عام على 7 أكتوبر.. 12 شهرًا من الموت والفقد والدمار 

محمد النحاس

في خضم الحرب المروعة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، يواجه كل فرد فلسطيني، تجارب مؤلمة وقصص غير مروية، ليست مجرد أرقام تسرد أو إحصاءات تعد.

وبينما ينعم العالم بالسكينة والأمن، فإن أهل غزة منذ 7 أكتوبر 2023 لا يستطيعون الراحة، حيث يجتمعون معًا في غرفة واحدة، حتى إذا أصابتهم ضربة، يرحلون معًا، هذا إن حالفهم الحظ ولم يكونوا من سكان الخيام، حيث يعيش معظم سكان القطاع في الوقت الحالي في الخيام أو مراكز إيواء النازحين، والتي لم تسلم أيظًا من الضربات الإسرائيلية. 

جوليا..لا عائلة بعد اليوم

 تدور أحداث مأساوية كل يوم، وتتحول حياة الأطفال إلى قصص مؤلمة مليئة بالحرمان والخوف، كل طفل فقد حياته يحمل معه قصة تعكس حجم المعاناة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني ليس فقط خلال الحرب الحالية بل على مدار عقود.

الطفلة جوليا وعائلتها

الطفلة جوليا وعائلتها

جوليا، طفلة لم تتجاوز الأربع سنوات، عاشت مأساة لم يفترض أن يعيشها أحد في مثل عمرها، كانت تلعب في بيتها في دير البلح حينما جاءت الطائرات لتقصف كل شيء من حولها، القصف أدى إلى مقتل عائلتها؛ والداها قتلا في لحظة واحدة، وتحولت أحلام طفولتها إلى كوابيس، وقالت ببساطة، “تم قصفها” وهي لا تزال غير قادرة على استيعاب حقيقة أنها لن ترى والدتها مرة أخرى، وفق ما نقلت وسائل إعلام فلسطينية. 

وسام نصار، ابن عم جوليا، يروي كيف أن والدها، مساب، عاش نفس التجربة قبل سنوات حين فقد والده في قصف إسرائيلي عام 2004، وقال لوسائل إعلام محلية: “مساب كان دائمًا خائفًا على ابنته جوليا، كان قلبه معاها طول الوقت”.

يوسف “حلو وشعره كيرلي”

يوسف، كان في السابعة من عمره، طفل يتمتع بروح مليئة بالحياة والبراءة، حيث كان يستقبل والده عند عودته من العمل بابتسامة عريضة، يجري نحوه ليعانقه، لكن قذيفة إسرائيلية أنهت حياته.

ويروي والده الذي يعمل طبيبًا لصحفيين محليين: “يوسف كان دائمًا  يسألني متى ستعود وبمجرد أن أدخل البيت، يجري عليا ويحتضني”، كانت والدته تصفه للكادر الطبي في مقطع مؤثر حينما كانت تبحث عن ولدها لا تصدق نبأ إصابته ولا تتخيل أنها ستكون النظرة الأخيرة، وتقول: يوسف كان شعره “كيرلي”، وأبيض البشرة، و”حلو”. 

مأساة عائلة الدوس

في أكتوبر 2023، تحولت حياة عائلة الدوس إلى مأساة بعد غارة جوية إسرائيلية دمرت منزلهم في حي الزيتون. كانت العائلة تتكون من 15 فردًا، تشمل الأجداد عوني وإبتسام، وابنهما عادل وزوجته إلهام، بالإضافة إلى 5 أطفال تتراوح أعمارهم بين 18 شهرًا و17 عامًا. 

عائلة الدوس

عائلة الدوس

عُرفت الفتاة الصغيرة إبتسام أيضا -على اسم الجدة- بأنها مرحة دائمًا، بينما كان عوني الأصغر يعبر عن فضوله ببراءة، وآدم، الطفل الرضيع، كان يعدّ أمل العائلة الجديد. وبعد غارة إسرائيلية، استغرق الأمر أكثر من 6 ساعات ليتمكن أقاربهم والجيران من إزالة الأنقاض واستخراج جثثهم. 

محمد، شقيق عادل، وقف يراقب بعيون مليئة بالحزن والأسى، حيث فقد عائلته بالكامل، بما في ذلك ابنه راكان الذي لم يتجاوز خمس سنوات، والذي كان يلعب في حضن جده قبل دقائق من القصف، وفي حديثه لوسائل إعلام فلسطينية يتساءل: “أين سأجد السعادة الآن؟”.

لا أثر سوى الموت

التفاصيل كانت مؤلمة: بينما كان العمال يحاولون انتشال الأجساد من تحت الأنقاض، تذكر محمد كيف كان الأطفال يلعبون في حديقة المنزل، وكيف كانت إبتسام تضحك بينما تجري خلف أخيها. كان عوني، الجد، يسير في أرجاء المنزل، يحكي القصص القديمة للأطفال. 

وفي حالة أخرى، قُتلت عائلة عاشور بعد غارة جوية أخرى، كانت إيمان، الابنة، محاطة بأطفالها الأربعة، ريحاب، وعبد الحميد، وأحمد، وحمزة. توفيت إيمان مع أطفالها، وكان والدها محمود عاجزًا عن فعل أي شيء لإنقاذهم. 

عند إزالة الأنقاض، اكتشف أنه لم يتبق له أي أثر من ابنته سوى بعض الأغراض المبعثرة، التي كان يحملها بيديه المرتعشتين.

“روح الروح”

في ديسمبر الماضي، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مشهدًا مؤثرًا لرجل فلسطيني يودع حفيدته الصغيرة “ريم على بدوان”، التي استشهدت نتيجة قصف إسرائيلي.

وفي الفيديو، يظهر الجد وهو يحتضن جثمانها “غير النابض” ويحاول مرارًا فتح عينيها كما لو كان يتمنى أن تعود للحياة،  حيث تجسد مشاعره مزيجًا من الحزن العميق والحنان المتدفق، تم تصوير هذه اللحظة المؤلمة في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، بعد أن دمر قصف منزل العائلة. 

هند.. المكالمة الأخيرة

في 29 يناير، تواصلت موظفة في مركز الطوارئ للهلال الأحمر الفلسطيني، تدعى رنا، مع طفلة تبلغ من العمر ست سنوات، تدعى هند رجب، كانت الطفلة مختبئة رفقة أفراد من عائلتها، داخل سيارة عمها في مدينة غزة، محاطة بجثث أقاربها وصرخات الحرب، وهي تتوسل المساعدة: “الدبابة بجانبي.. إنها تتحرك”. كانت السيارة تحاول الفرار من القصف الإسرائيلي، ولكنهم واجهوا الدبابات الإسرائيلية، وفي محاولة للنجاة، دخلوا محطة وقود قريبة، لكن سرعان ما تعرضوا لإطلاق نار، حسب ما نقلت بي بي سي في تقرير مفصل.

وفي تلك اللحظات الحرجة، اتصلت ليان 15 عام، ابنة عمة هند وكانت مرافقةً لهم، بالهلال الأحمر، وأخبرتهم أن معظم أفراد العائلة تم قتلهم وأنهم يتعرضون لإطلاق النار، حتى انقطع الخط، وقتلت ليان. لم يتبقى سوى هند، والتي عاد الهلال الأحمر ليتواصل معها، واستمرت المكالمة لأكثر من ثلاث ساعات، حيث حاولت موظفة خدمة الطواريء، رنا، تهدئة هند، التي كانت تطلب باستمرار أن يأتي أحد لإنقاذها.

ولكن وفي الوقت الذي كانت فيه سيارة الإسعاف تقترب من مكان هند، انقطع الاتصال بشكل مفاجئ، لتفقد الفرق الطبية الاتصال بالطفلة والتي قتلت في نهاية المطاف، كما قتل أيضا فريق المسعفين.

مايار وبلال.. أحلام مسروقه

مايار، التي كانت تحلم بأن تصبح صحفية مثل والدها، كانت تمثل شعلة الأمل في عائلتها، ورفقة شقيقها بلال، كانا يشاركان في لحظات الطفولة العادية، من اللعب إلى الشجار البسيط. 

لكن طموحاتها كانت كبيرة، حيث تميزت في مدرستها لكن القصف الإسرائيلي قضى على هذا الأمل.

قذيفة أصابت منزل العائلة، لتقتل مايار وبلال ووالدتهما، تحطمت أحلامهم، أما الوالد، نضال حميدة، فلم يبقى له سوى ذكريات أليمة، ويروى: “مايار كانت دائمًا تقول لي، أبي، سأسافر وأكتب عن العالم”، لكن ذلك لن يحدث أبدًا. 

موت قبل الحياة

حتى الأطفال الذين بالكاد بدأوا حياتهم لم يسلموا من الحرب، في مستشفى الشفاء، توفي العديد من الأطفال الخدج بسبب نقص المعدات الطبية والأدوية. 

كانوا يقاتلون من أجل البقاء، لكن نقص الكهرباء والمعدات جعل فرصهم في النجاة ضئيلة، وفي المستشفى الإندونيسي، قتلت قذيفة مدفعية قتلت 12 طفلاً.

ويعاني الآباء والأمهات في غزة من “أفكار لا يمكن تحملها”، يتساءل الكثيرون عما إذا كان أطفالهم قد شعروا بالجوع قبل أن يموتوا.

“أين عائلتي؟”

حور، فتاة فلسطينية صغيرة، كانت الناجية الوحيدة التي تم انتشالها من تحت الأنقاض التي كانت تؤوي والدها وأمها وإخوتها الثلاثة. وبعد قصف منزلهم في خان يونس، عثرت فرق الإنقاذ عليها، مغطاة بالغبار والدموع، حيث كانت تصرخ بحثًا عن عائلتها التي فُقدت في غمضة 

عين.

وعندما سُئلت عن ماذا حدث، كانت إجاباتها مختصرة، لكنها كانت تحمل بين كلماتها وجعًا لا يمكن وصفه.. “ماما، بابا، وينهم؟” لم يكن من السهل على رجال الإنقاذ أن يشرحوا لها ما حدث، وأُخذت حور إلى دار الأيتام، فلم يتبقى أي شخص يمكنه الاعتناء بها بعد مقتل عائلتها. 

هذه القصص ليست مجرد سرد للحكايات المؤلمة، بل هي نداء من أجل الإنسانية، تعبر عما يعيشه الشعب الفلسطيني كل يوم، عن فقدانهم، عن وآلامهم، وعن أحلامهم المسروقة. 

ربما يعجبك أيضا