عبر الردع النووي.. هل يعود مفهوم «بريطانيا العالمية»؟!

كتب – حسام عيد

على مسار حماية أمنها القومي وسلامة مجتمعها وسط بيئة عالمية محفوفة بالمخاطر، قررت بريطانيا زيادة سقف ترسانتها النووية لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.

قرار جاء في ختام المراجعة الاستراتيجية للأمن والدفاع والسياسة الخارجية التي نشرت، يوم الثلاثاء الموافق 16 مارس 2021؛ هذه المراجعة الاستراتيجية، هي الأولى منذ انسحاب المملكة المتحدة الكامل من الاتحاد الأوروبي، وإحدى أهم المراجعات منذ الحرب الباردة. واعتبرت المراجعة روسيا تهديداً كبيراً لبريطانيا، كما أظهرت رغبة في التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

كما يأتي في ظل تنامي التوقعات البريطانية من أن تشن جماعة إرهابية هجوما كيماويا أو بيولوجيا أو إشعاعيا أو نوويا ناجحا بحلول 2030.

المراجعة الاستراتيجية الأبرز منذ الحرب الباردة

المملكة المتحدة سترفع “بأكثر من 40 بالمئة” سقف الرؤوس الحربية النووية المسموح بتخزينها، هكذا أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وبشكل مفاجئ تعزيز الترسانة النووية.

ووفقا لصحيفتَي “الجارديان” و“الصن” اللتين اطّلعتا على وثيقة المراجعة الاستراتيجية للأمن والدفاع والسياسة الخارجية والتي تتألف من 100 صفحة وستعرض على البرلمان، من شأنها تحديد مسار الحكومة للعقد المقبل.

حكومة «جونسون» تخطط -بحسب “الوثيقة”- إلى زيادة العدد الأقصى للرؤوس الحربية التي يسمح للبلاد بتخزينها إلى 260، بعدما التزمت سابقًا خفض مخزونها إلى 180 رأسا حربيا بحلول منتصف العام 2020.

ووفقا للصحيفتين، فإن رئيس الوزراء يستند إلى “مجموعة من التهديدات التكنولوجية والعقائدية المتزايدة” من أجل تبرير هذه الخطوة غير المسبوقة منذ الحرب الباردة.

الردع النووي والتهديدات التكنولوجية والعقائدية

بريطانيا في مراجعتها الأمنية أقرت بأنها تواجه مخاطر من دول مسلحة نوويا ودول نووية ناشئة ودول ترعى الإرهاب النووي، مضيفة أن ردعها النووي ضروري لضمان أمنها وأمن حلفائها.

وذكرت الحكومة في المراجعة “بعض الدول تعزز وتنوع ترساناتها النووية بدرجة كبيرة الآن. زيادة المنافسة الدولية وتحديات النظام العالمي وانتشار تكنولوجيات قد تكون مدمرة تشكل جميعها تهديدا للاستقرار الاستراتيجي”.

كما تعتزم بريطانيا استبدال رؤوسها النووية الراهنة بأخرى جديدة قادرة على العمل طوال فترة تشغيل أربع غواصات جديدة يجري تشييدها وستدخل الخدمة في مطلع ثلاثينيات القرن الحالي.

ووفقاً لوثيقة المراجعة الأمنية، فإن هذا التغيير الذي يُتخذ بعد الالتزام الذي قطعته لندن في عام 2010 بتقليص التسلح بحلول منتصف العقد 2020، تبرره “مجموعة متزايدة من التهديدات التكنولوجية والعقائدية”.

وقد كتب بوريس جونسون في مقدمة المراجعة: “أظهر التاريخ أن المجتمعات الديمقراطية هي أقوى داعم لنظام دولي منفتح وقادر على الصمود”. وأضاف: “لكي نكون منفتحين، يجب أن نكون أيضاً في أمان”. وهذا يتطلب حسب قوله تعزيز البرنامج النووي البريطاني.

هجوم نووي محتمل بنهاية العقد

ومن منطلق نتائج المراجعة الاستراتيجية للأمن والدفاع والسياسة الخارجية، أعلنت بريطانيا أنها ستقيم مقرًا جديداً للأمن الداخلي في إطار خطط لتحسين تصديها لـ«التهديد الرئيسي» الذي يشكله الإرهاب، ورجحت وقوع هجوم كيماوي أو بيولوجي أو نووي بحلول نهاية العقد.

وقالت الحكومة في مراجعة شاملة تحدد أولويات البلاد السياسية في فترة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، إن بريطانيا واجهت تهديداً كبيراً لمواطنيها ومصالحها من الإرهابيين أساساً وأيضاً من اليمين المتطرف والفوضويين. ولفتت إلى أن هناك تهديداً أيضاً من غلاة المعارضين في آيرلندا الشمالية الذين يريدون زعزعة استقرار اتفاق السلام الذي تم توقيعه عام 1998.

وذكرت الحكومة في المراجعة: «سيبقى الإرهاب مصدر تهديد كبيراً خلال العقد المقبل مع وجود مجموعة أكثر تنوعاً من الأسباب المادية والسياسية ومصادر جديدة لنشر التطرف ومع تطوير عمليات التخطيط»، ووعدت باتباع «نهج قوي شامل للمواجهة».

وسيكون البند الرئيسي في الاستراتيجية الأمنية إنشاء مركز جديد لعمليات مكافحة الإرهاب يجمع أجهزة الشرطة والمخابرات ومسؤولين بالحكومة وعناصر من النظام القضائي. وقالت الحكومة إن هذا سيزيد سرعة التعامل مع الحوادث ودرء الأخطار المستجدة.

ويحذّر التقرير من “احتمال” نجاح جماعة إرهابية “في شن هجوم كيميائي أو بيولوجي أو إشعاعي أو نووي بحلول عام 2030” لكن أيضا من “التهديد النشط” من روسيا و”التحدي المنهجي” من الصين.

استعادة القوة بعد «بريكست».. ومخاوف دولية

ويأتي هذا التحول فيما تسعى لندن لإعادة فرض نفسها بعد بريكست، كقوة رئيسية على الساحة الدولية وفقا لمفهوم “جلوبال بريتن” (بريطانيا العالمية).

بينما رأت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية”، بعد نشر الإعلام البريطاني تفاصيل عن المراجعة، يوم الإثنين الموافق 15 مارس 2021، أن هذا التغيير “ينتهك الالتزامات التي تعهدت بها لندن في إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”.

وقالت رئيسة هذه المنظمة غير الحكومية بياتريس فين: “إن قرار المملكة المتحدة زيادة مخزونها من أسلحة الدمار الشامل في خضم الجائحة هو قرار غير مسؤول وخطير وينتهك القانون الدولي”.

من جهتها، رأت مجموعة “حملة نزع السلاح النووي” أنها “خطوة أولى نحو سباق تسلح نووي جديد”، واصفةً قرار المملكة المتحدة بأنه “استفزاز كبير على الساحة الدولية”.

وقالت الأمينة العامة للمنظمة كايت هدسون: “فيما يحارب العالم الوباء والفوضى المناخية، من المدهش أن تختار حكومتنا زيادة الترسانة النووية البريطانية”، وهي خطوة من شأنها “إثارة التوترات العالمية وهدر مواردنا وهي نهج غير مسؤول وقد يكون كارثياً”.

ربما يعجبك أيضا