خبير يكشف لـ«رؤية» خطة مصر لمواجهة تأثير التغيرات المناخية على الأراضي الزراعية

ياسمين سعد
التربة الزراعية

في ظل التغيرات المناخية التي يعيشها العالم حاليًا، كيف نختار التربة الزراعية التي تستطيع التأقلم مع المتغيرات الجديدة؟ وكيف نكافح التصحر الذي بات وشيكاً على الأبواب؟


يواجه العالم تحدياتً جديدةً كل يوم بسبب أزمة التغيرات المناخية، ويعد مجال الزراعة من أكثر المجالات التي تقاوم من أجل التكيف مع أحوال الطقس الجديد.

يتحدث المزارعون وعلماء المناخ دائمًا عن المحاصيل وتأثرها بالتغيرات المناخية، لكننا سعينا للسؤال عن التربة التي يبدأ من عندها كل شيء، وهل نحن أمام مرحلة ستتعرض فيها التربة الزراعية في مصر للتصحر؟ وكيف نخلق تربة جديدة متأقلمة مع التغيرات المناخية؟

الأمن الغذائي هو الأولوية

رئيس قسم البيدولوجي ومنسق مشروعات التنمية الزراعية القومية بمركز بحوث الصحراء بوزارة الزراعة المصرية، الدكتور محمد عزت، شدد في حوار مع “شبكة رؤية الإخبارية”، على أن الهدف الاستراتيجي لجميع المشروعات القومية في مصر حاليًا هو تحقيق الأمن الغذائي القومي، وأن هذا هو المظلة التي يعمل الجميع في ظلها.

كيف تُصنف التربة الزراعية؟

يقول عزت: “بعد انتهاء الجزء الأول من دراسة صلاحية التربة للزراعة من الأساس، نصنفها، فنوجد أراض تصلح لزراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح والشعير، وأراض ممتازة لمحصول الفاكهة، لكن الأراضي متدنية الجودة ذات الاحتياج القليل للمياه تصلح للمحاصيل العلفية”.

وأضاف: “كان لنا دور الريادة في قيادة الفرق البحثية التي تدرس صلاحيات الأراضي في سيناء والساحل الشمالي الغربي والظهير الصحراوي لصعيد مصر والدلتا الجديدة وتوشكى.

دراسة التربة الزراعية

دراسة التربة الزراعية

ما أهمية الدراسات المعملية للتربة؟

بعد الانتهاء من عملية الحفر والتأكد من سلامة التربة، يقسم الباحثون إلى عدة طبقات، ويسحب فني يفهم جيدًا في نظام الترسيب، عينات من كل طبقة من طبقات التربة، حتى تدرس هذه العينات في المعمل لاحقًا.

وأوضح عزت أن دراسات المعمل هامة لأنهم يدرسون فيها درجة انتشار الرسوبيات الجيرية في التربة، ودرجة انتشار الفتات الصخري والحصي في طبقات التربة، بجانب معرفة مدى انتشار أكاسيد الحديد والأكاسيد الثلاثية والأملاح، بالإضافة إلى دراسة قوام التربة، فالتربة الخشنة تختلف عن التربة الناعمة في درجة استقبال المياه.

الدكتور محمد عزت

الدكتور محمد عزت

كيف تُحدد صلاحية التربة الزراعية؟

يدرس الباحثون درجة ملوحة التربة، لأنها من أهم العناصر التي يجرى الاسترشاد بها لتحديد درجات صلاحية المحاصيل، فكلما قلت الملوحة زادت صلاحية التربة لزراعة محاصيل عدة، خاصة المحاصيل الحساسة للملوحة، بجانب دراسة نسب الجير بالتربة، لأن هذه النسبة تحدد قدرة الأرض على تبادل العناصر الغذائية، واستعدادها لاستقبال عناصر غذائية معينة في مراحل لاحقة من عملية الزراعة.

تضاف نتائج الدراسات السابقة إلى نتائج التحليلات الخصوبية التي تركز على وجود المادة العضوية التي يحتاجها النبات، مثل “الحديد والزنك والنحاس”، ويضع الباحثون ما يسمى بنظم المعلومات الجغرافية، والهدف منها عمل قاعدة بيانات لجميع الأراضي الموجودة في المنطقة الخاضعة للدراسة، حتى يرى صانع القرار كل شيء أمامه بوضوح، مع الأخذ في الاعتبار الحكم على استدامة المشروعات الزراعية.

ما خطر تدهور الأراضي الزراعية؟

يدرس مركز بحوث الصحراء التربة المصرية بطريقتين، أولها وفق التكليفات الرئاسية دراسة منطقة معينة لإجراء مشروع قومي بها، وهذه الدراسات تكون ملحَة لارتباطها بتوقيتات معينة، وثانيها الدراسات غير الملحَة على عديد الأراضي لتقديم التوصيات للمزارعين ومساعدتهم، وتوجد خطة بحثية يسير المركز وفقاً لها حتى عام 2030، وتتراوح فترة دراسة التربة من أسبوع إلى شهرين.

يواجه مركز بحوث الصحراء تحدٍ بالنسبة لمجال دراسات التربة، فهو يبحث دائمًا عن تربة جديدة صالحة للزراعة قبل حتى حدوث التغيرات المناخية، لمواجهة خطر تدهور الأراضي طوال الوقت، ففي السابق كانت تواجه التربة المصرية خطر التدهور بسبب فقط الأخطاء البشرية التي تجعل الأراضي غير صالحة للزراعة، والآن أضيف إليها التغيرات المناخية.

كيف تضر الأخطاء البشرية بالتربة؟

ضرب عزت مثالًا على تدهور الأراضي الزراعية بسبب الأخطاء البشرية بما حدث في منطقة سيوة، والتي وصفها بأنها أحد النماذج  الصارخة لتدهور الأراضي وتصحرها، قائلاً: “إمكانيات المياه الجوفية في منطقة سيوة محدودة، ولذلك حفر المزارعون آبارًا عدة وسحبوا المياه الجوفية بطريقة جائرة، ما كان له أثر سلبي كبير”.

وتابع: “سحب المياه الجوفية بدون دراسة واضحة، أثر على نوعية المياه المستخرجة، فأصبحت أكثر ملوحة واستخدمها المزارعون في الزراعة، فتدمرت مساحات كبيرة من الأراضي وخرجت من نطاق الأحزمة الزراعية”.

هل ستعود الحياة لأراضي سيوة؟

وأضاف: “المياه المالحة التي رويت بها الأراضي جرى تصريفها في بحيرات سيوة وعددها 4 بحيرات، فارتفع منسوبها، وأثر على الأراضي الزراعية الصالحة، فتدهورت هي الأخرى، وهذه كارثة بيئية حدثت بسبب الممارسات الخاطئة للمزارعين، وأبرزنا هذه الكارثة في مركز بحوث الصحراء، وعملنا عليها وهي في طريقها إلى الحل نهائيًا الأن”.

وأكمل: “سندشن مشروعًا لمد قناة صرف زراعي بطول 41 كيلومتر تبدأ، وستنزح المياه عن المنطقة المنخفضة نحو 18 لـ20 مترًا عن منسوب كل الأراضي الموجودة حولها، وستوضع في مناطق أخرى غير مخطط استغلالها الزراعي في المرحلة الحالية، بجانب إعادة تأهيل الأراضي الزراعية الصالحة التي تدهورت بفعل الأزمة، وشق ترع جديدة لإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي”.

كيف تهدد التغيرات المناخية بتصحر الأراضي؟

تؤثر درجات الحرارة العالية على التربة الزراعية، ما يتسبب في انخفاض المياه الممنوحة للتربة وممكن أن يصل هذا الجفاف إلى حد التصحر، وهو المشكلة التي تقاومها الدولة المصر منذ توقيعها على الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة لمكافحة التصحر في عام 1994، والتي يمثلها فيها مركز بحوث الصحراء.

تصحر الأراضي

تصحر الأراضي

يعمل مركز بحوث الصحراء حالياً على صياغة خطته الاستراتيجية الوطنية للتصحر من الأعوام 2022 لـ2032، والتي ستعرض على وزير الزراعة، السيد القصير، ثم رئيس الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهي استراتيجية محدَثة وفقًا لتطور تكنولوجيات الدراسة سواء كانت دراسات اجتماعية أو بيئية أو دراسات أراضي.

جرس إنذار قبل التصحر

تراعي الخطة الاستراتيجية لمكافحة التصحر، المفاهيم الجديدة التي أطلقتها الأمم المتحدة في ظل التغيرات المناخية التي تعيشها مصر حاليَل، مثل مصطلحات حيادية التربة للتصحر، وحساسية التربة للتصحر، فكلها تعريفات تدفع الباحثين إلى دراسة المؤشرات التي تدل على تدهور الأرض قبل أن تصل إلى مرحلة التصحر النهائي، حتى لا يفقد العالم المزيد من الأراضي الزراعية.

يقول عزت: “أصبح لدينا الآن جرس إنذار نطلقه قبل أن تتدهور الأرض الزراعية، بناءً على دراسة المعايير الجديدة التي وضعتها الأمم المتحدة، والمشكلة يبدأ حلها من قسم علوم التربة بمركز بحوث الصحراء، لأن القوافل العلمية يجب أن تدرس التربة، وتتأكد من توافر المعايير، وإذا لم أمنع التربة الزراعية من التصحر، فعلى الأقل أجعل الأرض تصل إلى مرحلة الحياد، وهذا في حد ذاته نجاح كبير”.

ربما يعجبك أيضا