«فورين أفيرز»: أردوغان يواجه أصعب محاولة لإعادة انتخابه

بسام عباس

أردوغان معروف بإصراره على الفوز بالانتخابات، ونظرًا لمدى تعرضه للخطر، فمن المرجح أن يستخدم أي وسيلة لتجنب الهزيمة


يواجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مايو المقبل، ما اعتبرته مجلة فورين أفيرز أصعب محاولة لإعادة انتخابه في حياته السياسية.

وأوضحت المجلة أن معدّل التضخم في تركيا أصبح 85% في نوفمبر 2022، ثم انخفض إلى 64% في ديسمبر 2022، في الوقت الذي أصبحت فيه السياسة الخارجية وسيلة فاعلة لصرف انتباه الناخبين عن أزمات متعددة في الداخل.

إصرار على الفوز

في مقال نشرته، أول من أمس الجمعة 3 فبراير 2023، أشارت المجلة إلى أن استطلاعات الرأي الحالية تقول إن أردوغان وحزب العدالة والتنمية قد يخسران الانتخابات المزمع إجراؤها في 14 مايو، وبالنسبة إلى أي زعيم آخر، فإن مثل هذه المستويات من عدم الشعبية والضيق الاقتصادي، قد تؤدي إلى هزيمة مؤكدة.

وأضافت أن أردوغان معروف بإصراره وقدرته على الفوز بالانتخابات، وأنه نجح في تثبيت أرقام استطلاعات الرأي، ونظرًا لمدى تعرضه للخطر، فمن المرجح أن يستخدم أي وسيلة لتجنب الهزيمة، لافتة إلى أن لديه العديد من الأوراق للعبها، وربما يسعى لافتعال أزمة لتغيير المزاج المحلي.

وأوضحت أن أوروبا والولايات المتحدة يجب أن تستعدا لمثل هذا التطور لتقليل الضرر المحتمل إلى الحد الأدنى، ويجب أن يكون لديهما استراتيجية لمواجهته، فتركيا دولة مهمة للغاية لا يمكن أن يُسمح لها بالابتعاد عن النفوذ الغربي.

إرباك الناتو

قالت المجلة الأمريكية إن تركيا أثبتت أنها أكثر دولة إرباكًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ انضمامها إليه، فمع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وقف الحلف ضد عدو مشترك ممهدًا الطريق لتوسيع الحلف، إلا أن تركيا غردت بعيدًا عن السرب فحافظت على علاقات ودية مع روسيا، وهددت بمنع ترشيحات الناتو للسويد وفنلندا.

وأشارت الحكومة التركية إلى أنها ربما تبدأ غزوًا بريًّا جديدًا لشمال سوريا لمواجهة الأكراد السوريين، الذين يعملون في تلك المنطقة. وحتى مع قيام تركيا بإصلاح العلاقات المتوترة مع العديد من قوى الشرق الأوسط، فقد استمرت في علاقاتها الباردة مع الاتحاد الأوروبي ووجهت تهديدات جديدة لليونان.

توتر العلاقات

ذكرت المجلة أن هذه التحركات مثيرة للجدل في الغرب، إلا أنها تحظى بشعبية عامة في تركيا، فعلاقات تركيا المتوترة مع جيرانها وحلفائها ومنافسيها مفيدة للتعويض عن أوجه القصور المحلية، وقبل كل شيء حالة الاقتصاد التركي المتردي، خاصة أن ارتفاع معدل التضخم يرجع جزئيًا إلى إصرار أردوغان على خفض أسعار الفائدة.

ونقلت تصريحات وزير المالية التركي، نور الدين نبطي، بأن التعايش مع التضخم أفضل من الركود الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة التقليدية للبنك المركزي، وهو ما أطلق عليه نبطي “النموذج التركي”، والذي يزعم أنه ليس ناجحًا على نطاق واسع فحسب، بل أصبح أيضًا موضع حسد من بقية دول العالم.

إحكام القبضة

ذكرت المجلة أن أردوغان عزز سلطته بتقويض أو القضاء على استقلال المؤسسات التركية الأساسية، مثل وسائل الإعلام والجامعات والجيش ومؤسسة القضاء التي استخدمها للضغط على خصومه، لافتة إلى أن السجون التركية مليئة بالسياسيين المعارضين والصحفيين والأكاديميين وقادة المجتمع المدني، مثل عثمان كافالا وأي شخص آخر يكره أردوغان.

وأضافت أن الهيمنة الكاملة على الدولة والمجتمع أصبحت كعب أخيل لأردوغان، فهو قدم للأتراك أسبابًا لإلقاء اللوم عليه في الأزمات التي تعانيها البلاد، رغم جهوده لإلقاء اللائمة في مشكلاته الاقتصادية على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأنه أحاط نفسه بمؤيدين مستعبدين بدلًا من صانعي السياسة المخضرمين، فأصبح يرتكب المزيد من الأخطاء.

استنزاف الخزانة

قالت المجلة إن أردوغان يبدأ موسم حملته الانتخابية بميزتين كبيرتين، فهو يتحكم على نحو كامل في الدولة ومواردها، والتي يمكنه استخدامها لدعم إعادة انتخابه، ويسيطر تمامًا على الفضاء العام، ويحاول كسب الوقت والاستحواذ على الإجراءات المرتجلة التي تعمل أساسًا على استنزاف الخزانة الوطنية.

وأشارت إلى أنه تنازل عن ديون نحو 5 ملايين مقترض تركي، ووجه البنك المركزي إلى تقديم ائتمان باهظ رخيص على قطاعات يعتقد أنها ستساعده بقدر أفضل على تحقيق أهدافه، ولكن مع انهيار الليرة التركية، أدخلت الحكومة مخططًا للودائع يشجع المدخرين على التحول من الدولار إلى الليرات، ما يزيد العبء على الخزانة على نحو كبير.

نغمة القومية التركية

أفادت المجلة أن أردوغان يستخدم السياسة الخارجية كأداة مهمة للحفاظ على الذات وتعظيم الذات، وساعده موقع تركيا المهم بين روسيا والشرق الأوسط والغرب على تغذية رغبته في الاعتراف والمكانة، فساهم توسطه في رفع جزئي للحصار الروسي عن الموانئ الأوكرانية، والسماح لشحنات الحبوب الأوكرانية بالوصول إلى الأسواق العالمية.

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يمكنه أيضًا استخدام السياسة الخارجية لرفع نغمة القومية التركية، واتخاذ مواقف شعبية يصعب على المعارضة مواجهتها، فاتفقت المعارضة السداسية مع تصريحاته المتعلقة بالسياسة الخارجية، ولم تطعن في تحوله الأخير في العلاقات مع دول الشرق الأوسط أو علاقاته الحميمة مع روسيا.

العلاقات التركية الروسية

أوضحت فورين أفيرز أن السياسة الخارجية تقدم لأردوغان طرائق مختلفة لتعزيز قيادته في الداخل، مشيرةً إلى أنه براجماتي لا يمكن التنبؤ بأفعاله، وكشفت سياساته بشأن أوكرانيا وروسيا، ففي أثناء سعيه للحصول على ائتمان لصفقة الحبوب الأوكرانية ولإمداد أوكرانيا بطائرات مسيرة، ساعد موسكو في التهرب من العقوبات الغربية وتخفيف أضرارها على الاقتصاد الروسي.

وأضافت أن العلاقات التركية الروسية معقدة ومتشابكة على جبهات عديدة، إلا أن هذه التحركات لمساعدة بوتين تساعد أردوغان أيضًا، فتدفق الروبل إلى الخزائن التركية، سواء من التجارة المخالفة للعقوبات أو من السياحة الروسية، ما يساعد في النهاية على دعم الليرة وتمويل واردات الطاقة من روسيا.

سبل المواجهة

قالت المجلة الأمريكية إن على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين البدء في الاستعداد لما هو غير متوقع من تركيا، لمواجهة اندفاع أردوغان السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات، لافتةً إلى أن من بين تحركاته المحتملة شن مواجهات عرضية مع اليونان، ومع الولايات المتحدة في شمال سوريا، أو تغيير الوضع الراهن في الجزء التركي من قبرص.

وأضافت فورين أفيرز أن أردوغان سعى للحصول على تفويض من الزعيم الروسي، فلاديمير بوتين، لإجراء عمليات كبيرة في سوريا ضد الأكراد، لكن اعترض بوتين، موضحة أن الشكوك بشأن تورط روسيا في حوادث حرق القرآن الأخيرة تعني أن موسكو قررت إعطاء تركيا الضوء الأخضر في سوريا.

وأفادت أن أيًّا من هذه التحركات ستثير أزمات حادة في التحالف الأمريكي التركي، والعلاقات التركية الأوروبية، وداخل الناتو، إلا أن العلاقات الأمريكية التركية أكثر تعقيدًا وأوسع نطاقًا، فالحكومتان تعملان معًا على جميع المستويات، وبقدر ما تحتاج واشنطن إلى أنقرة، فإن تركيا تعتمد بقدر أكبر على الولايات المتحدة.

ربما يعجبك أيضا