عن لعنة مالتوس.. من الكثافة السكانية إلى شبح الشيخوخة

مها عطاف

رؤية – مها عطاف

لم يترك الرئيس  المصري، عبدالفتاح السيسي، مناسبة إلا وتحدث عن خطر الزيادة السكانية، وكيف أنها يمكن أن تلتهم كافة جهود التنمية والإصلاح التي تقوم بها الدولة، وبعد 4 سنوات من الغياب، يجتمع المجلس القومي للسكان برئاسة الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، ويأتي الاجتماع في إطار تنفيذ توجيهات القيادة السياسية للبلاد بمواجهة الزيادة السكانية غير المنضبطة، والحد منها، وإعادة تفعيل الأدوار الحقيقية لـ”المجلس”، الذي أسس من أجلها، وظاهرة “الزيادة السكانية” لم تؤرق مصر فقط، لكنها تنتشر في جميع دول العالم، وأصبح معظمها يعاني من تلك الظاهرة ويبحث جاهدا عن إيجاد حلول لها، إلا أن تلك الحلول بدأت تظهر أثرًا مخيفًا آخر وهو “شيخوخة المجتمع” والتراجع الحاد في تعداد السكان.

ثانوس.. الوجه الآخر لمالتوس

قد تتذكر شخصية “ثانوس” الأخطر في تاريخ “مارفل”، والذي ظهر في الجزء الأخير من فيلم “avengers infinity war”، والذي آمن بأن الزيادة السكانية دمرت العالم، وبالتالي بدأ في تخطيط مساره لمحو نصف البشرية وإنقاذ الآخر، والمثير هنا أن ثانوس لم يكن سوى الوجه الآخر لعالم الاقتصاد الإنجليزي “توماس روبرت مالتوس”، الذي اشتهر بنظرياته التي حاولت تفسير ظاهرة التكاثر السكاني في عام 1798، ويرى مالتوس أن النمو السكاني يفوق ازدياد الإنتاج الغذائي، ولما كان الإنسان لا يستطيع الحياة من دون غذاء، فإن هاتين القوتين غير المتساويتين في النمو، لا بد لهما من موانع تدفع بهما إلى التكافؤ، وظلت نظريته للسكان معتمدة لفترة طويلة بين الاقتصاديين في العالم، وأدت إلى حدوث كوارث إنسانية، واتخذت مبرراً للإبادة الجماعية لكثير من الشعوب، وأجبر أبناء بعض العرقيات المضطهدة، مثل السود والهنود في أمريكا، على إجراء تعقيم قسري، كما أن تجربة التنمية السوفييتية التي شرّعت بدورها إبادة أعداد كبيرة من البشر، بحجة انحسار التراكم المطلوب للتنمية والتقدم الصناعي، ودعا مالتوس إلى زيادة معدل الوفيات بين الفقراء، معتبراً أن جميع الأطفال الذين يولدون فوق الحاجة، عليهم أن يموتوا.

من سياسة الطفل الواحد إلى ضريبة الطفل الواحد

فرضت الصين سياسة الطفل الواحد في عام 1979، وكان الهدف منها الحد من النمو السكاني، وبموجب هذه السياسة تم فرض عقوبات على المخالفين شملت دفع غرامات والطرد من الوظيفة أو مواجهة الإجهاض الإجباري أو الإخصاء، ولكن قبل ثلاث سنوات، أوقفت الصين تلك السياسة، عندما بدأت وتيرة شيخوخة المجتمع في الظهور شيئًا فشيئا، وأصبح الانخفاض في معدل المواليد أحد أكثر الموضوعات التي يجري الحديث عنها في عموم الصين حيث يسود الإحساس بأن ثمة أزمة تواجهها البلاد على هذا الصعيد.

وعقب عقود من محاولات التنامي السكاني، انعكست الدعاية الحكومية بتاتًا، وبدأت تستخدم شعارات تدعو الأزواج لإنجاب الأطفال من أجل البلاد، الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا بشأن سياسة الحكومة التي اعتبرها البعض متطفلة وتفتقر لحسّ المراعاة، وتجري حالياً مناقشة إجراءات تتنوع بين تمديد إجازة الأمومة والتشجيع على إنجاب طفل ثانٍ من خلال تقديم حوافز نقدية مباشرة أو إعفاءات ضريبية لبعض الوقت، حتى أن البعض يطالب برفع القيود على عدد الأطفال المسموح بإنجابهم كليا.

اليابان والإجهاض الإجباري

كانت اليابان، في عام 1948، أول دولة اتخذت إجراءً وطنيًا لتنظيم الأسرة، بعد أن أجازت الحكومة حينها الإجهاض ومنع الحمل، وجعلتهما متاحين ويسيرين، وبناءً على هذين الإجرائين انخفض معدل المواليد سنويًا في اليابان خلال السنوات العشر التالية، من 3.3% إلى 1.7%، نتيجةً للانتشار الواسع لعمليات الإجهاض، والتي أصبحت وسيلة قانونية ورئيسية لتنظيم النسل في دول أوروبا الشرقية.

وتنبهت اليابان كما حدث في الصين، إلى مشكلة “شيخوخة المجتمع” فمن المتوقع أنه إذا استمر تعداد السكان بالانخفاض، فإن في السنوات الخمسين القادمة، سينخفض التعداد في اليابان، لما يقرب من 87 مليون نسمة، وهذا الرقم يعتبر ثلثي مجموع عدد السكان حسب الإحصاءات الحالية، وبالتالي سيكون المجتمع نصفه بالكاد من المسنين، وذلك كظاهرة غير عادية، حيث سترتفع نسبة تعداد السكان ممن تزيد أعمارهم عن ٦٥ سنة إلى نحو ٤٠٪ وهذه هي نسبة لم تشهدها اليابان لتلك الفئة في أي وقت مضى.

وبالتالي بدأت تسن القوانين العاجلة ومن ذلك السماح بزيادة عدد المواليد المسموح به لكل أسرة وذلك من أجل إعادة شباب شعبها وزيادة نسبة الشباب إلى المسنين.

العقم الطوعي في الهند

لجأت الهند التي تعاني من انفجار سكاني إلى طرق للخفض الفوري لأعداد المواليد من خلال تعقيم السيدات وجعلهن غير قادرات على الإنجاب إذ يبلغ عدد سكان الهند 1.25 مليار نسمة وهي مؤهلة لأن تصبح البلد الأكثر سكانا في العالم في غضون العشرين عاما المقبلة وتجرى سنويا العمليات القسرية لعديد من النساء، وعلى نهجها بدأت باكستان برنامج تنظيم النسل سنة 1959م عن طريق تحديد طفل واحد لكل أسرة إلا في حالات نادرة يمكن إنجاب طفلين على الأكثر، وفي وقت مبكر من الستينيات من القرن العشرين بدأت كوريا الجنوبية في الاعتماد على توزيع أدوات منع الحمل، مع وجود تشريعات تسمح بإنجاب طفل واحد فقط، وهي تطبيق لسياسة “العقم الطوعي”، أي إجبار الفرد على عدم الإنجاب رغم قدرته على ذلك.

على الرغم من أن كثافة الزيادة السكانية قد تحمل نتائج سلبية على المجتمع والدول، إلا أنه من التجارب التي اطلعنا عليها في بلدان كالصين واليابان، نجد أن الانخفاض في معدل المواليد أيضًا قد يتسبب في أزمة تجوب البلاد، فالصين تتحول ببطء إلى مجتمع مسن، وهذا الأمر يمكنه أن يضع قيدًا كبيرًا على اقتصاد الصين خلال العقود المقبلة، الأمر الذي توقعه “جيمس ليانغ و جيانزين لي”، وهما أستاذان في جامعة بكين، وقد اعترضا على انخفاض معدل المواليد في الصين بشكل كبير جداً، وأنه إذا استمر هذا التوجه فإن البلاد ستقع في فخ الشيخوخة بسرعة، كما سيعاني الاقتصاد ويعاني المجتمع من عدم الاستقرار، كما حثّا على تعديل سياسة التخطيط العائلي أيضاً.

ربما يعجبك أيضا