كيف يرى القوميون الروس صفقة تبادل الأسرى مع أوكرانيا؟

رنا أسامة

المخاوف بشأن مبادلة الأسرى بين روسيا وأوكرانيا لم تتوقف حد المتشددين الروس، ولكنها طالت أيضًا حلفاء الكرملين المقربين.. ماذا قالوا؟


أبرزت اتفاقيتان مثيرتان للجدل لتبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، انقسامًا بين الكرملين وقوميين روس غير راضين عن سياسات موسكو في الحرب.

وأُفرج هذا الأسبوع عن 10 أسرى حرب أجانب، بينهم بريطانيون واجهوا عقوبة الإعدام، في إطار صفقة تبادل أسرى توسطت فيها السعودية، حسبما ذكرت مجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية في تقرير نشرته يوم أمس السبت 25 سبتمبر 2022.

جهود سعودية

في بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، أعربت المملكة عن تقديرها وامتنانها لتجاوب روسيا وأوكرانيا مع جهود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، التي تأتي استمرارًا للمبادرات الإنسانية التي تتبناها المملكة تجاه الحرب الروسية الأوكرانية.

ووفق البيان الذي أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، فإن الأسرى المنتمين إلى الولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكرواتيا والمغرب جرى نقلهم من روسيا إلى المملكة، ولكن لم يحدد البيان موعد نقل الأسرى إلى بلدانهم.

عواقب روسية

في يونيو الماضي، أصدرت محكمة جمهورية دونيتسك الشعبية، الموالية لروسيا، حكمًا بالإعدام على البريطانيين، شون بينر وأيدن أسلين، إلى جانب المغربي، سعدون إبراهيم، بالإعدام. وبرر الكرملين تلك العقوبة قائلًا إن “محاولات بريطانية أسهمت لفترة طويلة في تشويه الوضع على الأرض، بما كوّن لدى البريطانيين شعورًا خاطئًا بأن كسب المال من إراقة الدماء في أوكرانيا قد يمر مرور الكرام”.

ولكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قالت إن هذه العقوبة تظهر أنه يوجد عواقب لذلك، وأنه من الخطير تصور تلك الأوهام. وأصر المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، على أن موسكو لا تستطيع التدخل في النظام القضائي في دونيتسك، التي أقرت بها روسيا دولة ذات سيادة، عشية بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي.

صفقة مفاجئة

تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هاتفيًّا، بشأن تبادل الأسرى. وعبر الزعيمان عن ارتياحهما لنقل أسرى حرب أجانب إلى المملكة، بوساطة شخصية من ولي العهد، بحسب بيان صادر عن الكرملين، أول أمس الجمعة.

وخلال الأسبوع عينه، أعلن الكرملين صفقة مفاجئة يوم الأربعاء الماضي، للإفراج عن 215 أسير حرب أوكرانيًّا، من ضمنهم أكثر من 100 عضو من كتيبة “آزوف القومية المتطرفة”. ويستبدل الاتفاق، الذي جرى التوصل إليه بمشاركة تركية واسعة النطاق، الجنود الأوكرانيين الأسرى، بالمعارض الأوكراني فيكتور ميدفيدشوك، الذي يتهمه منتقدوه بتبني مواقف موالية للكرملين، إلى جانب 55 أسير حرب روس.

موقف متغير

رفض مسؤولو الكرملين هذا الاقتراح، تحديدًا، عندما قدمه الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، للمرة الأولى في إبريل الفائت. وقال بيسكوف، وقتذاك، إن ميدفيدتشوك ليس مواطنًا روسيًّا، بل سياسيًّا أجنبيًّا، نافيًا ارتباطه بما تسميه موسكو عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا.

وفي حين أن موسكو لم توضح بالضبط ما الذي دفعها فجأة إلى تغيير موقفها، فإن هذا التراجع المفاجئ لم يمر من دون أن يلاحظه أحد من المعلقين الروس المتشددين.

أمر غير مقبول

المخاوف بشأن المبادلة لم تتوقف حدّ المتشددين الروس، ولكنها طالت أيضًا حلفاء الكرملين المقربين. ففي منشور عبر موقع “تليجرام”، أعرب الزعيم الشيشاني، رمضان قديروف، عن عدم رضاه بشأن الصفقة، مضيفًا أن “المجرمين المعترف بهم كإرهابيين لا يمكن استبدالهم بجنود”، في إشارة إلى إعلان المحكمة العليا الروسية، أغسطس الماضي، كتيبة آزوف، منظمة إرهابية.

وفي حين يهدد القانون الجنائي الروسي منظمي المجموعات المندرجة تحت هذا التصنيف والمشاركين فيها، بأحكام بالسجن تتراوح من 10 سنوات إلى السجن مدى الحياة، قال قديروف إن إطلاق سراح “إرهابي” واحد من “آزوف” أمر غير مقبول.

مشروع قانون روسي

عندما شن بوتين حملته العسكرية في أوكرانيا، فجر 24 فبراير الماضي، حدد هدفين، هما نزع السلاح واجتثاث النازية من البلاد، في حين مثلت كتيبة آزوف وجه “النازية الأوكرانية”، كما أطلق عليها الكرملين وحلفاؤه. ورافق استسلام قوات الكتيبة وقادتها للروس في مايو، وذلك بعد أشهر من الحصار لمصنع آزوفستال للمعادن في ماريوبول، دعوات وخطط لمحاكمتهم في محكمة دولية.

ومع أن روسيا تفتقر إلى آلية قانونية لفرض عقوبة الإعدام، أثيرت تكهنات واسعة النطاق بأن مقاتلي آزوف سيُحاكمون ويُعدمون في دونيتسك. وفي مايو الماضي، قدم السياسي الروسي، أناتولي واسرمان، مشروع قانون كان من شأنه نزع الطابع القانوني عن استبدال أعضاء آزوف بأسرى حرب روس، في حين أيّده رئيس مجلس الدوما (البرلمان)، فياتشيسلاف فولودين، واصفًا إياهم “مجرمي حرب”.

معارضة ليست بجديدة

حسب “ناشيونال انترست”، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يعارض فيها قوميون روس، علنًا، تعامل الكرملين مع الحرب الروسية الأوكرانية. ففي مارس الماضي، أثارت أنباء عن اقتراب مفاوضين أوكرانيين وروس من التوصل إلى تسوية سلمية، قد تضحي بالأهداف الرئيسة لموسكو، صدمة وغضب في صفوف معلقين وساسة روس.

بيد أنه لا يوجد أي مؤشر على وجود انقسام قومي بين النخب في موسكو، في حين تمكن الكرملين من حشد الدعم بين تحالف واسع من الروس الذين يعرفون أنفسهم على أنهم وطنيون ملتزمون بما يطلق عليه مشروع “استعادة الإمبراطورية الروسية الجديدة”، واستمرار المواجهة مع الغرب.

دعم روسي لبوتين

تظهر استطلاعات رأي أجريت منذ 24 فبراير، أن غالبية الروس يواصلون دعم بوتين، وكذلك تحركات الجيش الروسي في أوكرانيا.

وتجمع عشرات الآلاف في مسيرات في موسكو ومدن روسية رئيسة أخرى، يوم الجمعة، لإظهار الدعم للاستفتاءات المخطط لها، التي من شأنها أن تجعل من جمهورية دونيتسك ولوغانسك الشعبية وخيرسون وزابوروجيا في جنوب وشرق أوكرانيا جزءًا من روسيا، وهذا تذكير قوي من الإجماع القومي الذي غرسه الكرملين بنجاح في الأشهر التي أعقبت الحرب، بحسب الصحيفة الأمريكية.

 

ربما يعجبك أيضا