«فورين أفيرز» تحلل سبب تغيير روسيا استراتيجياتها العسكرية في أوكرانيا

رنا أسامة

القرارات الاستراتيجية الروسية باتت ذات مغزى عسكري، في وقت عززت فيه التعبئة الجزئية، التي أمر بها بوتين، قوات موسكو في الخطوط الأمامية للحرب.


“الروس الأغبياء ماتوا”، هكذا علق مسؤولون أوكرانيون على تخلي الجيش الروسي عن استراتيجياته، التي تبناها في الأسابيع الأولى من الحرب.

ويقول أستاذ العلوم السياسية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، باري بوسين، في تحليل نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، اليوم الأربعاء 4 يناير 2023، أن حدس الأوكرانيين صدق، وصارت موسكو أكثر ذكاء في ما يتعلق بالاستراتيجية العسكرية الشاملة.

مغزى عسكري

أشار بوسين، في تحليله، إلى أن القرارات الاستراتيجية الروسية باتت ذات مغزى عسكري، في وقت عززت فيه التعبئة الجزئية، التي أمر بها الرئيس فلاديمير بوتين، في سبتمبر الماضي، القوات الروسية في الخطوط الأمامية.

ورأى أن قصف البنى التحتية للطاقة الأوكرانية، منذ أكتوبر، أجبر كييف وحلفاءها على تحويل مواردهم نحو الدفاع عن المواطنين المهددين بشتاء قارس، في ظل غياب الكهرباء، مضيفًا أن الانسحاب الروسي من مدينة خيرسون، في نوفمبر الماضي، أنقذ وحدات حيوية بالجيش الروسي، وسمح بإعادة تشغيلها في أماكن أخرى.

حرب استنزاف

لفت التحليل إلى أن تقدم الجيش الأوكراني في ساحة المعركة، إبان الفترة التي كان فيها الروس في أضعف حالاتهم، لا ينفي الحقيقة المرة بأن نسبة الخسائر الروسية إلى الأوكرانية تبلغ واحدًا إلى واحد، وفق تقديرات أمريكية.

وقال إن الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير 2022، لا تسير في مصلحة كييف، بل هي حرب استنزاف، أو صراع ربما لن يتمكن فيه كلا الجانبين من حصد مكاسب، إلا بتكلفة باهظة، في حين تظهر المؤشرات عدم استعداد روسيا أو أوكرانيا للتفاوض.

مسار واعد

في حين أن أوكرانيا وداعميها يأملون انهيار الخطوط الأمامية للجيش الروسي، أو عودة سيد الكرملين إلى رشده وإنهاء الحرب، رأى بوسين أن احتمال وقوع هذا السيناريو ضئيل، واستبعد أيضًا انتهاء الحرب.

لكنه أشار إلى مسار واعد قد يُخرج الأزمة من عنق الزجاجة، بأن تدفع الولايات المتحدة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، لا سيما أنها الوحيدة القادرة على ذلك، وفق تعبير المحلل السياسي، لكنها قررت عدم التدخل، وفضّلت مشاهدة الحرب تتواصل بتكلفة بشرية مأساوية.

فشل ذريع

أشار التحليل إلى أن خطة بوتين الأولية للإطاحة بالحكومة الأوكرانية فشلت فشلًا ذريعًا. وحاول الروس إنقاذ تلك الخطة بتوجيه أعداد كبيرة من الدبابات والمدفعية والمشاة والقوات البرية نحو كييف، لكنها لم تنجُ من الكمائن الأوكرانية.

ومع تلاشي آمال بوتين في تحقيق نصر سريع وسهل بساحة المعركة، تصاعدت خسائر الجانبين. لكن لا يزال من الصعب حساب أعداد الضحايا. ووفق تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية، يبلغ الإجمالي 100 ألف ضحية لكل جانب على حدة.

هدف بسيط

من هذا المنطلق، يعتقد المحلل السايسي الأمريكي أن موسكو تضع نصب عينيها الآن هدفًا بسيطًا، وهو التمسك بالأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها، اعتمادًا على استراتيجيتين عسكريتين جديدتين، أولهما تعزيز القدرات الدفاعية، بغية تكبيد الأوكرانيين ثمنًا باهظًا لاستعادة أراضيهم.

والثاني يتعلق بإضعاف البنى التحتية الأوكرانية، أملًا أن يُفضي ذلك إما إلى التفاوض، وإما تكبيد الأوكرانيين وحلفائهم فاتورة مؤلمة وباهظة التكلفة، قد تقود في نهاية المطاف إلى صراع مجمد، تتوقف خلاله الهجمات المتبادلة تدريجيًّا، من دون تنازل.

معركة وحشية

الأمر الأكثر غموضًا في هذه المرحلة، حسب ما جاء في التحليل، يتعلق بقدرة روسيا على تدريب أعداد غفيرة من الوحدات القتالية لمواجهة القوات الأوكرانية في ساحة المعركة، وكذلك قدرتها على امتلاك أو تصنيع أو استيراد أسلحة وذخيرة تكفي لقتال مكثف، خلال العام الجديد.

وفي حال تمكنت روسيا من امتلاك تلك الوحدات وواصلت قتالها على المنوال نفسه، قد تمضي الحرب بشكلها الحالي إلى معركة وحشية، وفق ما يتوقعه التحليل، الذي قدر أن أوكرانيا قد تحتاج إلى مساعدات اقتصادية وعسكرية جديدة بـ100 مليار دولار.

وختم التحليل: “في المرحلة الحالية، لا يمكن للدبلوماسية أن تحدث تغييرًا في مسار الحرب، خصوصًا أن كل طرف يرى النصر ممكن، والهزيمة غير متصورة”.

ربما يعجبك أيضا