فنلندا العضو 31 في الناتو.. لماذا وافقت تركيا بعد عام من المماطلة؟

محمد النحاس

ما أبعاد انضمام البلد الإسكندافي للحلف؟ وكيف سيستفيد الطرفان من ذلك؟


بعد أشهر من المماطلة، وافقت تركيا أخيرًا على انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وصوّت البرلمان التركي بالموافقة.

وأصبحت فنلندا العضو 31 بالحلف، في ضربة موجعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرى أن تمدد الحلف يهدد أمن بلاده، لكن لماذا تأخرت الموافقة؟ ولماذا لم تقبل تركيا عضوية السويد كما قبلت فنلندا؟ والأهم من ذلك ماذا ستقدم فنلندا للناتو؟ وماذا سيقدم لها الحلف؟  

تبعات انضمام فنلندا للناتو

بحسب الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الفنلندية، سوف تعزز عضوية الناتو أمن فنلندا في البيئة الأمنية المتغيّرة، وأيضًا سوف تسهم في تحسين الاستقرار والأمن في منطقة بحر البلطيق، وشمال أوروبا.

وبحسب وزارة الدفاع الفنلندية، فسوف تعزز القدرات الدفاعية للبلد الإسكندافي، ومرونتها في مواجهة الأزمات، الأمن الجماعي للحف، وفي مقابل ذلك، سوف تسري عليها المادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي، والتي تطلب من الدول الأعضاء أن تساعد أي دولة عضو في الحلف تتعرض لهجوم مسلح.

ومن شأن انضمام فنلندا للحلف، أن يمثل مصدر قلق لروسيا التي تندد بـ “تمدد الناتو”، خاصةً تلك التي تجمعها حدود مع روسيا، وقد كان أحد مبررات الحرب في أوكرانيا، وقف تمدد الحلف الأطلسي، لكن وعلى النقيض ساهمت المخاوف الأمنية لدى فنلندا أن تسعى للانضمام، وكذلك كان الحال بالنسبة للسويد.

الجيش الفنلندي

عدد جنود الجيش الفنلندي يصل إلى 280 ألف جندي في الخدمة، 870 ألف على قوة الاحتياط، في البلد البالغ تعداده 5.5 مليون نسمة، ورفعت فنلندا مؤخرًا ميزانية الدفاع لتصبح 2 % لتناسب نسبة الناتو، وبدلًا من التدرب على خوض نزاعات خارجية، يركز الجيش على السيطرة على أراضيه لصد أي غزو محتمل.

497bd9dc0cdf478998293c79da01db9b

تمتلك فنلندا قوة جوية متماسكة، تضم ما يقرب من 160 طائرة، توفر مراقبة جويّة دقيقة، نظرًا لقربها من المجال الجوي الروسي، كما تعد نظام المدفعية، واحد من أقوى النظم في أوروبا، في حين أن القوة البحرية لديها صغيرة لكنها قوية، وتتكون من 250 سفينة، وذلك وفقًا لشبكة تلفزيون الصين الدولية.

ويرجع التعاون مع الحلف إلى عام  1994، عندما وقعت سلسلة من اتفاقيات التعاون بهدف ضمان هيكلة القوات المسلحة الفنلندية للعمل بسلاسة مع أعضاء الحلف، وشارك البلد الإسكندافي في مجموعة من العمليات الخارجية، رفقة قوات الناتو في البلقان، وأفغانستان والعراق.

موافقة طال انتظارها

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد وعد فنلندا بالموافقة على الانضمام إلى الناتو، بعد اتهامات من أنقرة للبلد الإسكندافي بدعم وإيواء مجموعات تعتبرها تركيا إرهابية، إلا أنها اتخذت مواقف جدية في هذا الصدد، وفقًا لأنقرة. 

2023 03 17T125904Z 1074732882 RC2OVZ9A07B8 RTRMADP 3 NATO NORDICS TURKEY FINLAND 1024x695 1ذات الاتهامات طالت السويد التي يبدو أن الخلاف معها أكثر تعقيدًا، وتقدم البلدان بطلب الانضمام لحلف شمال الأطلسي في مايو الماضي، وتعوق تركيا انضام السويد، وفقًا لما أوردت شبكة سي إن إن الأمريكية الإخبارية، وقد وافقت المجر الأسبوع الماضي فحسب على انضمام فنلندا للحلف.  

خطوات جدية

نهاية يناير الماضي كان الرئيس التركي قد تعهد بالموافقة على طلب فنلندا الانضمام إلى الناتو، بعد ما قال إنها “اتخذت إجراءات حاسمة وخطوات ملموسة في التعامل مع مطالب تركيا بجدية”، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية، لكن السؤال البارز أليس من مصلحة تركيا تمدد الحلف فلماذا كانت تعطل ذلك؟ 

علاوةً على مزاعم تركيا بإيواء البلدان عناصر من الحزب العمال الكردستاني، تشير مدير مركز الدراسات التركية بمعهد الشرق الأوسط، جونول تول، إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يرغب في إغضاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

أردوغان يحتاج بوتين؟

تقول الكاتبة البارزة جون تول: “كانت روسيا بمثابة شريان حياة اقتصادي لتركيا بعد أن فرضت دول أخرى عقوبات عليها بسبب أنشطتها في سوريا، وتعاونها عسكريًّا مع روسيا”، مضيفةً في حديثها مع سي إن إن، أنه لولا الأموال الروسية، لم يكن أردوغان قادرًا على رفع الأجور أو تقديم الدعم المالي للطلاب. 

وتضيف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعد في هذه الأثناء بإعادة تشييد ما تهدم من أثر الزلزال المدمر، لافتةً إلى أن “الروس ما زالوا شريكًا جذابًا لأردوغان”.

غطاء سياسي وعوامل داخلية

فيما يتعلق بإيواء فنلندا والسويد عناصر إرهابية، تعتقد تول أن المزاعم التركية بهذا الصدد توفر غطاءًا سياسيًّا مثاليًّا لأردوغان خاصةً في ظل نمو المشاعر المعادية للأكراد داخل تركيا.

وفي تحليل نيكلاس رولاندر وأوت أميلاز، بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية يرى الكاتبان، أنه مع قرب انتخابات الرئاسة التركية، قد يحاول أردوغان الحفاظ على موقف متشدد ضد السويد، وذلك لتعزيز دعمه في الأوساط القومية التركية.

خطوات غير كافية

في يونيو الماضي، وقعت الحكومات الثلاث، التركية والفنلندية والسويدية، مذكرة تفاهم ثلاثية، توضح مسارات التفاوض على الانضمام إلى الناتو، وتشمل 10 نقاط، ويتضمن البند 8 إجراء خطوات ملموسة من المتقدمين (فنلندا والسويد) لدعم الجهود الأمنية التركية.

كانت السويد قد اتخذت بعض الإجراءات لإرضاء الجانب التركي، لكن ووفق محلل الشؤون السياسية، ريتش أوزن، في تحليل له بموقع المجلس الأطلسي، لم تلبِّ الخطوات السويدية الحد الأدنى من التوقعات التركية.

دعم السويد لحزب العمال

 لم تتخذ السويد خطوات جادة لحظر أنشطة حزب العمال الكردستاني، وفق أوزن، وأحد مواضع الخلاف الرئيسة، وجود 130 عنصرًا على الأراضي السويدية، تزعم أنقرة ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، وتطالب بتسليمهم، لكن من غير المتوقع أن تتخذ السويد خطوات في هذا الصدد.

 وعلاوةً على ذلك دعمت السويد وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، وقدمت السويد مساعدات مالية للمجموعة التي تدعمها كذلك واشنطن، والتي قاتلت ضد تنظيم داعش الإرهابي، لذلك تبدي أنقرة موقفًا أكثر تزمتًا في التعامل مع السويد. 

فنلندا.. موقف مختلف

لكن بالنسبة لفنلندا فالوضع مختلف، فأشادت تركيا بجدية البلد الإسكندافي في التعامل مع المخاوف الأمنية التركية، والتزمت الأخيرة خطًّا أكثر التزامًا بالشروط الأمنية التركية في التعامل مع حزب العمال، الذي تصنفه أنقره إرهابيًّا، وتزعم تنفيذه عمليات إرهابية على أراضيها.

ربطت فنلندا باديء الأمر انضمامها إلى الناتو بدخول السويد للحلف، ولكن مع العرقلة التركية لانضمام ستوكهولم، أقدمت فنلندا على هذه الخطوة منفردة، في ظل مخاوف أمنية بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية فبراير الماضي 2022، والتي غيرت من التعاطي التاريخي من تعامل فنلندا التي يجمعها بروسيا 1300 كيلومترًا من الحدود مع روسيا، وفقًا للتحليل المنشور بـ”الأطلسي”.

هل توافق تركيا على انضمام السويد؟ 

ووفقًا لخبير الشأن التركي، ريتش أوزن، فإنه سواءً فاز أردوغان بالانتخابات القادمة أم خسر، من المتوقع أن تستمر محادثات انضمام السويد إلى الحلف، مرجحًا أن العملية لن تكون سهلة، لكن فنظرًا إلى المزايا المتوقعة لكلا الجانبين من المتوقع أن توافق تركيا.

وفسر أوزن هذا الرأي، الذي يرجح موافقة أنقرة في نهاية المطاف، على انضمام السويد، لأن تمدد وتوسع الحلف مفيد لتركيا، ويعد ضمانًا جيواستراتيجيًّا لها في ظل علاقاتها الملتبسة مع الدول الأوروبية، وفشل مساعيها لدخول الاتحاد الأوروبي.

ربما يعجبك أيضا