خبراء يشرحون لـ«رؤية» كيف أثرت التغيرات المناخية في الحالة النفسية للبشر

ياسمين سعد

مع تزايد حدة التغيرات المناخية، تزيد الاضطرابات النفسية، وتتغير السلوكيات المجتمعية، فكيف أثر التغير المناخي على الإنسان نفسيًّا واجتماعيًّا؟


تحاول العلوم النفسية والاجتماعية مواكبة التغيرات المناخية، فاستحدثت مصطلحات نفسية لمحاولة التواصل مع الإنسان وعلاج قلقه البيئي.

وناقشت “شبكة رؤية الإخبارية” التأثيرات النفسية والاجتماعية للتغيرات المناخية في الإنسان مع أساتذة علم نفس واجتماع، فهل سيتغير نمط المجتمعات عما عهدناه؟ وما السلوكيات التي ستطرأ على الإنسان؟ في اليوم العالمي للصحة النفسية نبحث عن إجابات لهذه الأسئلة وغيرها، في السطور التالية.

نوبات مرتبطة بالمواسم

قال المدير السابق لمستشفى الصحة النفسية وأستاذ الطب النفسي والأعصاب بالأكاديمية الطبية العسكرية وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للطب النفسي، الدكتور محمد رضا الفقي، لـ”شبكة رؤية الإخبارية” إن العوامل المناخية أثرت في الحالة المزاجية للإنسان، حتى إنه يوجد أمراض نفسية تعرف بالأمراض الموسمية، بسبب ارتباطها بالطقس.

وأوضح الفقي أنه يوجد أيضًا نوبات موسمية مثل نوبات الاضطراب الوجداني، وبعض نوبات الاكتئاب، مشيرًا إلى شعور بعض الناس بالتعب والإجهاد مع بداية فصل الصيف أو فصل الشتاء، بحسب طبيعتهم النفسية، ما يوضح أن الحالة النفسية والمزاجية للإنسان ترتبط أحيانًا بتقلبات الطقس.

علاج بالنور

نفى الفقي أن تحدث التغيرات المناخية اكتئابًا جمعيًّا للكوكب بكامله في الوقت الراهن، خاصة في المجتمعات العربية مثل مصر، لعدم سوء الأحوال الجوية بدرجة كبيرة، مشيرًا إلى أن هذا الاكتئاب موجود بالفعل بدون انتظار لأنْ تسوء الأحوال أكثر من ذلك، في البلاد التي يتميز طقسها بشدة البرودة، فهذه البلاد غالبًا ما تكون الأكثر عددًا في حالات الانتحار.

ويقول الفقي: “يكتئب الأشخاص في البلاد ذات الطقس شديد البرودة مثل البلاد الموجودة في القطب الجنوبي والدول الإسكندنافية، وذلك بسبب عدم رؤيتهم للشمس ونقص فيتامين د لديهم، ويعالج هؤلاء الأشخاص بجلسات ضوئية معينة، تعوض فيتامين د الذي فقدوه، فيتحسن مزاجهم”.

02d9e875 e88f 49f3 bfe9 9ea5d416391e 16x9 1200x676

التغيرات المناخية

تقسيمات بحسب الجو

أعطى الفقي عددًا من النصائح لتحسين المزاج وقت اضطراب الأحوال الجوية، أولاها تجنب أشعة الشمس الشديدة، والحصول على التدفئة المناسبة في فصل الشتاء، بجانب ممارسة الرياضة، وشرب المياه بكثرة، والحصول على التغذية السليمة، وشدد الفقي على ضرورة الذهاب إلى الطبيب النفسي، إذا لم يشعر الشخص باعتدال مزاجه بعد اتباع هذه التعليمات.

و”شخصية الإنسان مقسمة 4 تقسيمات، بحسب الأحوال الجوية، فنقول هذا إنسان “مائي، وهوائي، وترابي، وناري”، هكذا قال استشاري الصحة النفسية، الدكتور وليد هندي لـ”شبكة رؤية الإخبارية” مؤكدًا ارتباط المناخ بعلم النفس، منذ بداية التعريف بالشخصية الإنسانية ودراستها.

فقدان غير معتاد

أوضح هندي وجود أمراض نفسية بعينها تزداد في فصل الصيف، وأخرى تزداد في الشتاء، بسبب تقلب الحالة النفسية مع تقلب الفصول قائلًا: “تأثرت نفسية الإنسان بالتغيرات المناخية تأثرًا شديدًا، لدرجة إعادة إحياء فرع جديد لعلم النفس اسمه علم النفس المناخي، وهو يهدف إلى دراسة التغيرات النفسية التي حدثت في شخصية الإنسان نتيجة عيشه في عصر الاحتباس الحراري”.

وأشار استشاري الصحة النفسية إلى أن الإنسان يواجه فقدانًا غير معتاد عليه، مثل فقدان التنوع البيولوجي، فأصبح لا يرى نباتات معينة كان معتادًا أن يراها، أو اختفاء حيوانات معينة كان يحبها، بجانب ظهور أشياء جديدة، موضحًا أن هذه التغيرات العنيفة هي ما استوجبت استحداث علم النفس المناخي، للحفاظ على استقرار نفسية الإنسان حول العالم.

الفئات المتضررة

استحدثت أيضًا مصطلحات جديدة لوصف الأمراض النفسية الجديدة الناتجة عن التغير المناخي مثل مصطلح الكآبة البيئية والقلق البيئي، فكشفت دراسة نشرت العام الماضي بموقع verywell mind للصحة النفسية عن أن نسبة القلق الناتج عن التغيرات المناخية تصل إلى 75% من الشباب والمراهقين، وهي واحدة من دراسات عدة، ربطت بين التغير المناخي وأمراض الصحة النفسية.

أزمة التغيرات المناخية

أزمة التغيرات المناخية

 

وشرح استشاري الصحة النفسية أن النساء هن الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية، بجانب كبار السن الذين يشعرون بالحرارة أو بالبرودة أسرع وبدرجة أكثر حدة من غيرهم، بالإضافة إلى الفئات المشردة والمهاجرين واللاجئين، وأصحاب الدخل المنخفض، لأن جميع هؤلاء ليس لديهم رفاهية استقرار الجو أو الحصول على التدفئة والبرودة المناسبة في الوقت المناسب لهم.

الحنين البيئي

يقول هندي: “أبلغ دليل على التأثير النفسي السيئ للتغيرات المناخية في الإنسان هو زيادة نسبة الانتحار 300% في أمريكا بعد إعصار كاترينا، كما لاحظ الخبراء زيادة معدلات التردد على العيادات النفسية بعد كل ظاهرة جوية سيئة، ومن المتوقع أن تزيد حالات الانتحار بسبب الاكتئاب البيئي عام 2050 بـ40%”.

ويوضح هندي: “هذه الحالة النفسية تعبر عن المعاناة التي يشعر بها الفرد بعد فقد مكان أو حياة معينة، كان معتادًا عليها، وانتهى نمطها المتعارف عليه، فنجد المئات من الناس يقولون اشتقنا لأيام الجو المعتدل، أو افتقدنا رؤية الأشجار من حولنا، ويقارنون بالصور بين شكل البيئة زمان والآن، فوقتها يشعر الناس بالحنين إلى هذه البيئة، وهي معاناة جديدة لم نكن نعرفها من قبل”.

الهجرة تغيّر المجتمعات

لم تؤثر التغيرات المناخية في الإنسان نفسيًّا فقط، بل أثرت في حياته الاجتماعية أيضًا، فهل سيتغير نمط المجتمعات عما اعتدناه بسبب الطقس؟ أجابت أستاذة علم الاجتماع وعضوة المجلس القومي للمرأة والخبيرة التنموية الدولية، الدكتورة هالة يسري لـ”شبكة رؤية الإخبارية” عن هذا السؤال، قائلة: “بالطبع تؤثر التغيرات المناخية في نمط المجتمعات، وقد يتغير عما نعرفه حاليًّا”.

وشددت هالة على أن الهجرة هي أحد التأثيرات الديموجرافية للتغيرات المناخية، وكلما ازدادت هجرة الأشخاص من مكان إلى آخر تغيَّر نمط المجتمعات، موضحة أنه سوف يترتب على ذلك تحول مهني، وهو ما قد يكون له إيجابيات بجانب السلبيات التي تلحق به.

عجز الإنسان أمام الطبيعة

شرحت هالة ذلك بأن فقدان الجسم للمياه بسبب الحرارة الشديدة وشعوره بالإرهاق المستمر يسببان له إحباطًا، لسعيه وراء لقمة العيش في ظل هذا الشعور السيئ، ويوجد بعض الأعمال التي تتأثر بالجو مثل الزراعة، وأصحاب هذه الأعمال يمكن أن يصابوا بالاكتئاب، فهم يبذلون أقصى طاقاتهم، ولكن تغيرات الكون تقف أمامهم، فيعجزون عن الوفاء بمتطلبات أسرهم من الغذاء والتعليم وخلافه.

وأوضحت الخبيرة التنموية: “تأثير درجات الحرارة على سبل العيش سينعكس بالسلب على دخل المواطن، فحاليًّا يحاول المئات التأقلم مع الظروف الاقتصادية الجديدة، بجانب التأقلم على ممارسة أنشطة الحياة اليومية، رغم الطقس السيئ وانتشار الأمراض المستحدثة بفعل التغيرات المناخية، وهي مهمات صعبة”.

التغيرات المناخية

التغيرات المناخية

تغير السلوكيات

تقول أستاذة علم الاجتماع: “مع انتشار الإحباط نتيجة الضغوط الاقتصادية والظروف المناخية السيئة، سوف تتغير سلوكيات المواطن بالتدريج، ومن الممكن أن تنتشر السلوكيات المحبطة والغاضبة، فتزداد المشكلات والاضطرابات بين الناس، وتتزايد حدة الصراع على لقمة العيش”.

وأشارت هالة إلى أنه يوجد العديد من المجتمعات التي ما زالت لم تتأثر بالتبعات الاجتماعية للتغيرات المناخية، ومنها المجتمع المصري، الذي اتخذ إجراءات لحماية الشواطئ لمواجهة نحر الدلتا، لبقاء نمط المجتمع المصري كما هو عليه، دون أن يعتريه أي تشويه لصورته التقليدية المتعارف عليها من سكان البلاد.

ربما يعجبك أيضا