عصابات بوتين.. الغرب تحت رحمة فرق التخريب والاغتيالات الروسية

إسراء عبدالمطلب

بمجرد تولي بوتين السلطة في أواخر التسعينيات ورث قدرات التخريب السوفييتية وأعاد تدريجياً إحياء التكتيكات الهجومية التي استخدمها ستالين حتى الحرب العالمية الثانية ومنذ ذلك الحين بدأ بوتين في استخدام عمليات التخريب كأداة فعالة في استراتيجياته ضد الغرب


تحت ضغوط دولية متزايدة وعقوبات غربية مشددة، بدأت روسيا تتبنى استراتيجيات غير تقليدية تهدد الأمن الأوروبي بشكل غير مسبوق، ففي 26 يوليو 2024، شهدت السكك الحديدية الوطنية الفرنسية هجومًا تخريبيًا منسقًا تزامن مع افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس.

تسبب ذلك في تعطل حركة الملايين من الركاب، ولم يُعلن أي طرف عن مسؤوليته عن الهجوم، الذي لا يزال قيد التحقيق، وفي الوقت الذي اقترح فيه وزير الداخلية الفرنسي احتمالية تورط “اليساريين المتطرفين”، تساءل خبراء الاستخبارات عما إذا كان هناك علاقة لروسيا بالحادث.

تورط روسيا في الهجمات التخريبية

حسب مجلة “فورين آفيرز”، 9 أغسطس 2024، قال خبير مكافحة الإرهاب وعضو سابق في مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، جاويد علي، لبرنامج “PBS NewsHour”: “الرواية التي ترجح التورط الروسي قوية بالتأكيد”، ورغم غياب الأدلة الواضحة على تورط موسكو، فإن هناك أسبابًا تدعم هذه الشكوك واتخذت الحكومة الفرنسية خلال الأشهر القليلة الماضية موقفًا أكثر عدوانية تجاه روسيا من خلال دعمها لأوكرانيا.

كما أعربت الحكومة الروسية عن استيائها من اللجنة الأولمبية الدولية، التي حظرت على الرياضيين الروس المشاركة في الألعاب الأولمبية هذا العام، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض المسؤولين الاستخباراتيين الأوروبيين والأمريكيين ربطوا بين موجة من عمليات التخريب في أوروبا وجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية، والتي شملت الحرق العمد وتكتيكات أخرى، وأحيانًا استهدفت شبكات النقل.

حملة التخريب في أوروبا

شملت هذه الهجمات أكثر من نصف دزينة من الدول الأوروبية، مثل جمهورية التشيك وإستونيا ولاتفيا وألمانيا وبولندا والسويد والمملكة المتحدة، وفي مارس 2024، أضرمت النيران في مستودع مرتبط بأوكرانيا في شرق لندن، واعتقلت الشرطة البريطانية 4 أشخاص بتهم التخطيط للهجوم وحملهم على علاقة بالمخابرات الروسية.

وفي أبريل، انفجر مرفق في جنوب ويلز تابع لشركة BAE البريطانية، وهو الهجوم الذي لم يُنسب بعد، لكنه يتبع نمط الهجمات الأخرى، كما ألقت السلطات الألمانية في نفس الشهر القبض على رجلين بتهم التخطيط لهجمات تخريبية على قاعدة عسكرية في بافاريا، وأحدهم كان على اتصال بالمخابرات الروسية، وفي مايو، اعتقلت بولندا 3 رجال بتهم الحرق والتخريب لصالح روسيا.

هل يشكل بوتين تهديدًا جديدًا للغرب؟

في منتصف يوليو، أفادت شبكة “سي إن إن” بأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والألمانية نجحت في إحباط مؤامرة لاغتيال رئيس شركة راينميتال الألمانية، أرمين بابرجر، والتي كانت المورد الرئيس لقذائف المدفعية إلى أوكرانيا، وأن محاولة اغتيال مواطن غربي على أرض غربية تمثل تحولًا كبيرًا في التكتيكات الروسية، والتي لم تُستخدم في السابق ضد الغرب.

ومع الاستفادة من قوة التجسس الروسية الجديدة والمجندين المحليين في البلدان المستهدفة، بدأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في فصل جديد من عمليات “المنطقة الرمادية” الروسية في الغرب، وأظهرت القوات المدعومة من روسيا استعدادها لمهاجمة البنية التحتية الصناعية والنقل الغربية، بل وأحيانًا استهداف المواطنين الغربيين، ويبدو أن الكرملين يسعى لتصعيد التوترات دون إثارة رد عسكري مباشر.

كيف يُعيد بوتين إحياء استراتيجيات الحرب الباردة؟

أظهر الغرب عدم استعداد واضح لمواجهة هذا التحدي الجديد، وتعاملت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون مع كل هجوم بشكل منفصل بدلًا من اعتباره جزءًا من حملة أوسع، ورغم تعطيل بعض العمليات فإن دول حلف شمال الأطلسي لم تطور نهجًا جماعيًا لمواجهة التهديد وقد تصبح هذه الهجمات تهديدًا مزعزعًا للاستقرار، خاصة في ظل حالة عدم اليقين السياسي في أوروبا والانتخابات الرئاسية القريبة في الولايات المتحدة.

ورغم أن حملة التخريب الروسية فاجأت الغرب، ولكنها ليست جديدة تمامًا، إذ كتب باحث استخباراتي بريطاني، فيليب إتش جيه ديفيز، في يونيو، أن “الغرب كان لديه 3 عقود لينسى التهديد المتمثل في التخريب ضد الدولة القومية”، وأظهرت التجارب السوفييتية السابقة في التخريب خلال الحرب الباردة، وعدم استخدامها ضد الغرب، أن هذه التكتيكات كانت جزءًا من الاستراتيجية السوفييتية ولكن لم تُفعّل بشكل واسع.

استراتيجيات بوتين وأثرها على الغرب

بمجرد تولي بوتين السلطة في أواخر التسعينيات ورث قدرات التخريب السوفييتية وأعاد تدريجيًا إحياء التكتيكات الهجومية التي استخدمها ستالين حتى الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين بدأ بوتين في استخدام عمليات التخريب كأداة فعالة في استراتيجياته ضد الغرب، بما في ذلك عمليات الاغتيال والتخريب خلال النزاع في أوكرانيا، وعمليات تجنيد محاربين قدامى مستعدين لتعطيل المساعدات الغربية لأوكرانيا.

وبالتالي، فإن قدرة الغرب على التصدي لهذه الهجمات محدودة، نظرًا لعدم وجود صراع رسمي مع روسيا، ولعدم قدرة وكالات مكافحة التجسس على تنفيذ تدابير فعالة لمواجهة عمليات التخريب.

ربما يعجبك أيضا