فورين أفيرز: الحزب الشيوعي الصيني يبحث عن مصدر جديد للشرعية

آية سيد
لماذا تلتزم الصين موقفًا محايدًا تجاه اشتباكات السودان؟

لم يعد بوسع الحزب الشيوعي الصيني الاعتماد على الأداء الاقتصادي كمصدر للشرعية السياسية والدعم الاجتماعي. ولذلك، يتجه الآن نحو القانون لإضفاء الشرعية على حكمه.


على مدار الـ3 عقود الماضية، ارتكز الحكم السياسي للحزب الشيوعي الصيني على نجاحه في إدارة الاقتصاد.

لكن مؤخرًا، لم يعد بوسع حكام الصين الاعتماد على الأداء الاقتصادي كمصدر رئيس لشرعيتهم السياسية. ولذلك، يتجهون إلى القانون لإضفاء المشروعية على حكمهم، حسب ما يوضح أستاذ القانون بكلية ييل للحقوق، تايسو تشانج.

صفقة سياسية

في المقال، الذي نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، يقول تشانج إنه في أعقاب احتجاجات ميدان تيانانمين في 1989، عقدت الحكومة الصينية صفقة سياسية ضمنية مع عامة الشعب. وبموجب تلك الصفقة، يقبل الشعب الحكم الاستبدادي مقابل التمتع بمستوى معيشة أعلى.

وعلى الرغم من أن دولة الحزب قدمت أداءً اقتصاديًّا قويًّا في العقود التالية، بدأ التصدع يظهر في هذا الأساس السياسي، في منتصف العقد الماضي. هذا لأن النمو تباطأ بدرجة كبيرة منذ السنوات الأولى للقرن الحادي والعشرين، وكان الاقتصاد يواجه رياحًا معاكسة قوية.

تراجع اقتصادي

حسب تشانج، كانت ديون الحكومات المحلية ترتفع، والفقاعة العقارية تزداد خطورة، والعائدات على استثمارات البنية التحتية تتراجع، وكانت الدولة تتجه نحو تراجع ديموجرافي طويل الأمد. وردًا على هذا، تصاعدت التوترات الاجتماعية بشأن الأجور، وانعدام المساواة، وغياب التنقل التصاعدي.

وتسببت جائحة كوفيد-19، التي بدأت في أواخر 2019 وأدت إلى تعطيل الأعمال في الصين، في تسريع هذه التطورات. وفي 2022، أصبح الاقتصاد عبئًا سياسيًّا خطيرًا على دولة الحزب.

ورغم أن انتعاش ما بعد الجائحة قد يدفع النمو فوق 5% في 2023، أصبح واضحًا الآن أن حكام الصين لم يعد بوسعهم الاعتماد على الأداء الاقتصادي كمصدر للشرعية السياسية والدعم الاجتماعي. ولذلك، يتجهون الآن نحو القانون لإضفاء الشرعية على حكمهم.

البحث عن الشرعية

يقول أستاذ القانون إن الأنظمة الاستبدادية تميل إلى تفضيل الشعبية والامتثال الطوعي على القمع، وحجم الشعب الصيني يجعل هذا التفضيل ضروريًّا. ومنذ 2013، بدا أن الحزب الشيوعي الصيني يدرك أن النمو الاقتصادي وحده لا يستطيع توفير منصة سياسية آمنة.

ويشير تشانج إلى أن الكثير من سياسات الرئيس شي جين بينج، مثل مبادرة الحزام والطريق، والدبلوماسية الجازمة، و”الازدهار المشترك”، ومكافحة الفساد، “وحكم البلاد بموجب القانون”، يمكن فهمها كمحاولات لخلق مصادر جديدة للشرعية.

3 فئات

تنقسم جهود شي إلى 3 فئات، وفق تشانج. الفئة الأولى هي الجهود التي تسعى لبناء منصة سياسة داخلية اشتراكية في الأساس، وبها يجري قمع المصالح الرأسمالية جزئيًا لصالح المزيد من الاستثمار الحكومي في برامج الرعاية الاجتماعية وإعادة التوزيع، مثل برامج الحد من الفقر و”الازدهار المشترك”.

والفئة الثانية هي السياسات مثل مبادرة الحزام والطريق والنشاط الدبلوماسي الذي يؤجج المشاعر القومية لتعزيز الدعم السياسي. أما الفئة الثالثة فهي مجموعة من الإصلاحات المؤسسية التي ترتكز على مكافحة الفساد وشعار “حكم البلاد بموجب القانون” لتصوير سلوك الحكومة على أنه قانوني.

ويلفت تشانج إلى أن هذه الفئات الـ3 من الجهود تظهر بوضوح في الخطب والوثائق السياسية المهمة، لكن بعضها يبدو فعالًا أكثر من الأخرى.

المشاعر القومية

أصبحت القومية أهم تيار سياسي صيني في السنوات الأخيرة، وهي تشكل سلوك الحكومة وتفاعلات الشعب معها، وفق تشانج. وتحافظ الحكومة الصينية الآن على جهاز إعلامي كبير لنشر الروايات القومية، التي يتداولها في ما بعد المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي وعدد ضخم من أنصار القومية.

إلا أنه توجد نقاط ضعف حرجة في علاقة دولة الحزب بالقومية. هذا لأنه في حين أن بعض أشكال القومية متأصلة في المعتقدات الاجتماعية عن الهوية والدين، فإن النسخة المعاصرة من القومية الصينية متأصلة في الروايات عن الثروة القومية والقوة.

ويوضح تشانج أنها تجذب اهتمام العامة لأنها تحتفي بالإنجازات المادية للصين على مدار العقود الماضية وتولد شعورًا بالفخر والرضا. وهكذا، فهي تعتمد على النجاح المادي المستمر للدولة، المتمثل في الازدهار الاقتصادي، والقوة العسكرية، والانتصارات الدبلوماسية.

خطر سياسي

يشير أستاذ القانون إلى وجود خطر سياسي في القومية الصينية المعاصرة. هذا لأن طبيعتها تسمح لها بتضخيم الدعم الشعبي لدولة الحزب عندما يكون الأداء الاقتصادي القومي مرتفعًا لكنها لا تسمح لها بالعمل كمصدر احتياطي للمشروعية السياسية عندما يصارع الاقتصاد.

ورغم أن شرح كيف أصبحت القومية الصينية معتمدة على الأداء معقد بنحو استثنائي، فإن عداء الحزب الشيوعي للكونفشيوسية وغيرها من أشكال الثقافة التقليدية لعب دورًا كبيرًا ومؤثرًا. ويقول تشانج إن الحزب مسؤول إلى حد كبير عن تشكيل القومية الصينية في هذه الصورة المعتمدة على الأداء.

البحث عن الشرعية

يعتمد شي ومساعدوه الآن على القانون لترسيخ مشروعيتهم. ويوضح أستاذ القانون أن “المشروعية” تعزز من قبضة السلطات المركزية في أكثر الأحيان، على عكس “سيادة القانون” التي تتطلب عمليات تدقيق قانونية شاملة على الفاعلين السياسيين في المستويات العليا.

لكن القانون الصيني لا يفرض قيودًا قانونية على سلطة القيادة المركزية للحزب. وبالتالي لا يهدف إلى فرض “سيادة القانون”، حسب المعنى التقليدي للمصطلح. إلا أنه يفرض قيودًا قانونية على الآخرين.

ويقول تشانج إن الحزب الشيوعي الصيني يهتم بفرض القوانين بنحو منهجي وقوي، ما دامت تعبر عن الإرادة السياسية لقيادته. ومنذ 2014، مرر شي العديد من التغييرات المؤسسية التي تهدف إلى زيادة الامتثال العام للقوانين واللوائح.

فوائد المشروعية

تتجاوز فوائد المشروعية التحكم في المسؤولين المحليين أو زيادة الامتثال الاجتماعي. وحسب تشانج، توفر مصدرًا منفصلًا للشرعية السياسية التي لا تعتمد على الأداء الاقتصادي، ويمكن أن تصبح مصدرًا للثقة الاجتماعية في حد ذاتها.

وحسب الكثير من علماء الاجتماع، تمتلك العديد من المجتمعات البشرية ميلًا لـ”قبول القانون كسبب”، ولرؤية المشروعية سببًا أصيلًا لقبول أفعال الدولة. وهذا القبول يُعد ظاهرة متكررة بوجه خاص في المجتمعات غير الديمقراطية، وغير الليبرالية.

المشروعية في الصين

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذه الظاهرة موجودة في الصين أيضًا. ووفق تشانج، تُظهر الاستطلاعات أن سكان الحضر الصينيين يتفاعلون إيجابيًا مع الإصلاحات المؤسسية التي تعزز الكفاءة القانونية للسياسة الحكومية، حتى عندما تقيد تلك الإصلاحات حقوق وحريات الأفراد.

ومن المؤكد أن الحكومة الصينية تعتقد أن المشروعية قد تصبح مصدرًا للشرعية السياسية. ويوضح تشانج أنه مؤخرًا، عندما تظهر موجة قوية من الاستياء الشعبي إزاء إجراء لحكومة محلية، ترد الحكومة المركزية بإعادة التأكيد على أهمية “حكم البلاد بموجب القانون” والتعهد بتقديم المزيد من التدريب القانوني للمسؤولين المحليين.

وختامًا، يلفت أستاذ القانون إلى أن الصين تراهن على أن الاستثمار في المشروعية سيعزز ثقة الشعب في أفعال الحكومة. وعلى الرغم أنه من غير المؤكد أن فوائد الالتزام بالمشروعية ستعوض خسائر الأداء الاقتصادي الضعيف، يرى تشانج أنها الخيار الواعد ضمن البدائل الأخرى.

ربما يعجبك أيضا