فاضل باشا.. قصة مسجد ارتبط تاريخه بـ”قيثارة السماء”

هدى اسماعيل

عاطف عبداللطيف- هدى إسماعيل

بجانب المدرسة الخديوية بالسيدة زينب في القاهرة التاريخية وعلى أطراف درب الجماميز العتيق تجده شامخًا بين المباني الخرسانية الطويلة، ولكن مئذنته لا زالت تناطح غزوات التمدن بمعالم أثرية باقية شاهدة على رجال كانوا هنا.

حالة من السكون والهدوء تسيطر عليك بمجرد أن تعبر باب المسجد العتيق، فهو ليس مسجدا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حتى لفقيه أو لعالم، بل هو مسجد يحمل اسم “مصطفى باشا فاضل” حفيد محمد علي مؤسس مصر الحديثة، ويحمل اسمه فقط، ولكن الصوت الذي يتردد بداخله هو “قيثارة السماء” الشيخ محمد رفعت، فهنا تلا أول آياته وآخرها.

تعويض عن الحكم

أنشأ الجامع الأمير “بشتاك” الذي كان من أكثر الأمراء المماليك قربًا من الملك الناصر محمد بن قلاوون، وبنى الأمير بشتاك في مواجهة الجامع مباشرة خانقاه”، وهي مكان مخصص لخلوة أتباع الصوفية”، ووصل بينه وبين الجامع بمعدية، غير أن هذه الخانقاه اندثرت بفعل الإهمال والسرقة، ومكانها الآن سبيل أنشأته الأميرة “ألفت هانم قادن” والدة فاضل باشا.

وبعد مقتل صاحب الجامع ومؤسسه الأمير “بشتاك”، ظل مهملًا طوال حكم المماليك والعثمانيين، حتى أنقذته الأميرة “ألفت هانم” وقامت بترميمه عام 1277هـ، وعهدت بذلك إلى وكيلها نيازي بك، فأعاد بناء جميع أجزائه ما عدا بابه القديم ومئذنته التي تعد الآن من أبرز مآذن القاهرة الأثرية التي بقيت على حالتها المعمارية الأصلية.

وبعد ترميم الجامع لم تجد “ألفت هانم” أدنى مشكلة من محو اسم صاحبه الأصلي “بشتاك”؛ لتثبت أنه موعود بعدم تحقق أحلامه، فأثناء حياته حرمه “قوصون” من ملك مصر، وفي مماته حرمته الأميرة “ألفت” من اسم جامعه، وأطلقت عليه اسم ابنها “مصطفى باشا فاضل” شقيق الخديو إسماعيل ووريثه الشرعي، كتعويض من والدته في منفاه ومماته عن ملك كان يستحقه في حياته .

ودفن بداخله كل من “مصطفى فاضل” ونجله “أحمد رشدي” وقد نقل رفات الأول من إسطنبول إلى القاهرة.

مئذنة “بشتاك” سابقًا

يطل جامع الأمير “فاضل” على شارع بورسعيد الشهير من جانب ودرب الجماميز من جانب آخر، ويستطيع الواقف فوقها أن يتأمل ملامح باب الجامع القديم بتجويفه العلوي المحلي بمقرنصات مركبة ذات دوال بديعة تنم عن عمارة فريدة وذوق رفيع.

وبمجرد عبور الباب الخشبي، تستقبلك الردهة بمقاعد خشبية مرصوصة، وجزء خاص لحفظ الأحذية على اليمين، وهناك جزء خاص لصلاة النساء يسارًا، حيث تتسلل أشعة الشمس عبر نوافذ خشبية بالسقف، حتى يأتي الظل بعبور عمودين من الرخام متواجدين قبل الباب الحجري لساحة الصلاة، التي يعلوها لافتة مزخرفة كتب عليها ”إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا”.

على الرغم من أن “المقريزي” ذكر في مخططه أنه تم تجديد المئذنة عام 1278هـ، إلا أن العديد من المؤرخين نفوا ذلك وأكدوا أن المئذنة الحالية للجامع هي بذاتها المئذنة الأصلية ودللوا على ذلك بعدم تغير شكلها والكتابات التي تزينها.

بقي المسجد على حاله إلا من دخول بعض التجديدات للحفاظ عليه، وفي ساحة الاستقبال حيث لافتة تشير إلى حجرة الإمام، يحتفظ القائمون على إدارة المسجد التاريخي بما يريد أن يعرفه الوافد عن الشيخ ”محمد رفعت”، على جهاز الكمبيوتر، العديد من الصور.

ويحظى مسجد مصطفى فاضل بمحبة خاصة في قلوب رواده، فعندما أغرقته المياه الجوفية في التسعينيات، اشتركوا سويًا في صنع مضخة لإزاحتها، ثم تدخلت الحكومة المصرية وأنهت الأزمة، وفي السنوات الأخيرة حينما استشعروا أن المسجد في حاجة للتجديد، قرروا جمع الأموال بينهم ليصبح في أبهى صوره ولكن كانت يد وزارتي الآثار والأوقاف سابقة للتجديدات.

محمد رفعت

في مسجد ”فاضل باشا” طالما التقى المحبون بالـشيخ ”محمد رفعت”، أو كما يطلق عليه بعض الناس “مسجد الشيخ رفعت”، فلا يُعرف مسجد ”مصطفى فاضل باشا” باسمه بل لشيخه الذي لم يفارقه منذ نعومة أظافره.

ومنذ سن الثالثة التحق الطفل ”محمد محمود رفعت” بكتّاب ”بشتاك” المقابل للمسجد، متنقلًا بين حفظ القرآن الكريم والتجويد، وتعلم القراءات السبع وحتى الموسيقى التي أصر شيخه ”السمالوطي” على تعليمه إياها.

في ذلك المكان انتقلت الإذاعة بمعداتها في بدايتها، لتسجيل تلاوة قرآنية لمن افتتحها بصوته فكان أول مقرئ بها، وذلك في حضور الزعيم الوفدي ورئيس الحكومة المصرية آنذاك مصطفى النحاس باشا، ليؤذن ”محمد رفعت” إلى الصلاة وتسجل الإذاعة الأذان عام 1934 الذي تربت أجيال على سماعه خاصة في شهر رمضان.

ربما يعجبك أيضا