أن يظل اسمنا موجودًا على الدوام حتى بعد رحيلنا، فأمريكا لديها آينشتين وهتشكوك، والعالم العربي لديه مجدي يعقوب وزويل وطه حسين وأيضًا عادل إمام.

عادل إمام الذي نحتفل هذا اليوم 17 مايو بعيد ميلاده الـ 84، وعلى مدار أكثر من 60 عامًا استطاع أن يخلد أسمه بوصفه أحد أهم رموز مصر والعالم العربي، فهو ليس مجرد ممثل أو نجم لامع في سماء الفن المصري والعربي، فهو شخص وصل صيته لرؤساء جمهوريات وأمراء وملوك.

الفنان عادل إمام يمتلك شعبية طاغية في العالم، أفلامه وصلت إلى كل مكان حتى السجون الإيطالية والإسرائيلية، لمكانته الكبيرة وتأثيره تعرّض لمحاولات اغتيال، كانت أعماله بمثابة رسائل أسهم بها في محاربة الإرهاب وتسليط الضوء على سلبيات وأيضًا إيجابيات تخص المجتمعات أو الأفكار الخاصة بها.

عادل إمام

عادل إمام

إقرأ أيضًاصور نادرة| في عيد ميلاده.. من هي المرأة التي خطفت قلب عادل إمام؟

عادل إمام فنان بدرجة سياسي

عاصر الفنان عادل إمام في مشواره الفني فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر وبعده محمد أنور السادات ثم حسني مبارك وأخيرًا الرئيس عبد الفتاح السيسي، طوال هذه الفترة استطاع بذكائه تصدر المشهد الفني كواحد من أهم النجوم على الساحة، فاللعب على الحبال هو منطقه الذي جعله يصل إلى هذه المكانة الكبيرة منفردًا، لتظل علاقته بالسلطات والسياسة بشكل عام طريقًا متلازمًا لمشواره في تاريخ الفن.

عادل إمام

عادل إمام

فلم ينتقد فنان الحكومات المتعاقبة بالقدر الذي فعله الزعيم، ولم يُحدث فنان ضجيجًا في مقاومته الرقابة كما فعل، لتمثل أفلامه رحلة الفرد في مواجهة السلطة، لنستطيع أن نعتبرها ملخصًا لسيرته الذاتية كشخص بدأ حياته يساريًا، ومن ثم تقلب بين الأحزاب والتيارات السياسية حتى وجد ضالته في ألا ينتمي لفكرة محدد أو تيار يحسب عليه، إنما أن يخوض رحلة فنية مليئة بالإبداع والذكاء.

الزعيم عادل إمام كان له منطقة وفلسفته التي يسير بها في مشوار حياته حسب ما ذكر في أحد البرامج التلفزيونية، مستنسخًا تجربة الكاتب المسرحي “موليير”، الذي قرر أن يحتمي بالسلطة من أجل الحصول على بعض الحرية في مواجهة بعضهم، ولذلك كان من السهل دائمًا أن ترى عادل إمام يهاجم السلطة بأعماله الفنية وتمر من الرقابة على المصنفات الفنية دون منعها أو حذفها، وفي الحقيقة واللقاءات الرسمية يظهر كمؤيد وصاحب علاقات قوية مع رموزها وكبار رجال الدولة.

عادل إمام

عادل إمام

إبراهيم سعدة الضربة التي أفاقت الزعيم

في بداية بزوغ نجم عادل إمام وخاصةً بمنتصف السبعينيات وقع الزعيم في فخ النجومية ليتعرض بسببه لتجربة مؤلمة ساهمت في إفاقته والتركيز دائمًا في قراراته ومواقفه، وكانت هذه التجربة مع إبراهيم سعدة رئيس مجلس إدارة جريدة أخبار اليوم وقتها الذي دخل في خلاف معه؛ بسبب رغبة سعدة أن يقوم الزعيم بخوض بطولة عمل من تأليفه إلا أنه رفض وقال إنها لا تعجبه.

وقرر بعدها سعدة شن حملة صحفية كبيرة ضد عادل إمام وصلت إلى حظر اسمه من أي خبر في الوقت التي كانت الصحافة فيه هي المنبر الأساسي للانتشار، ومنها أدرك إمام الكنز في علاقته مع السلطة واللعبة ليست بالنجومية والجماهيرية ولكن بالسياسة وأخذ هذه الضربة كالعصا التي تقوده في مشواره الفني خاصةً في الرئيس الراحل محمد حسني مبارك الذي لم يترك له مؤتمرًا أو لقاءً إلا وكان أول الحاضرين والمؤيدين لقراراته.

إقرأ أيضًاخاص لـ«رؤية»| يسرا توجه رسالة خاصة لـ عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده

عادل إمام من فيلم الإرهاب والكباب

عادل إمام من فيلم الإرهاب والكباب

ونتج عن هذه العلاقة القوية سلسلة من الأعمال المهمة التي سلطت الضوء على قضايا كثيرة تخص مصر من بينها: الإرهاب والكباب وطيور الظلام واللعب مع الكبار وعريس من جهة أمنية، ولكن كان هناك أيضًا أعمال أخرى قدموا فيها جرعة سياسية لم يكن يسمح به نظام مبارك والرقابة على المصنفات الفنية لولا علاقات عادل إمام بالرئيس.

إقرأ أيضًاخاص لـ«رؤية»| شيرين تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: ربنا ميحرمناش منك

عادل إمام شاهد ماشافش حاجة

فعلى طريقة سرحان عبد البصير في شاهد ما شافش حاجة كان يتعامل عادل مع الرقابة على المصنفات الفنية، فدائمًا ما كان يرمي القرار عند الرئيس أو كبار رجال الدولة، وبدأ الأمر عندما جاء يقدم ثاني بطولاته المسرحية التي نستشهد بها “شاهد ما شافش حاجة”، وفيها كان إمام ينتقد موكب رئيس الجمهور الذي كان محمد أنور السادات وقتها، مما جعل الرقابة تنتفض وتسن سكاكينها عليه لوقف عروض المسرحية، ليأتي تصرف الزعيم بذكائه ويقوم بدعوة الرئيس نفسه وأسرته لحضور العرض، وبالفعل حضروا جميعًا لتسكت بعدها الرقابة.

عادل إمام من مسرحية شاهد ماشفش حاجة

عادل إمام من مسرحية شاهد ماشفش حاجة

الاختبار الحقيقي لذكاء عادل إمام السياسي كان عام 2004، بسبب فيلمه عريس من جهة أمنية والذي كان وزير الداخلية وقتها حبيب العادلي رافضًا له تمامًا، ولم يكن أمام الزعيم إلا اللجوء للرئيس مبارك بنفسه والذي تجاهل قرار وزيره والرقابة من أجل إرضاء إمام، وأجاز بطرح العمل ليحقق عادل نجاحًا وانتصارًا كبيرًا وقتها مؤكدًا نظريته التي انتهجها من الكاتب المسرحي “موليير”.

عادل إمام من فيلم السفارة في العمارة

عادل إمام من فيلم السفارة في العمارة

إقرأ أيضًاموعد وأماكن عرض فيلم زهايمر لـ عادل إمام في مصر بمناسبة عيد ميلاده

عادل إمام ولعبه مع الرقابة على المصنفات الفنية

لم تكن فترة الرئيس حسني مبارك هي الوحيدة الشاهدة على ذكاء الزعيم السياسي، فكما ذكرنا سابقًا فمنذ الدرس الذي أخذه من سعدة فهو يعرف جيدًا كيف يمرر نفسه من المحظور، فمن ينسى مشهد الصحفي المشاغب الذي يهجم على فهمي الكاشف “الفنان فريد شوقي” رجل الأعمال الفاسد، ويقتله أمام رجاله وحراسه في شركته، ثم يجلس على مقعده وينادي: فين البوليس؟ هاتولي البوليس؟

هذه النهاية الخاصة بفيلم الغول الذي عرض في 1983، لم تنل إعجاب الرقابة وقتها؛ لأنهم رأوا بأن هذا المشهد يتشابه مع حادثة اغتيال الرئيس محمد أنور السادات وسط حراسه، فقرروا إيقاف الفيلم قبل ساعات فقط من طرحه في دور العرض، وذهب وقتها الجمهور لمشاهدة العمل وجدوه غير متوفر وعلموا بعد ذلك أن الرقابة منعته.

فيلم الغول

فيلم الغول

فيلم الغول والصدام الأكبر

ومن جانبه، ذكر الناقد الفني سمير فريد في كتابه الشهير «تاريخ الرقابة على السينما في مصر»، أن فيلم الغول لعادل إمام منع بسبب تشابه مشهد نهايته وهو اغتيال فريد شوقي في العمل وبين حادثة اغتيال الرئيس السادات، ولكن بعد أسابيع قليلة تراجعت عن قرارها وسمحت بعرض العمل في السينمات.

وخرج أيضًا مؤلف العمل الكاتب والسيناريست الراحل وحيد حامد ولفت إلى أن صدامه الأكبر مع الرقابة كان في فيلم الغول، خاصةً وأنه فيه كان حريص على توضيح رؤيته لمرحلة الانفتاح وفساد رجال الأعمال في عهد السادات، لتخرج المصنفات وقتها وتكتب تقريرها بأن العمل يجعل الطبقات الاجتماعية تعادي بعضها وضد النظام القائم في البلد.

وحيد حامد وعادل إمام من كواليس أحد أعمالهم

وحيد حامد وعادل إمام من كواليس أحد أعمالهم

إقرأ أيضًا: إسعاد يونس تحتفل بعيد ميلاد عادل إمام على طريقتها الخاصة

«إحنا بتوع الأتوبيس ياخوانا»

فيلم الغول لم يكن أول الأعمال الصدامية مع المصنفات، فسبقها أعمال أخرى من بينها فيلم إحنا بتوع الأتوبيس الذي عرض في نهاية السبعينيات، ويعتبر أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، والذي قدمه عادل مع الفنان القدير الراحل عبدالمنعم مدبولي والمخرج حسين كمال.

جاء صدام فيلم إحنا بتوع الأتوبيس مع الرقابة؛ بسبب تناوله أحداث التعذيب في السجون خلال فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليستعرض العمل قصة شخصين من عامة الشعب ليس لديهم أي نشاطات سياسية، تدفعهم الصدفة لشن مشاجرة في أتوبيس نقل عام، فيقبض عليهم ومن ثم يتم نقلهم إلى المعتقل السياسي.

عادل إمام وعبد المنعم مدبولي من فيلم احنا بتوع الأتوبيس

عادل إمام وعبد المنعم مدبولي من فيلم احنا بتوع الأتوبيس

هذه القصة قدمها السيناريست فاروق صبري، مأخوذة عن قصة حقيقية من للمؤلف جلال الدين حمامصي، وحينما تم عرض الورق على الرقابة ظل معلقًا لـ 10 سنوات حتى تم الإفراج عنه عندما أصبحت الأجواء السياسية مناسبة، ولكن بعد عرض الفيلم ثار ضده الناصريين وتسبب في موجة غضب كبيرة وقتها.

طريقة اللعب مع الكبار

انتهج الزعيم في مشواره الفني نظرية موليير التي مكنته أن يتربع على القمة والعرش على مدار سنوات طويلة، فكان يعرف جيدًا كيف يرضي جميع الأطراف سواء من ناحية الدولة أو الجمهور والشارع الذي يراه ممثلًا لصوتهم ورغباتهم من خلال أعماله.

فالأعمال التي تسببت في صخب ومواقف مع الرقابة كثيرة ليست ما تم ذكرها فقط، فلا ننسى «5 باب» الذي تم إيقافه من وزير الثقافة بنفسه وقتها قبل أن يسمح بعرضه بعد ذلك، وكذلك فيلم «عنتر شايل سيفه»، ومن ثم فترة التسعينيات الأكثرة اقترابًا من إمام بالسياسة، فقدم فيها «الإرهابي» مع الكاتب القدير الراحل لينين الرملي.

اللعب مع الكبار

اللعب مع الكبار

ويعتبر الإرهابي دعم رسمي من عادل للدولة في حربها ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة بدعم رسمي من الدولة، ورعاية وحماية من دور العرض، وحسب كتاب «السينما والسياسة» لـ الكاتب علي أبو شادي فتم توفير تأمينات خاصة للعاملين به تمثيلًا وإخراجًا وإنتاجًا، ومن ينسى أيضًا: أهم أفلام الزعيم مع وحيد حامد وشريف عرفة مثل «اللعب مع الكبار، والمنسي، وطيور الظلام، والإرهاب والكباب، والنوم في العسل» وأيضًا مسرحية الزعيم.

الزعيم وكسر التابوهات الثلاثة

المشوار الطويل والكبير الذي قدمه عادل إمام وضحى فيه بالكثير من الأمور الخاصة بحياته الشخصية وتعريضه لنفسه للعديد من المخاطر تجعله في مكانة بعيدًا تمامًا عن أي فنان غيره، فلا يمكن لممثل آخر صنع نصف ما قدمه الزعيم، فبكل دهاء وحنكة استطاع تجاوز الخطوط الحمراء، فيقال إن هناك ثلاث تابوهات ومحرمات لا يجب حتى محاولة الاقتراب منها الدين والجنس والسياسة.

ولكن هذه القاعدة استطاع كسرها عادل وتعامل معها بطريقته الخاصة، فقدم العلاقة بين المسلمين والأقباط دون أي تخوف من حملات دينية في فيلمه «حسن ومرقص» الذي عرض عام 2008، وعلى الرغم من خطورة الأمر والمجاذفة بحدوث فتنة طائفية، إلا أنه استطاع تحقيق نجاح بالعمل والمرور به إلى مر الأمان.

حسن ومرقص

حسن ومرقص

عادل إمام الذي نحتفل بعيد ميلاده الـ84 هذا اليوم 17 مايو 2024، قدم للفن المصري الكثير والكثير، وكل هذا في النهاية لمصلحة الجمهور سواء من حضروا رحلة نجاحه أو الجيل الحالي أو حتى الأجيال القادمة، فستظل أعماله خالدة وسيرته سيحكى عنها دائمًا كواحد من رموز القوى الناعمة في مصر الذي استطاع أن ينتقد الواقع بجرأة سياسية غير موجودة في زمانه وأن يتربع على العرش طوال رحلته، وأن يكون الفنان الذي وقف له رؤساء وملوك وأمراء احترامًا له واستضافوه لتكريمه، ليظل دائمًا مصاحبًا اسمه لقب الزعيم.

ربما يعجبك أيضا