على وقع الاحتجاجات.. الاقتصاد اللبناني يواجه خطر الانهيار

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

انتظر زعيم تيار المستقبل سعد الحريري 13 يومًا، ليقدم استقالته، بعد أن وصل إلى طريق مسدود مع الشارع اللبناني الذي لم يعد يثق بكل رموز الطبقة السياسية ويصر على شعار “كلكن يعني كلكن”، بعد أن ضاق ذرعًا بزيف الوعود، وانتشار الفساد والمحسوبية وارتفاع تكاليف المعيشة والضرائب، حتى إن الطفل اللبناني اليوم يولد مديونا بأكثر من 17 ألف دولار هي حصة المواطن من إجمالي الدين العام.

استقالة الحريري لم تجد نفعًا مع المتظاهرين، فالمارد الذي خرج من القمقم، بات مصرًا على الوصول إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه فالساحات التي اعتاد أن يحشدها استجابة لرموزه السياسية والطائفية، تحولت خلال 14 يوما إلى منزله الثاني الذي يكاد لا يفارقه، لا لشيء سوى المطالبة بإسقاط هذه الرموز وتشكيل حكومة قادرة على إنقاذ البلد مما وصلت إليه من عجز اقتصادي ومديونية تجاوزت حاجز الـ85 مليار دولار.  

ينتظر أن يعلن قصر بعبدا اليوم عن موقفه من استقالة الحريري الحديث في أوساط القصر والطبقة السياسية من الجنوب إلى الشمال، يدور حول احتمالات عدة منها قبول الرئيس ميشال عون للاستقالة والبدء في الاستشارات النيابية بحثا عن اسم توافقي وهنا تكهنت بعض الصحف المحلية ببعض الأسماء مثل رئيس الوزراء السابق تمام سلام أو السفيرين رامز دمشقيه ونواف سلام، وفي احتمال ضئيل قد يعيد عون تكليف الحريري نفسه بتشكيل حكومة جديدة.

خطر الانهيار

عون بات أمام موقف لا يحسد عليه لا بد أن يخرج هذه المرة إلى المتظاهرين بقرار يشفي الصدور، استمرار الأزمة أكثر من ذلك، حتى مع موافقة المتظاهرين على فتح الطرقات جزئيا هذا الصباح، لمعالجة الشلل الذي أصاب البلد على مدى أسبوعين، فهناك جمعية المصارف التي تصر على إغلاق أبواب المصارف إلى حين استقرار الأوضاع في الشارع، ما يؤثر على مستويات الثقة الدولية في اقتصاد البلد ويعطي انطباعا بأن الأمور تسير نحو الأسوأ.

قرار إغلاق المصارف على وقع الاحتجاجات، كان خطأ منذ البداية، فهو كما قال وزير الاقتصاد السابق ناصر السعيدي يعطي انطباعا للمودعين بأنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى أموالهم المودعة بالبنوك، كما أن يؤثر سلبا على حركة الأعمال التجارية وأسعار الصرف، ويصب في صالح السوق السوداء.

كل يوم يمر وأبواب المصارف مغلقة، يخلق قلقا أكبر في حال تم فتحها، إذ من المتوقع أن تشهد موجة هائلة من الإقبال على سحب الودائع، ما فتح الباب أمام مطالبات من المتخصصين بعودة عمل المصارف إلى طبيعته مع وضع قيود على عمليات السحب وسقف للتحويلات الدولارية إلى الخارج، بما يضمن الحفاظ على مستوى الودائع بالمصارف واستقرار العملة الوطنية.

بحسب وكالة “بلومبرج” تلقت مصارف لبنان طوال الفترة الماضية طلبات من كبار العملاء لتحويل ودائعهم إلى الخارج تحديدا إلى سويسرا، لا سيما مع رفع شعار “يسقط حكم المصرف” بالساحات، ما أجج مخاوف هجرة رؤوس الأموال، وجعل مطلب وضع قيود على حركة الأموال ملحًا، وهو الأمر الذي سبق وأن أكد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة أنه غير مطروح، قائلا في بيان منذ يومين: لن يكون هناك قيود على حركة الأموال أو خفضا لقيمة الديون” عندما يعاد فتح المصارف، لكننا في حاجة حل سياسي للأزمة التي تعيشها البلاد في غضون أيام، من أجل استعادة الثقة والحيلولة دون انهيار الاقتصاد في المستقبل.

في أعقاب الإعلان عن استقالة الحريري التي زادت من ضبابية المشهد بالنسبة للخارج تحديدا دائني لبنان، سجلت السندات السيادية للبنان أحد أسوأ أيامها أداءً على الإطلاق، إذ ارتفع العائد على إصدار مارس 2020 إلى 55% وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، بارتفاع بلغت نسبته نحو 16%، وإصدار 2022- 2021 ارتفع بنسبة تتراوح بين 6% و8% ليصل إلى مستويات 36%.

إلى ذلك خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أخيرا، تصنيفات بنكي عودة وبيبلوس – أكبر المقرضين اللبنانيين – إلى -CCC، في إشارة إلى عدم الثقة في قدرة الدولة على منع الانهيار الاقتصادي، أو دعم البنوك وحماية الودائع.

ومع استمرار التخبط الاقتصادي داخل لبنان، تراجع التصنيف الائتماني له إلى CCC، وارتفع معدل البطالة إلى 36% في العام الحالي، والفقر تجاوز سقف الـ30%، أما الهوة بين الفقراء والأغنياء فاتسعت بشكل مرعب خلال السنوات الأخيرة، إذ يعادل دخل 0.1% من السكان دخل نصف سكان البلاد مجتمعين، بحسب بيانات 2018.. فكان من الطبيعي أن يخرج اللبنانيون إلى الشارع بحثا عن حل.

في أبريل الماضي، حصل لبنان على تعهدات من مؤتمر “سيدر” للمانحين، بقروض تصل إلى 10.2 مليارات دولار، وهبات بقيمة 860 مليون دولار، لكن بشروط تتعلق بإثبات التزام الحكومة اللبنانية بخطة محكمة لإنعاش الاقتصاد، اليوم هذه القروض مهددة بالتلاشي مع دخول لبنان إلى حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

خيارات ضئيلة
التزمت مصارف لبنان طوال ثورة الـ14 يوما، بدفع الرواتب وتوفير سيولة بماكينات الصرف الآلي، بسقف للسحب عند مليون ليرة “663 دولارًا”، لكن إلى متى؟، فقبل هذا الحراك الشعبي كان المركزي اللبناني بالفعل مفلسا من العملة الصعبة، وتراجع الاحتياطي النقدي إلى نحو 19 مليار دولار، مقابل 25.5 مليار دولار في 2018.

ترى “بلومبرج” في تقرير نشرته اليوم، أن لبنان في حاجة لدراسة خيار وضع ضوابط على حركة رأس المال، حتى لو تم الأمر بصورة مؤقتة نظرا لاحتمالات موجهة رد فعل عنيف من مستثمري الشتات الذين تمثل تحويلاتهم الدولارية شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد المحلي.

وتتابع فتح أبواب المصارف بات أمرا ملحا، حتى لا تتضرر سمعة الاقتصاد المحلي أكثر من ذلك، كما أن وضع قيود على حركة الأموال سيكون ضرورية خلال الفترة الأولى من عودة المصارف إلى عملها المعتاد، حتى لا يتكدس المودعين على أبوابها لسحب كامل أموالهم، ما قد يحدث صدمة اقتصادية عنيفة تقود إلى انهيار سريع للاقتصاد والعملة.

هناك بعض الأراء تشير إلى حاجة لبنان إلى تعويم العملة، ورفع يد البنك المركزي عن سوق الصرف، لكن هذا الأمر قد يعمق أزمة الليرة الضعيفة بالفعل، نتيجة غيابها عن الكثير من التعاملات اليومية، والأهم العجز الكبير في الميزان التجاري، حيث لا تشكل الصادرات أكثر من 2 مليار دولار.

الخبير الاقتصادي شربل قرداحي اقترح في تغريدة له قبل أيام مجموعة من التدابير الاقتصادية المؤقتة، لتفادي المزيد من التوتر الاقتصادي، تمثلت في: وضع حد أقصى للتحويل الى خارج لبنان 7500 دولار بالأسبوع، وتخفيض الفوائد على الحسابات الدائنة ١٪ أسبوعيا، وخفض موازي على الحسابات المدينة، وشهادات الإيداع وودائع البنوك لدى البنك المركزي.

وفي تصريحات صحفية لـ قرداحي، قدر خسائر الاحتجاجات بنحو 30 مليون دولار يوميا، لافتا إلى خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه، ومحذرا من أن القطاعين العام والخاص قد يواجها صعوبات في سداد رواتب الموظفين في حال استمر “التسكير” وقطع الطرقات لأكثر من شهرين مقبلين.

 

 

ربما يعجبك أيضا